هناك أمران مهمان فى قضايا برلمانية هذا الشهر يشكلان تطورًا بالغ الأهمية لكل من المجلة والقارئ فى آن واحد، يتمثل أولهما، فى انعقاد ورشة عمل حول مشروع قانون التأمين الصحى بحضور كريم من نواب لجنة الصحة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فى 15 فبراير الماضي، وذلك بالتنسيق مع مكتب اللجنة، وحضور ممثلين عن لجنة سن القانون، ونقابة الأطباء، فضلا عن خبراء من المملكة المتحدة. وقد أشار رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب خلال تلك الورشة إلى إلزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وألزمها بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وتجريم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة.
أما الأمر الثاني، فهو تقرير حصاد البرلمان فى الأشهر الثلاثة الأولى لعمله، ويعدّ الأول الذى سيليه تقارير ربع سنوية عن أعمال البرلمان، ستكون معينًا للنواب والباحثين للإطلاع على أداء البرلمان بشكل جمعى وموضوعي. وذلك من خلال موضوع يحمل عنوان " حصاد 90 يومًا لمجلس النواب فى الدورة البرلمانية الثانية" للأستاذ محمد المصرى – كاتب صحفى متخصص فى الشئون البرلمانية- حيث يتناول هذا الحصاد أداء البرلمان فى تلك الفترة حيث يتطرق فى هذا الصدد للأداءين التشريعى والرقابى للبرلمان، ولأداء الشعبة البرلمانية، وكذا التطورات الحادثة فى شئون العضوية.
كما يتناول هذا العدد ستة موضوعات أخرى، يختص الأول بتجديد الخطاب الديني، وكيف أن هذا التجديد لا يرتبط بالحداثة والمعاصرة قدر ارتباطه بالعودة لكتاب الله والسنّة المشرفة لمواجهة الإرهاب والتطرف، حيث يوضح الدكتور عبدالله مبروك النجار- أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وعضو مجمع الفقه الإسلامى الدولى بجدة-فى تقرير يحمل عنوان " الملامح المرجوه للخطاب الدعوى المعاصر"، أن هناك مجالات تقتضى تجديد الخطاب الدينى وفق للعودة لكتاب الله والسنة المطهرة، هذا التجديد ينبع من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتى هى أحس، بعيدا عن أى شكل من أشكال العنف. وقد يردد أحد المشتغلين بالمجال الدعوى أمورا تتماشى مع متون الكتب دون دراية بارتباط هذه المتون بالبيئة التى وقعت فيها.
ويتناول الموضوع الثانى المعوقات التى تعترض صدور قانون الإدارة المحلية، الذى يناقش فى اللجنة المختصة، منذ عدة أشهر، حيث يوضح الدكتور أيمن الباجورى - مدرس الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة – أنه فى عام 2007، ظهرت بوادر الإرادة السياسية فى مصر التى تتجه للتحول نحو اللامركزية، فجاءت التعديلات الدستورية متوافقة مع تلك الإرادة، لكن ظلت تلك النصوص فى اتجاه، وقانون 43 لسنة 1979 المنظم للمحليات فى اتجاه آخر. وعلى ذلك فإن وجود رؤية أحادية لتطوير قانون الإدارة المحلية، دون القوانين الأخرى المتصلة بالمحليات، يمثل أهم معوقات إصلاح الإدارة المحلية فى مصر. أما أهم معوقات إصدار قانون الإدارة المحلية، فتتصل بالخلاف حول عدد مقاعد المجالس المحلية، وقواعد المسألة فى تلك المجالس، وأسلوب تعيين القيادات التنفيذية المحلية.
أما الموضوع الثالث فهو يهم الفلاحين، ويتصل بإصدار قانون التعاون الزراعي، حيث يوضح الدكتور فوزى عبد العزيز الشاذلى - خبير تعاونى، ومستشار وزير الزراعة، مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعى الأسبق- فى تقرير يحمل عنوان " نحو قانون تعاونى زراعى جديد"، أن هناك العديد من الأسباب التى أدت إلى ضعف التعاونيات الزراعية، وحالت دون قيامها بمسئولياتها، وتتمثل أهم هذه الأسباب فى: أن العديد من مواد قانون التعاون الزراعى الحالى لا تتمشى مع متطلبات المرحلة الحالية، خصوصا فى ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتخلى الدولة عن دعم ومساندة التعاونيات الزراعية، وعدم تحديد القانون دورًا واضحًا ومحددًا لها فى إطار خطة الدولة، هذا بالإضافة إلى أن ضعف الوعى التعاونى لدى نسبة كبيرة من أعضاء مجالس الإدارات، والعاملين بالتعاونيات الزراعية من هنا يقوم الباحث باستعراض أهم ملامح القانون المرجو للتعاون الزراعى، ومبررات الأخذ بها.
