أمل مختار

خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

إن الراديكالية أو التطرف بمعنى التمسك بالقوالب الفكرية القديمة بدأ كمفهوم غربي، إلا أنه أصبح في الوقت الراهن لصيقًا بالإسلام والمسلمين أكثر من أي معتقد أو مجتمع آخر. ويعود ذلك ليس لأسباب تتعلق بجوهر الدين الإسلامي الحنيف ولا بطبيعة معتنقيه، ولكن بصورة أساسية بسبب الطفرة التي حدثت مؤخرًا في تشكل عدد كبير من التنظيمات والجماعات المتطرفة أو الإرهابية أو ما يطلق عليها عبثا بـ "الجهادية"! داخل بؤر الصراع في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك الدور الذي لعبه الإعلام الحديث ووسائل التواصل الاجتماعي في اتساع دائرة نشر صور حية تجمع بين الممارسات العنيفة لتلك الجماعات وبين مظاهر شكلية ولغوية مرتبطة بالإسلام والمسلمين، وهو الأمر الذي لم تحظ به أي جماعة أو تنظيم متطرف في الماضي.

وعلى الرغم من أن تلك الأفكار والممارسات المتطرفة والعنيفة، تعد سببا لنفور غالبية المسلمين من هذه التنظيمات، إلا أن تلك الأفكار وهذه الممارسات ما زالت تحمل قدرة على جذب عدد من الأفراد وخاصة من بين فئة الشباب، وإقناعهم بالانضمام كمقاتلين داخل تلك الجماعات، إضافةً إلى عدد أكبر من المتعاطفين المنتقلين بعقولهم دون أجسادهم إلى عالم التطرف حاليا، بدون ضمان لعدم تحولهم إلى الإرهاب الفعلي مستقبلا.

هذه الدراسة المشتركة، والتي كُتبت نسختها الأصلية باللغة الانجليزية منذ نحو العام، تحاول الاقتراب من هذه الظاهرة ومحاولة تحليلها، من خلال دراسة مسألة تجنيد الأفراد وانضمامهم للتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق، نظرا لما تمثله هذه الظاهرة من مخاطر جسيمة على الأوضاع الأمنية والإنسانية في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وأيضا تهديدات لا تقل خطورة على دول الجوار العربي والأوروبي، سواء بسبب الآثار المترتبة على انخراطهم في القتال في الحرب الدائرة هناك، أو الناتجة عن تداعيات عودتهم إلى بلدانهم الأصلية عقب الانتكاسات الميدانية التي لحقت، وما زالت تلحق، بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق. فبدأت الدراسة بتحليل أسباب انجذاب الأفراد العرب والأوروبيين لهذه الجماعات مع التركيز على حالة الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، والتي اختلفت عن كافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى في تأسيسها لدولة على أرض الواقع. تلك الأسباب تنقسم إلى أسباب أيديولوجية وسياسية، وسيسيولوجية ونفسية، واقتصادية وفنية، أخذا في الاعتبار الفوارق بين تأثر كلا من الأوروبيين والعرب بهذه الأسباب.

وتنتقل الدراسة في فصلها الثاني إلى تحليل آليات التواصل بين الجماعات المتطرفة وبين الأفراد بهدف تجنيدهم، من خلال تصنيف أنواع الفئات المستهدفة من التجنيد أولا، ثم إلقاء الضوء، ثانيا، على آليات التجنيد المباشرة وغير المباشرة. بالإضافة إلى تحليل أنواع الرسائل المتضمنة في خطاب التجنيد المرسل من قبل تلك الجماعات والتنظيمات بهدف التأثير على الأفراد وفي الأغلب الشباب لجذبهم إلى صفوفها.

ويناقش الفصل الثالث مسألة غاية في الأهمية، وهي قضية تجنيد النساء باعتبارها ظاهرة صاحبت ظهور داعش وجبهة النصرة والتنظيمات المتطرفة الأخرى في الحرب السورية الراهنة. وتكشف الدراسة في هذا الفصل عن الوجه النسائي في هذه التنظيمات، وتناقش الدوافع وراء انضمام العربيات والأوروبيات لمثل هذه المجتمعات القاسية والتنظيمات العنيفة.

ولأن ما تشكله التنظيمات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط من تهديد أمني يعتبر خطرا إقليميا ودوليا، كما أن تطور هذه التنظيمات كمًا وكيفًا أو العمل على ردعها طوال السنوات الست الماضية كان أمرًا مرهونًا بمصالح وتوجهات دول كثيرة، ليس منها على أي حال الدول صاحبة الأرض المنكوبة سوريا والعراق، كان من المنطقي أن يناقش الفصل الرابع والأخير دور الفاعلين الدوليين والإقليميين تجاه تلك الجماعات المتطرفة.

والجدير بالذكر التنويه أن هذه المقدمة تُكتب في وقت يعاني فيه تنظيم داعش من انتكاسات عسكرية متلاحقة في العراق وسوريا، كما أن جبهة النصرة مرت بتحالفات وانشقاقات وتحول في اسمها وصل أخيرا إلى هيئة تحرير الشام، الا أن هذه الجماعات ما زالت تمثل تهديدًا أمنيًا محليًا وإقليميًا ودوليًا كبيرًا. كما أن ذلك الفكر الديني المتطرف الذي أصبح يمثل طاقة خبيثة قوية لا يمكن أن ينتهي بانتهاء تنظيم أو جماعة بعينها، لأنه ينتقل من صورة إلى أخرى ومن جماعة إلى أخرى. وسيظل جاذبا لأفراد جدد وأجيال أخرى طالما ظلت الأسباب متوفرة وقنوات التواصل مفتوحة.