د. صبحي عسيلة

رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

كانت اتفاقيتا كامب ديفيد اللتان وقعهما الرئيس السادات مع إسرائيل في عام 1978، وما ترتب عليها من معاهدة للسلام بين مصر وإسرائيل، في عام 1979، بمنزلة بداية لعصر جديد في السياسة الخارجية المصرية، ليس إزاء إسرائيل فحسب، بل وفيما يتعلق بالدول العربية، والقوى الإقليمية والدولية أيضا. وخلال السنوات الست الماضية منذ يناير 2011 استدعى المصريون- نخبة ورأى عام- معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، والسلام مع إسرائيل بصفة عامة، إلى مائدة حواراتهم اليومية كما لم يحدث من قبل، ونال المعاهدة ما نالها من شرح وتفسير وتحليل وانتقادات، وتزايدت الدعوات بضرورة إلغاء المعاهدة أو، على الأقل، تعديلها، بما أعاد إلى الأذهان الفترة التي تلت توقيع الاتفاقية والمعاهدة قبل ما يزيد على ثلاثين عاما، مضافا إلى تلك المرة عودة الحديث عن احتمالات اندلاع مواجهات بين مصر وإسرائيل، خاصة فى حال تم إلغاء اتفاقية كامب ديفيد. وقد تطورت الأمور عقب الثورة إلى أن لجأ البعض إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية على اعتبار أنها تقيد حرية مصر وسيادتها داخل سيناء لصالح إسرائيل، إلا أن محكمة القضاء الإداري قد حكمت برفض تلك الدعوى في 30 أكتوبر 2012، معللة ذلك بأن المعاهدة هي عمل من أعمال السيادة التي يختص بها رئيس الجمهورية، وبالتالي فهي تخرج عن نطاق إشراف القضاء.

وبصفة عامة، فقد عانت العلاقات المصرية – الإسرائيلية، أو بالأحرى معاهدة السلام عبر أكثر من ثلاثين عاما، العديد من العقبات أو التحديات التى يتمثل أهمها فى: أولا، المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاختراق الأمن القومي المصرى، عبر محاولتها توظيف العديد من الجواسيس، وشبكات التجسس على مصر. ثانيا، محاولات إسرائيل للحد من قدرات مصر العسكرية، وممارسة ضغوط عليها في هذا الإطار. ثالثا، السياسة الإسرائيلية تجاه الدول العربية خاصة فلسطين ولبنان وسوريا، إذ كان لفشل اتفاقيتي كامب ديفيد في التعامل أو حل القضية الفلسطينية حلا مرضيا يطال كل جوانبها نذيرا بأن السنوات التالية لتوقيع السلام المصرى - الإسرائيلى ستشهد كثيرا من الركود والإحباط في مسار حل تلك القضية بكل تداعياتها على العلاقات المصرية - الإسرائيلية، خاصة أن منظمة التحرير الفلسطينية قد نظرت إلى اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية بأنها تشكل كارثة لا سبيل لتحييد آثارها السلبية على القضية الفلسطينية. رابعا، تمثل السعي الإسرائيلي للحد من الدور الإقليمي لمصر والتأثير عليه ومحاولتها الهيمنة على الشرق الأوسط، من خلال طرح فكرة مشروع الشرق أوسطية الذي يقوم على محاولة إعادة هيكلة المنطقة، وإقامة نظام إقليمي جديد بها فيه موقع الريادة. خامسا، الصورة النمطية السلبية التي تكونت لدى الرأي العام المصري عن إسرائيل، باعتبارها دولة عنصرية تعتمد على القوة العسكرية والعدوان على الآخرين. فهي مجتمع صمم بحيث يكون في حالة حرب دائمة، وهي الصورة التي أسهمت السياسات الإسرائيلية في تدعيمها عبر الثلاثين عاما، بل إن تلك السياسات قد فرصت حالة من التوتر الدائم على العلاقة بين الجانبين، وهو الأمر الذي جعل العلاقات المصرية - الإسرائيلية دائما أسيرة لسحابة لا تنقشع من الريبة والشكوك بين الجانبين. سادسا، يأتي تحدي عدم الاستقرار في المنطقة (المنطقة شهدت حروبا وتوترات عديدة، مثل حرب العراق وإيران، حرب الخليج الأولى والثانية، انتفاضتين فلسطينيتين، وثلاثة حروب إسرائيلية ضد قطاع غزة وحرب لبنان، والثورات العربية وما تمخض عنها من انفلات أمني في سيناء.

وأخيرا، استمرار الجدال حول المعاهدة بين الإلغاء والتعديل، وأيضاً حول جدواها، خاصة في ظل الحديث عن المعونة الأمريكية والالتزامات الأمريكية بموجب المعاهدة، وتفجير خط الغاز عقب ثورة يناير، والهجوم على السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وعدم تحقق وعود الرفاهية الاقتصادية للمصريين، جراء السلام... وربما الجدال والانقسام حول فكرة السلام نفسها.