قضايا وتحليلات - قضايا الإرهاب والتطرف 2017-2-27
أحمد كامل البحيري

باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

بث تنظيم بيت المقدس "ولاية سيناء" الإرهابي فيديو يوم الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٧، يحمل العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة والتي تجعل من هذا الفيديو وما يحتويه بمثابة تحول نوعي في توجهات التنظيم، بل يمكن اعتباره تحول استراتيجي ليس على مستوى تكتيكات العمليات الإرهابية وأهداف التنظيم فقط، بل على مستوى العلاقة التنظيمية مع تنظيم "الدول الإسلامية"- داعش خلال المرحلة المقبلة. فقد جاء محتوى الفيديو من حيث الشكل ليعلن تحولًا نوعيًّا في طبيعة أهداف التنظيم، بوضع الأقباط في مصر ضمن الأهداف الرئيسية للتنظيم خلال المرحلة المقبلة. ويؤكد هذا التحول قراءة طبيعة العمليات التي قام بها التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية؛ فخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قام تنظيم بيت المقدس بتنفيذ عدد من العمليات ضد الأقباط، كان أبرزها تفجير البطرسية يوم الأحد ١١ ديسمبر ٢٠١٦، وقتل ثلاثة مواطنين مصريين أقباط بسيناء خلال شهري يناير وفبراير ٢٠١٧. هذه العمليات الإرهابية تجاه الأقباط تشير إلى تحول نوعي في طبيعة أهداف تنظيم "بيت المقدس" والذي ركز خلال السنوات الثلاثة الماضية على استهداف قوات الأمن المصرية (الجيش والشرطة) سواء بمنطقة سيناء أو داخل العمق المصري (الوادي والدلتا). هذا التحول النوعي في تكتيكات التنظيم يطرح عددًا من التساؤلات حول طبيعة التحول النوعي الذي حدث في تكتيكات التنظيم؟ وهل يؤشر هذا التحول إلى تحول استراتيجي في البنية العقائدية والتنظيمية لتنظيم "بيت المقدس"؟  

واقع الأمر أن تحليل مضمون الفيديو المشار إليه أعلاه، يمكن أن يساعدنا كثيرًا في الإجابة على هذه التساؤلات المهمة. فقد تضمن الفيديو ست رسائل أساسية خلال عشرين دقيقة، هي مدة الفيديو. ونركز هنا على رسالتين أساسيتين تضمنها الفيديو.

أولًا، إدخال الأقباط في دائرة الصراع، حيث احتل الأقباط المحور الرئيسي بفيديو تنظيم بيت المقدس من حيث الشكل والمضمون، فجاء محتوى الفيديو لتأصيل الأسباب والدوافع الفقهية وراء استهداف الأقباط بمصر من وجهة نظر تنظيم بيت المقدس، وهو ما أعلنه التنظيم بشكل مباشر في الدقيقة الثانية عشر بقوله: "فكان لزامًا على المقاتلين استهداف نصارى مصر، وتنغيص عيشتهم في أي مكان، وإدخالهم في دائرة الصراع؛ فهم من جملة الصليبيين المحاربين للمسلمين". وبتحليل هذا الجزء يمكن استنتاج ثلاث نتائج مهمة. الأولى، هي إدخال التنظيم الإرهابي الأقباط كهدف رئيسي على الأجندة القتالية للتنظيم، واعتبار الأقباط محور رئيسي سيعمل عليه التنظيم خلال الفترة المقبلة. الثانية، هي عودة التنظيم لأدبيات تنظيم القاعدة القديمة، والتي اعتمدت عليها كافة التنظيمات الإرهابية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين وحتي قبل نشأة تنظيم "داعش". هذا وإن دل على شيء فإنما يدل على تحول تنظيمي قد يجري الآن في صفوف تنظيم بيت المقدس حول الاستمرار في بيعة تنظيم "داعش"، أو العودة إلى البيعة لتنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري. النتيجة الثالثة، هي الربط بين الأقباط بمصر وكافة المسيحيين في العالم، فبالنظر إلى عملية الكنيسة البطرسية والتي تم تنفيذها بعد أيام من إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز الرئيس ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وبدء استهداف المسيحيين من قبل تنظيم بيت المقدس في شمال سيناء خلال شهري يناير وفبراير ٢٠١٧، هذا الربط الزمني، مع الوضع في الاعتبار النتيجة الثانية، يدفعنا لطرح تساؤل حول طبيعة التحولات التي ينتوي التنظيم إدخالها على تكتيكاته عقب التحولات الأخيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية؟

ويختتم تنظيم بيت المقدس رسائل الفيديو بالوعيد بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأقباط في مصر خلال الفترة المقبلة، حيث جاءت الرسالة الأخيرة بقولهم "أيها الصليبيون في مصر إن هذه العملية (البطرسية) التي ضربتكم في معبدكم لهي الأولى، وبعدها عمليات. وإنكم لهدفنا الأول وصيدنا المفضل ولهيب حربنا". هذا الإعلان يضع على المؤسسات الأمنية في مصر تحديًّا جديدًا لمواجهة تنامي خطر استهداف الأقباط ودور العبادة خلال المرحلة المقبلة.

ثانيًا، انتهاء مسمى "ولاية سيناء"، فقد حمل فيديو تنظيم بيت المقدس شعار "مصر" بدلا من شعار "سيناء" (الشعار الدائم لكافة فيديوهات وبيانات التنظيم الإرهابي منذ البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية بزعامة أبي بكر البغدادي في ٢٠١٤). وقد جاءت الرسالة الأخيرة في الفيديو لتعلن عن مسمى "الدولة الإسلامية بمصر"، وليس "ولاية سيناء" التابعة للدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وبتحليل هذا المشهد يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات لطبيعة هذا التغيير.

السيناريو الأول، أن هذا التغيير يشير إلى انفصال تنظيم بيت المقدس عن تنظيم "داعش"، واعتبار مصر دولة إسلامية بعيدًا عن دولة المركز في سوريا والعراق، وعدم إعلان التنظيم ذلك بشكل مباشر يمكن أن يرجع لأسباب لها علاقة بوضع التنظيم الإرهابي في سيناء في ظل ما يتعرض له من ضربات أمنية شديدة، بجانب حرصه على عدم توصيل أي إشارات حول حدوث انشقاقات مع داعش الأم في ظل تراجع سيطرة التنظيم في سوريا والعراق مما قد يؤثر على أوضاع المقاتلين في سوريا والعراق، وانعكاس ذلك على أعضاء تنظيم بيت المقدس في سيناء.

السيناريو الثاني، أن هذا التغيير يشير إلى محاولة تنظيم بيت المقدس توسيع نطاق المواجهة على مستوى البلاد والخروج من نطاق سيناء نتيجة حالة التضييق على التنظيم من قبل قوات الأمن المصرية.

السيناريو الثالث، أن هذا التغيير يمثل محاولة من جانب تنظيم بيت المقدس لاستيعاب بعض التنظيمات الإرهابية غير التقليدية (مثل حسم، لواء الثورة، نموذج) داخل بنية التنظيم مع تقسيم دوائر العمل بحيث تظل مجموعات إرهابية تنفذ عملياتها في الوادي والدلتا بجانب استمرار تنظيم بيت المقدس في نطاق سيناء، وهو ما يجعل من تغيير اسم ولاية سيناء إلى الدولة الإسلامية بمصر هو الاسم الأدق لطبيعة المرحلة المقبلة للجماعات الإرهابية.