أكد العدد الجديد من دورية كراسات استراتيجية، والذي جاء بعنوان "مصر واتفاق باريس لمواجهة التغير المناخي: الطريق إلى عام 2020"على أن تنفيذ هذا الاتفاق بشكل ناجح، سوف يمكن مصر، على الأرجح، من تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 وما قد يعترضها من عقبات بسبب الآثار السلبية للتغير المناخي، من خلال فتح الآفاق أمامها، للاستفادة من الدعم المقدم من الدول المتقدمة في مجالات التمويل، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات.
وحذرت الدراسة، التي أعدها د. أحمد قنديل، خبير الشئون الدولية والآسيوية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،من أن مصر ستكون من أكثر دول العالم تضررًا من آثار التغيرات المناخية رغم أن انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري المسببة للتغير المناخي العالمي لا تمثل سوى 0.57 في المائة من إجمالي انبعاثات العالم. ونبهت الدراسة أيضًا إلى أن الأضرار الناجمة عن التغير المناخي قد تكبد المصريين خسائر فادحة في العديد من المجالات والقطاعات، كما أنها قد تهدد أيضًا بإفشال جهود التنمية وبزيادة معدلات الفقر، وبتفاقم عدم الأمن المائي والغذائي، وبتدهور الأحوال المعيشية لملايين المواطنين المصريين.على سبيل المثال، حذر تقرير التنمية البشرية العالمي (2007 – 2008)، الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، من إمكانية تعرض ملايين المواطنين المصريين، القاطنين في شمال الدلتا، للتهجير بسبب الفيضانات التي ربما تنتج عن ارتفاع منسوب مياة البحر المتوسط. كذلك أشار التقرير إلى إمكانية تغير معدلات هطول الأمطار وسرعة واتجاه الرياح، وزيادة موجات الحر الشديدة، بما قد يؤدي إلى زيادة تعرض المواطنين المصريين القاطنين في المناطق العشوائية والريفية، بل وبعض المناطق الحضرية، إلى الفيضانات والسيول. ومن جهة أخرى، يشير عدد من الخبراء إلى أن التغير المناخي قد يؤثر سلبيًّا على الموارد المائية المتاحة لمصر، خاصة فيما يتعلق بمياة النيل، الذي يعتمد عليه المصريون، بنسبة 95 في المائة، لتلبية الاحتياجات المائية في الشرب والزراعة والصناعة وتوليد الطاقة، والملاحة، وغيرها. فقد أفادت العديد من الدراسات أن التدفق الطبيعي لنهر النيل سوف يتراجع باستمرار، خلال السنوات القادمة، بسبب الجفاف وانخفاض هطول الأمطار على أحواض النيل العليا.
وفي ضوء هذه التداعيات الخطيرة على حياة غالبية المواطنين المصريين، لم يكن غريبًا، وفقًا للدراسة، أن يتزايد اهتمام الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، بشكل ملحوظ بالجهود الدولية المتزايدة لمواجهة التغير المناخي العالمي، والتفاعل معها على عدة مستويات. فمن جهة، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أول مشاركة من نوعها على الإطلاق لرئيس مصري في مؤتمر دولي يتعلق بالمناخ، في مؤتمر باريس للتغير المناخي، الذي انعقد في العاصمة الفرنسية في ديسمبر 2015، في رسالة واضحة للعالم تعكس مدى اهتمامه واقتناعه بخطورة التغير المناخي العالمي، وأهمية مواجهته بشكل ناجع لتحقيق المصالح المصرية من ناحية وإنقاذ كوكب الأرض من الدمار البيئي الذي أصبح يهدد استمرار الحياة البشرية، من ناحية ثانية.
ومن جهة ثانية، صدق مجلس النواب المصري في 4 مايو 2017 على قرار رئيس الجمهورية رقم 566 لسنة 2016 بشأن الموافقة على اتفاق باريس لمواجهة التغير المناخي، والذي وقعت عليه الحكومة المصرية في 22 إبريل 2016 ضمن 171 دولة خلال مراسم التوقيع على الاتفاق بمقر اﻷمم المتحدة بنيويورك.
