يبدو أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية سوف تجري في وقت غير مواتٍ بالنسبة لإيران، خاصة في ظل تصاعد حدة الضغوط الإقليمية والدولية عليها، بسبب أدوارها في دول الأزمات، فضلا عن تفاقم خلافها مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول الاتفاق النووي. ومن هنا، ركز العدد الجديد من مجلة "مختارات إيرانية" على حدود الصراعات السياسية الداخلية قبل الانتخابات، والرؤى الإيرانية المختلفة للتطورات الإقليمية والدولية المحيطة.
وقد جاءت افتتاحية المجلة، التى كتبها الأستاذ محمد عباس ناجى، رئيس التحرير، تحت عنوان "ضد التيار: تفكير خارج الصندوق فى طهران وواشنطن"، وتحدث فيها عن أن التصعيد الحالي من جانب إدارة ترامب لا يقلص من إمكانية الوصول إلى توافق "مفاجئ" بين طهران وواشنطن، حيث بدأ الحديث فى إيران يتزايد عن ضرورة الخروج من "المستنقع" السورى والتخلص من "أعباء" الاستمرار فى دعم نظام بشار الأسد، والذى بات يفرض على إيران ضغوطا لا تبدو هينة، سواء على صعيد علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية فى المنطقة التى تبدى استياء واسعا تجاه هذا الدعم، أو على مستوى تفاعلاتها مع إدارة ترامب، التى باتت تضع ضمن أولوياتها فى سوريا ضرورة إخراج إيران جنبا إلى جنب مع الحرب ضد تنظيم "داعش".
أيضا فى واشنطن، ظهرت أفكار جديدة تضفى أهمية خاصة على ضرورة التأثير فى التوازنات السياسية الداخلية فى إيران فى اتجاه يدعم تيار المعتدلين الذى يمكن أن ينجح، فى حالة ما إذا تراجع التصعيد الأمريكى ضد إيران، فى توسيع نطاق نفوذه داخليا بشكل سوف يساهم فى تراجع تأثير التيار المتشدد الذى يسعى دوما إلى استمرار التصعيد مع الخارج.
ويرى ناجي إنه لا يمكن التقليل أبدا من أهمية تلك المبادرات، حيث تفيد فترة الصفقات الإيرانية - الأمريكية التى جرت من وراء الكواليس خلال العقود التالية على قيام الثورة فى إيران عام 1979، بأنه فى ذروة التوتر بين الطرفين كانت هناك دائما مبادرات وأفكار خارج الصندوق، تساهم فى النهاية فى التوافق على تسويات لبعض الملفات الخلافية، بشكل حال دائما دون وصول هذا التوتر إلى حافة الهاوية.
وفى باب "آفاق إيرانية" الذى جاء تحت عنوان "العدوان الأمريكى على سوريا يربك حسابات الانتخابات الرئاسية الإيرانية"، تحدث الدكتور محمد السعيد إدريس، مستشار المجلة، عن الضربة التى وجهتها الولايات المتحدة ضد مطار "الشعيرات" في سوريا وتداعياتها على الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لما أحدثته تلك الضربة من إرباك لم يكن متوقعا فى مسار هذه المعركة الانتخابية. وقام بتقديم تصور لثلاثة سيناريوهات محتملة لتداعيات ذلك:
السيناريو الأول: أن ينجح تحالف الإصلاحيين والمعتدلين فى استغلال مخاطر ما يحدث فى سوريا من تهديدات مباشرة للأمن القومى الإيرانى للنيل من تيار الأصوليين والحرس الثورى الداعمين لمزيد من التورط الإيرانى فى الأزمات الإقليمية وتأزيم علاقات إيران الإقليمية وتحميل هؤلاء مسئولية تلك المخاطر، واستغلال رد الفعل الشعبى لصالح دعم الرئيس حسن روحانى.
السيناريو الثانى: أن يستغل الأصوليون المخاطر الخارجية لمزيد من التماسك الوطنى مع قيادة وطنية مدعومة من المتشددين وعلى رأسهم المرشد الأعلى. وهذا سيدعم من فرص فوز الأصوليين فى الانتخابات الرئاسية خصوصا مع إعلان إبراهيم رئيسى ترشحه.
السيناريو الثالث: أن تؤدى التهديدات الخارجية الجديدة وتصاعد الضغوط المحتملة ضد إيران إلى نجاح مساعى تحقيق "مصالحة وطنية"، لمواجهة المخاطر المتصاعدة التى تواجه إيران، بشكل قد يقود إلى توافق على شخصية وطنية تطرح للانتخابات الرئاسية المقبلة يجتمع عليها كل الأطراف، وتكون بمثابة رافعة جديدة للنهوض بإيران ومواجهة التحديات.
ورأى الأستاذ الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن، مستشار المجلة، في باب "قضية العدد"، الذي جاء تحت عنوان "هل تتغير اللعبة السياسية فى إيران؟"، إن هناك منافسة بين الأحزاب السياسية داخل إيران، واعتبر أن الإصلاحيين اضطروا إلى دعم الرئيس حسن روحانى للوصول إلى فترة رئاسة ثانية، على أمل أن يحقق ما عجز عن تحقيقه لزعماء التيار الإصلاحى فى فترة توليه الأولى، مشيرا إلى أن رؤية أحزاب التيار الأصولى يرون إن حجة الإسلام إبراهيم رئيسى هو الشخص الوحيد القادر على توحيد قوى تيار الأصوليين.
