د. صبحي عسيلة

رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

لم تمنح سيطرة حماس على قطاع غزة قبل نحو عقد من الزمان ما كانت تطمح إليه من وضع مميز في علاقاتها بمصر. إذ ظلت مصر تتعامل مع حماس باعتبارها فصيلا فلسطينيا، ومن ثم تندرج علاقاتها معه في سياق العلاقات مع الداخل الفلسطيني عامة، في ظل وجود عنوان واحد للعلاقة مع الجانب الفلسطيني ممثلا في السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد دأبت مصر دائما على الاحتفاظ بمسافة واحدة من كل الفصائل الفلسطينية، حتى لا يخرج الملف من بين يديها ويخضع للتجاذبات الإقليمية بكل تداعياتها السلبية على الملف والقرار الفلسطيني، وبما لا يعقد أو يعرقل إنجاز المصالحة الفلسطينية. ومن ثم فقد ظل الحاكم لعلاقة مصر بحماس منذ سيطرة الأخيرة على القطاع هو حتمية إعادة اللحمة الفلسطينية لما كانت عليه، ومن ثم رعت مصر العديد من جولات الحوار بين حماس وبقية الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية. بيد أن الفترة التي بدأت منذ يناير 2011 وما نسب لحماس من دور فيما شهدته مصر من أحداث عنف واقتحام السجون المصرية، وما تلا ذلك من موقفها في أعقاب إزاحة الإخوان المسلمين عن الحكم في يونيو 2013، شهدت توترا غير مسبوق في العلاقة بين مصر وحماس، دون أن يعني ذلك توقفا للتواصل مع حماس بغية تحقيق المصالحة الفلسطينية. فالسياسة المصرية تجاه حماس خاصة بعد سيطرتها على القطاع ظلت محكومة باعتبارات ثابتة لم تنل منها ما تقوم به حماس تجاه مصر.

وقد انعكس التوتر الحاد بين مصر وحماس في المرحلة التالية للإخوان في توجه بعض المصريين إلى القضاء مطالبين باعتبار حماس منظمة إرهابية. وبالفعل صدر الحكم باعتبارها منظمة إرهابية في فبراير 2015 قبل أن يتم إلغائه من قبل محكمة الأمور المستعجلة بعد حوالي أربعة أشهر من الحكم الأول، وتحديدا في 6 يونيو 2015، علاوة على الهجوم الإعلامي الذي تعرضت له حماس في الإعلام المصري بشكل غير مسبوق. ومع ذلك فإن حادث اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 26 يونيو 2015 وما تلاه في 6 مارس 2016 حين أكد وزير الداخلية ضلوع حماس في عملية الاغتيال حين ذكر في المؤتمر الصحفي المخصص للكشف عن تفاصيل الحادث "حركة حماس الفلسطينيّة هي من دربت لعملية اغتيال النائب العام وخططت لها، وعملية التنفيذ قام بها عناصر إخوانية في الداخل بالتنسيق مع عناصر من الهاربين في تركيا"، وهو الاتهام الذي رفضته حماس بشده معتبرة أنها اتهامات لا أساس لها من الصحة. وقد طالب إسماعيل هنية مصر بضرورة إعادة النظر في توجيه ذلك الاتهام. وهو الأمر الذي دفع لزيارة وفد من حماس لمصر بعد ستة أيام فقط من توجيه ذلك الاتهام. وكانت تلك هي الزيارة الأولى للحركة لمصر منذ ثورة 30 يونيو. وأكد وفد حماس خلال الزيارة إدانته الكاملة لاغتيال النائب العام، وأكد موسى أبو مرزوق أحد قيادات حماس عقب الزيارة أن قطاع غزة لن يكون مأوى أو ملجأً لمن يضر بأمن مصر، وأن "الزيارة لها ما بعدها، وأنه لن يأتي من قبلهم إلا الخير والسلام". وأعقب تلك الزيارة زيارة أخرى بعد نحو أسبوعين قدمت حماس خلالها ردودا على المطالب المصرية التي أثيرت في اللقاء الأول والتي دارت طبقا لتصريح محمود الزهار حول الطلب من الحركة ضبط الحدود ومنع عمليات تهريب السلاح وتنقل أي أشخاص. ومع وصول منحنى التوتر بين مصر وحماس إلى تلك النقطة غير المسبوقة والتي كانت تنذر بتداعيات شديدة السلبية على الحركة التي كانت تخشى أن تتطور الأمور في اتجاه اعتبارها على المستوى العربي منظمة إرهابية على غرار القرار الذي اتخذ في ختام أعمال الدورة الـ 145 لوزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية في 11 مارس 2016 باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، سعت حماس للتعاطي بإيجابية وجدية في الوقت نفسه مع المطالب والرؤية المصرية، لإنقاذ العلاقة من المخاطر التي تحدق بها.