أما الموضوعان الرابع والخامس، فيتصلان بنشاط الهيئات الرقابية لمكافحة الفساد، وأداء النائبات فى سبيل المساواة بين الجنسين. الموضوع الأول، يتطرق فيه الأستاذ محمد حافظ – صحفى بمؤسسة الأهرام- إلى تجاوز القوانين التى وضعها المشرع المصرى حد العشرين قانون لتنظم أعمال الجهات والأجهزة العاملة فى مجال منع ومكافحة الفساد. وبالنسبة للفساد التشريعى، فهو يحدث عندما تستغل السلطة التشريعية لإصدار قوانين تخدم مصالح معينة لأشخاص معينين، أو فئات معينة، على حساب الصالح العام. ولعل من الضمانات المطلوبة لعمل هيئة الرقابة الإدارية، تحريرها من قبضة السلطة التنفيذية التى يمكن تسييسها لتصفية حسابات سياسية، وإلغاء كل المواد الواردة التى تمكن رئيس السلطة التنفيذية من التدخل فى قرارات الهيئة، لذلك من المهم نقل تبعية هيئة الرقابة الإدارية إلى البرلمان لتكون عونا لمجلس النواب كسلطة رقابية على مراقبة الأداء والكفاءة الحكومية.
أما الثانى الذى يحمل عنوان "المساواة بين الجنسين – دور نواب البرلمان" فتوضح الأستاذة ميج مان - خبيرة بمؤسسة الشركاء الدوليين- أن تكتلات المرأة النائبة فى العديد من الدول حققت نجاحاً فى تحسين بيئة العمل للنائبات، إضافة إلى قيامهن بإثارة القضايا ذات الأهمية، لذا ينبغى على البرلمان أن يراقب تنفيذ التزاماته بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، بما فى ذلك مراجعته للتحفظات التى صدرت عن الحكومة بشأن اتفاقية السيداو، وإذا ما كانوا سيستمرون فيها أو سيسحبونها، ووجهة نظرهم فى الخطوات المتخذة مستقبلا، لكى تتناسب القوانين والسياسات المحلية مع أحكام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وأخيرًا ترصد المجلة فى تقرير خارجى -هو الأول من نوعه -يحمل عنوان " التشريعات المناهضة للديمقراطية فى إسرائيل " للدكتورة حنان أبو سكين - مدرس علوم سياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- أداء البرلمان الإسرائيلى فى تعميق قيم الاضطهاد والقمع والاستبداد، على خلاف ما تتشدق به إسرائيل من نهج ديمقراطى. فقد ناقش الكنيست خلال دورته الحالية العشرات من مشاريع القوانين المناهضة لحقوق الإنسان، إذ يمنع قانون الجمعيات الدعم عن المنظمات المعادية للاحتلال التى تتلقى دعمًا خارجيًا، بينما يتجاهل تلك الداعمة للاحتلال المدعومة من الصهيونية العالمية.أما قانون الإقصاء، فهو قانون يستهدف فلسطينيى الداخل من خلال طرد النواب العرب الذين توجه لبعضهم تهم التحريض أو الإدلاء بتصريحات تنتقد إسرائيل. وبخصوص قانون الأحداث، فهو يتيح للمحاكم الإسرائيلية احتجاز القاصر الذى أدين إما بالقتل أو محاولة القتل فى «مأوى مغلق»، وينص القانون على أن المحكمة تستطيع أن تحاكم أطفالا فى سن 12 عاما. ويشترط أحد القوانين إعلان المؤسسات الثقافية والإبداعية الولاء الكامل لإسرائيل قبل حصولها على أى تمويل حكومى أومخصصات مالية لممارسة أنشطتها.