د. أيمن السيد عبد الوهاب

نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية والخبير فى شئون المجتمع المدنى

فرض التساؤل عن مصير قانون الجمعيات الأهلية الذي أقره مجلس النواب (29 نوفمبر 2016) مجموعة من المفارقات والدلائل الخاصة، بأولويات الأجندة التشريعية، والفلسفة الحاكمة لهذه الأجندة، والعلاقة بين السلطات، لاسيما العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كما عكستها مناقشات القانون، وخاصة عندما تتباين الرؤى والأولويات تجاه تشريعات بعينها.

فحالة الغموض التي يثيرها مصير القانون، لا تتوافق مع سرعة مناقشته والتصويت عليه من ناحية، ولكنها في المقابل تتوافق مع حالة الارتياح التي تبديها بعض الأوساط الرسمية وفي مقدمتها وزارة التضامن الاجتماعي لتأخر صدوره من ناحية، ورغبة العديد من الجمعيات الأهلية لاسيما التنموية والحقوقية منها من ناحية ثانية، ومتماشية مع الضغوط الدولية من ناحية ثالثة.

كما أن مبررات عدم إرساله إلى رئيس الجمهورية والتي تمحورت حول ازدحام الأجندة التشريعية، يصعب قبولها والتعامل معها كمبررات حقيقية، وخاصة أنه مر ما يقرب من شهرين، والجدير بالذكر هنا أن المادة (123) من الدستور لم تحدد فترة زمنية محددة  لإرسال القوانين لرئيس الجمهورية، ولكنها أعطت للرئيس حق الاعتراض على القانون خلال ثلاثين يوماً من إرساله ورده للمجلس أو إقراره.بما يعنى أن تجميد القانون أو تأجيل تفعيله وإرساله للرئيس هو حق أصيل للبرلمان.

وهو ما يقودنا للتساؤل حول مصير واحد من القوانين المثيرة للنقاش والجدل العام، بعد قانون الخدمة العامة الذي تم إقراره بعد ماراثون طويل بين الحكومة والبرلمان، والتساؤل هنا يتجاوز الوضع الدستوري وحق البرلمان أو حتى حق الحكومة في صياغة التشريعات والقوانين إلى مسألة الفلسفة والرؤية الحاكمة للتشريعات ودور الدولة في المرحلة القادمة.

فالقانون بصياغته الحالية يعطي العديد من الرسائل غير المحفزة والداعمة للدور التنموي والحقوقي، كما أنه يعبر عن الكثير من المخاوف والهواجس التي قد يكون بعضها صحيح، كذلك يرسخ حالة التميز القائمة لبعض أنشطة وأنماط العمل الأهلي على حساب أنماط أخرى، وفي المقابل لم يعطِ القانون مساحة تساهم في إحداث نقلة تراكمية ونوعية مطلوبة في الفلسفة والقيم والأدوار لكافة مكونات التنظيمات الأهلية، ومن ثم، فربما يكون من الملائم استغلال حالة الغموض الراهنة حول مستقبل قانون الجمعيات

في تجاوز الكثير من المخاوف الناتجة عن أزمة الثقة، ومناقشة الرؤى الداعمة لاستمرار تغليب الأدوار التقليدية والأنماط الأهلية كسمة غالبة وربما وحيدة لدور الجمعيات الأهلية في المرحلة القادمة. وربما يمكن إحداث ذلك من خلال تجديد آلية الحوار المجتمعي بهدف صياغة رؤية مستقبلية للمجتمع المدني تتوافق مع أهداف بناء دولة حديثة ومجتمع قوي. وأن تستهدف هذه الآلية مواجهة العديد من مظاهر العشوائية والاختلالات والأنماط السلبية القائمة المرتبطة بالعمل الأهلي، لا أن يتم تقييد المساحة الصغيرة التي استطاع النشطين والقائمين والداعمين للعمل الأهلي تحقيقها عبر فترات ممتدة من التجاذب بين السلطة والمجتمع.

فالحاجة لأدوار العمل الأهلي التقليدية من عمل خيري وتقديم مساعدات ورعاية اجتماعية وقيم خاصة بالكفالة والتضامن لا تلغي الحاجة الملحة الآن لدعم النمط التنموي والحقوقي للعمل الأهلي وما يرتبط به من قيم مثل المسئولية الاجتماعية والمواطنة والتسامح والحوار والعدل. فلا بد وأن يكون التكامل بين تنظيمات المجتمع الأهلي ومنظمات المجتمع المدني واحدا من الركائز الأساسية التي يجب أخذها في الاعتبار في تلك المرحلة الانتقالية لدمج موارد وقدرات وخبرات المجتمع الأهلي مع المجتمع المدني.

فلا يجب في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها الدولة المصرية، أن تتغلب فيها الحسابات الأمنية فقط، ولا أن تحكمنا رؤى لديها هواجس أو انحيازات أيديولوجية ترتبط بأدوار المجتمع المدني. فالمطلوب الآن دعم النمط التنموي والحقوقي للحاجة الشديدة لتعظيم موارد وقدرات المجتمع المدني كشريك تنموي مع الحكومة والقطاع الخاص. ومن المطلوب أيضاً تفعيل الأنماط الحقوقية ليس بدعم المنظمات الحقوقية فقط، ولكن بأن تكون القيم والثقافة الحقوقية بمثابة ركيزة لكافة أنشطة وبرامج العمل الأهلي، وذلك لتعظيم قيمة المواطنة وتفعيل دور المواطن في تحمله مسئولية البناء في المرحلة الراهنة.

وبالتالي، يبقى التحدي الراهن مرتبط بقدرة الحكومة على إعادة النظر في الفلسفة الحاكمة لها ونظرتها للمجتمع المدني ككل، وليس الجمعيات الأهلية فقط وأن ينعكس ذلك في صياغتها لمجموعة القوانين المباشرة مثل قانون النقابات والتعاونيات والمحليات على سبيل المثال.

فهل يمكن أن يعاد مناقشة قانون الجمعيات مرة أخرى حتى يتوافر له قدر أكبر من التوافق المجتمعي والسياسي.  الإجابة بالطبع هي نعم، ولكن في دورة الانعقاد التشريعية التالية التي تبدأ في أكتوبر القادم، أم سنفاجأ بصدور القانون وتكون رسالته هي رسالة دولة للمجتمع.