 ومنذ ذلك الوقت بدا واضحا أن ثمة سياسة واضحة لتبريد العلاقة بين مصر وحماس. ومع بدء الخلافات بين مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية أو بالأحرى حركة فتح قبل مؤتمرها العام بدأ التقارب بين مصر وحماس يأخذ ملامح جديدة وتتسارع وتيرة اللقاءات بين الطرفين وصولا إلى اللقاء الأهم بين وفد حماس برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأجهزة الأمنية المصرية في 23 يناير 2017. ويكتسب هذا اللقاء أهميته في مسار العلاقة بين الطرفين من عدة اعتبارات لعل أهمها أن وفد حماس رأسه السيد إسماعيل هنية الذي ظل لعدة أشهر متواجدا في قطر بما يعني أن تنسيقا كبيرا وحقيقيا لموقف الحركة قد تم، بما يعني أننا إزاء موقف واحد لا مجال فيه للحديث عن حماس الداخل والخارج، أي دون أن يكون هناك أي تباين بين موقف إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي وموقف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة. بمعنى آخر فإن وجود هنية على رأس الوفد يعني حضورا رفيع المستوى لحماس الداخل كما يعني أن ثمة توافقا تاما بين جناحي الحركة على التقارب مع مصر وتدفئة العلاقة معها، أو كسر الجليد الذي سيطر على العلاقة بين الطرفين لفترة طويلة طبقا لأحد قيادات حماس. وهو الأمر الذي يؤكده تصريح هنية عقب انتهاء الزيارة الذي قال فيه "إن العلاقة مع مصر ستشهد نقلات نوعية". أما الاعتبار الثاني الذي يكسب الزيارة أهمية خاصة فهو الظروف الدولية المتمثلة في وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة بكل ما تطرحه علاقته وسياسته تجاه إسرائيل من تحديات للقضية الفلسطينية خاصة ما يتعلق منها بإصراره على نقل السفارة الأمريكية للقدس، الأمر الذي يعيد ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية إلى مقدمة الأولويات مرة أخرى، وهو الملف الذي كان حاضرا على مائدة الحوار في الزيارة الأخيرة إضافة إلى قضايا المعبر وقضايا الأمن القومي المصري ومحاربة الإرهاب.

إذن، زيارة حماس الأخيرة بالمستوى الذي تمت به وبالظروف التي تحيط بها ستعيد قطار العلاقة بين مصر وحماس إلى مساره الطبيعي ضمن السياسة المصرية الثابتة إزاء الفصائل الفلسطينية وإزاء العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. ومن المؤكد أن الاتفاق بين الطرفين خلال ذلك الحوار على مزيد من التواصل والحوار يعني أننا إزاء جدية واضحة في أن تكون المرحلة المقبلة من العلاقة بين الطرفين مختلفة عما كانت عليه خلال أغلب فترة الأعوام الست الماضية. ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الطرفين قررا نهائيا إنهاء مرحلة التوتر، وهو القرار الذي بدأ بتبريد ذلك التوتر ثم إذابة الجليد الذي تراكم على تلك العلاقة ثم الانتقال إلى تدفئة تلك العلاقة توطئة للانتقال للمرحلة الأهم أو الهدف الرئيسي وهو انجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية وإعداد الطرف الفلسطيني للتعامل مع استحقاقات وتحديات المرحلة المقبلة في العلاقة مع الطرف الإسرائيلي. وفي هذا السياق يمكن توقع تسارع وتيرة الزيارات والحوار بين الطرفين وربما بمستوى أعلي مما تم في الزيارة الأخيرة، كما يمكن توقع أن تشهد القاهرة في الشهور المقبلة حوارا للفصائل الفلسطينية. وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الاستحقاقات الفلسطينية الداخلية المقبلة أي الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليست منبتة الصلة بما يجري من مساعي تدفئة العلاقات بين مصر وحماس. ولعل ذلك هو السبب الأساسي الذي يدفع البعض إلى الزعم بأن تدفئة العلاقات بين مصر وحماس تأتي على حساب حركة فتح. وهذا الزعم إضافة إلى أنه يتصادم بشكل واضح مع السياسة المصرية السابق الإشارة إليها فيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية والعلاقات التاريخية الممتدة بحركة فتح، فإنه في الحقيقية محاولة لإبقاء العلاقة بين مصر وحماس في خندق التوتر وإجهاض أية محاولات لتدفئة تلك العلاقة بكل ما تحمله من مصالح استراتيجية للطرفين.