وضم باب "دراسات" أربعة دراسات: رصدت الأولى إرهاصات التوجهات الإيرانية والأمريكية الجديدة، وقدمت المجلة خلالها للقارئ العربى ترجمة لمقالين، باللغة الفارسية والإنجليزية، يتضمنان بعض الأفكار التى تسير ضد التيار، والتى ناقشها الأستاذ محمد عباس ناجى فى افتتاحية العدد.
الدراسة المترجمة من اللغة الفارسية كانت بعنوان "فكر الروس فيها، أما نحن "الإيرانيين" فلم نفكر فيها.. المعضلة الكبرى: إستراتيجية الانسحاب من سوريا"، حيث تقول إن إيران وتركيا من بين الدول التى لا تملك إستراتيجية للخروج من الحرب في سوريا. وفى هذه الأثناء يبدو أن الروس لديهم استراتيجية للخروج من الحرب.
أما الدراسة المترجمة من اللغة الإنجليزية فكانت بعنوان "ادعموا الإصلاحيين الإيرانيين قبل فوات الأوان! استنفاد الوقت فى إيران"، حيث تركيز على تأثير سياسة العقوبات التى تتبعها الولايات المتحدة على دعم وتعزيز دور المتشددين الإيرانيين فى الداخل، وعدم إفساح المجال للإصلاحيين لتمكينهم وإبراز دورهم.
أما الدراسة الثانية، فناقش خلالها الكاتب ما تحتاج إليه الآن الولايات المتحدة من إستراتيجية "صد" متكاملة، وموازنة وشاملة، ولكن مع الأخذ فى اعتبارها طريقة ارتباط الملفات فى الشرق الأوسط، حيث أن صد إيران فى اليمن يجعلها تثير المواطنين الشيعة فى البحرين، واحتواءها فى سوريا يجعلها تستخدم الميليشيات الشيعة فى العراق لإضعاف الجهود الأمريكية في الحرب ضد "داعش"، أو تشجيع حماس لشن حملات صاروخية من غزة ضد إسرائيل.
وجاءت الثالثة التى أعدها الأستاذ أحمد كامل البحيرى بعنوان "قدرات محدودة: سلاح الجو الإيرانى (1-2)"، حيث قام بتحليل القدرات الجوية الإيرانية، التى يبلغ عدد العاملين بها نحو 52 ألفا وتتضمن نحو 500 طائرة متنوعة بين طائرات مقاتلة وطائرات تدريب وطائرات نقل، وطائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر، إلا أن أغلب تلك الطائرات قديمة وترجع لعهد الشاه. فيما ناقشت الدراسة الرابعة التى كتبها الأستاذ علاء سالم، حدود التغيير الذى أحدثته الانتخابات الأمريكية في السياسة الأمريكية تجاه إيران.
وتضمن باب "شئون داخلية" عدة قضايا مختلفة، تضمنت حديث المرشد الأعلى حول الاقتصاد المقاوم، وتأكيده على ضرورة أن يستند البلد على مدراء ثوريين ومؤمنين ونشطاء، فضلا عن مشروع الحرس الثورى والباسيج لانتخابات الرئاسة، والكشف عن العميل السرى الثالث لخامنئى فى الانتخابات. ويشير باب "اتجاهات" إلى احتدام صراع الانتخابات الرئاسية التى سوف تشتد خلال الفترة القادمة وحتى يوم التصويت الانتخابى.
واحتوى باب "تفاعلات إقليمية" على التحولات الاستراتيجية الجديدة فى سوريا التي فرضتها الضربة الصاروخية الأمريكية، وحقيقة القاعدة الإيرانية فى اللاذقية، ودور إيران فى الصراع على إقليم قرة باغ. وأشار باب "سياسات" الذى جاء بعنوان "قراءة فى السياسة الدفاعية الإيرانية" إلى أن الاستراتيجية العسكرية لإيران هى إستراتيجية هجومية، وليست دفاعية، ومن أكبر مظاهرها تطوير صناعة الصواريخ، التى هى موضوع خلاف مع القوى الدولية.
وعرض الأستاذ الدكتور محمد نور الدين عبد المنعم فى "الزاوية الثقافية" مكانة المرأة فى الأمثال الفارسية. فيما تضمن باب "علاقات دولية" مقالين: الأول يؤيد إعادة التفاوض حول الاتفاق، خاصة فى ظل إدارة يقودها أحد الجمهوريين، ولكنه يمانع التنصل التام منه. أما الثانى، فيناقش السياسة الخارجية لترامب، وكيفية مواجهته لإيران.
وفى "الزاوية الاجتماعية" ركز الأستاذ الدكتور يحيى داود عباس على "نظرية المظلومية"، التي تعتبر الركيزة الأساسية التى ينطلق منها الشيعة، ومنهم الإيرانيون، والتى تحكم كل علاقاتهم مع الآخرين وتمثل حجر الزاوية فى أى برنامج سياسى يتم طرحه من جانبهم.
واختتم العدد بباب "رؤى عربية" الذى ضم ثلاث رؤى: ناقشت الأولى، التى كتبتها الأستاذة رانيا مكرم، مساعي روحانى لتكرار سيناريو استقطاب الشباب لدعمه فى الانتخابات الرئاسية. فى حين تناولت الثانية، التى كتبتها الدكتورة إيمان أحمد عبد الحليم، على إشكالية دعم التيار الإصلاحى للرئيس روحانى فى الانتخابات القادمة. وركزت الثالثة، التى كتبتها شروق صابر، على فرص وعوائق فوز روحانى بولاية جديدة فى الانتخابات القادمة.