ومن جهة ثالثة، تبنت الحكومات المصرية المتعاقبة عددًا من الخطط والسياسات والمشروعات لمواجهة تحدي التغير المناخي، بما يتماشى مع خططها الوطنية للتنمية وتتكامل معها، وتتسق أيضًا مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة حتى عام 2030. فعلى مستوى السياسات، تمت صياغة واعتماد "رؤية 2030 للتنمية المستدامة في مصر"، كما تم تحديث الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية، وتبني تعريفة للتغذية للطاقة المتجددة. وعلى مستوى المشروعات، تشهد مصر توسعًا ملموسًا في مشروعات البنية الأساسية والنقل، والتي من شأنها الإسهام في دعم جهود مصر في خفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، فضلًا عن المشروعات الخاصة بالتكيف، مثل حماية الشواطئ الشمالية ودلتا نهر النيل، والتي تعد من أكثر مناطق العالم هشاشة أمام التغيرات المناخية. كذلك، تم تفعيل عمل "المجلس الوطني للتغيرات المناخية"، الذي يضم في عضويته كافة الهيئات المعنية بمواجهة الأخطار والتهديدات الناجمة عن تغير المناخ.
كذلك أشارت الدراسة إلى أن الحكومة المصرية، في تقريرها بشأن "المساهمات المعتزمة المحددة وطنيا"، والذي قدمته في نوفمبر 2015، قد قدرت احتياجاتها من التمويل لتطبيق برامجها للتكيف والتخفيف في مواجهة التغير المناخي العالمي في الفترة من 2020 إلى 2030 بحوالي 73 مليار دولار، مع إمكانية زيادة هذا الرقم في ضوء معدلات التضخم وتغير سعر الصرف. وشددت الحكومة المصرية أيضًا على أن الجهود الوطنية بمفردها لن تتمكن من تلبية طموحاتها للمساهمة في الجهود الدولية الرامية إلى مواجهة التغير المناخي.
وخلصت الدراسة إلى أن اتفاق باريس لمواجهة التغير المناخي يعد "اتفاقًا تاريخيًّا"، ونقلة نوعية مهمة في الجهد الدولي المشترك الساعي إلى مواجهة تحديات التغير المناخي.إلا أن الدراسة أشارت إلى أن هذا الاتفاق لن يؤدي إلى تحقيق الهدف المرجو منه ما لم تف الدول المتقدمة بالتزاماتها، التي تشمل تقديم المساعدات الفنية والمالية والتكنولوجية، وذلك من أجل مساعدة الدول النامية في تحقيق التنمية المستدامة، والتغلب على مشكلات التغيرات المناخية، والتوسع في الأنشطة الصناعية، والقضاء على الفقر. فدون ذلك، لن تتحقق "العدالة المناخية" التي تقتضي قيام الدول المتقدمة بـ"تحمل مسئولياتها التاريخية" بسبب كونها المتسبب الأول في الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهي السبب الرئيس في ظواهر التغير المناخي.
وفي الاتجاه ذاته، شددت الدراسة على أن نجاح الدولة والمجتمع المصري في الاستفادة من اتفاق باريس للتغير المناخي سوف يتوقف على قيامهم باتخاذ عدد من الخطوات الملائمة، يأتي في مقدمتها: تحديد أهداف وطنية طموحة لخفض الانبعاثات والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وإصلاح الإطار المؤسسي، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي، وتطوير التكنولوجيا ونقلها، وتوفير الاستثمار والتمويل.
وأوصت الدراسة بسرعة قيام الحكومة المصرية بتنفيذ الإجراءات التي نص عليها اتفاق باريس، وفي مقدمتها تحديد إسهامها المحدد وطنيا Nationally Determined Contributions (NDCs)، و"الخطة الوطنية للتكيف" National Adaptation Plans (NAPs)، والاستراتيجية طويلة المدى Long-term Strategies (LTS) أو/و خطة العمل المناخي لمنتصف القرن (2050) mid-century) 2050) Climate Action Plans. فالقيام بمثل هذه الإجراءات يعد الخطوة الأولى للعمل المناخي الناجح في المستقبل، لأنه يمثل "البوصلة"، التي على أساسها يضع المستثمرون ومؤسسات التمويل الدولية وباقي القوى الفاعلة في هذا المجال خطط أعمالهم في المستقبل. كما أوصت الدراسة بضرورة تفعيل عمل "المجلس الوطني للتغيرات المناخية"، من خلال وضعه تحت قيادة رئاسة الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، بدلا من وزارة البيئة، إذ إن القسم الفني لاتفاق باريس لم يعد هو الجانب الأهم في ظل تنامي الأبعاد السياسية والدبلوماسية حاليا لتنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع، وهو الأمر الذي ظهر جليًا في ترؤس قادة العديد من الدول المتقدمة والنامية لوفودها المشاركة في مؤتمري باريس ومراكش الأخيرين، واللذين شارك فيهما مؤلف هذه الدراسة المهمة.