ملفات - القضية الفلسطينية: من الحرب إلى التهدئة (حرب غزة الرابعة - مايو 2021)
PDF
مقدمة الملف
عبير ياسين

مثلت الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة في مايو ٢٠٢١، والتي عرفت فلسطينيا باسم 'سيف القدس'، وإسرائيلياً باسم 'حارس الأسوار'، نقطة فارقة في القضية الفلسطينية. ورغم حجم الدمار والخسائر البشرية، ساهمت الحرب في إحياء القضية وتأكيد مكانتها عربيا وإقليما ودوليا بعد سنوات من التهميش والتراجع. كما ساهمت في تركيز الضوء على المعاناة التي تواجه سكان قطاع غزة المحاصر منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية- حماس على القطاع في عام ٢٠٠٧، ومعاناة سكان المنازل المهددة بالتهجير القسري في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية. بالإضافة إلى المشاكل المترتبة على تجاهل التسوية السياسية للقضية ومحاولة فرض حلول غير عادلة تتجاوز فرص إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وطرحت الحرب الكثير من القضايا على صعيد العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، والفلسطينية - الإسرائيلية، والمواقف المختلفة من القضية وأطرافها، والحلول الممكنة والمطروحة إقليميا ودوليا.وشملت تلك القضايا العلاقة بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة المسلحة، ونهج التسوية السياسية مقابل المقاومة، وفرص الدولة في مواجهة تزايد دور اليمين الإسرائيلي والاستيطان، وموقع القدس الشرقية في ملف التسوية. وأدى التصعيد الذي بدأ في باب العامود والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في أبريل ٢٠٢١، وخلال شهر رمضان الماضي بكل ما له من قيمة رمزية وما يحمله من فرص للصدام بين الفلسطينيين والمستوطنين في القدس، إلى دخول فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة على خط الأحداث. وأعلنت كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة حماس - عن قاعدة الاشتباك التي حددت الإطار العام للتحرك ممثلة في الربط بين ما يحدث في القدس والقطاع والرد على التصعيد في القدس بالتصعيد من القطاع، وهي القاعدة التي ردت عليها الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي تشكلت بعد إعلان التهدئة بقاعدة أخرى تؤكد على أن التصعيد من غزة سوف يواجه بالتصعيد في غزة. في الوقت نفسه، أعادت الحرب الجدل المتكرر في الحروب الإسرائيلية على القطاع حول مفهوم الانتصار والمنتصر إلى الواجهة، ومعها تساؤلات من نوعية هل يتم قياس نتائج الحروب بالخسائر وعدد الضحايا، أم بالقدرة على الاستمرار رغم الخسائر والضحايا؟ ومن ناحية موازين القوى؛ هل تقاس بالقدرة على مواجهة القبة الحديدية برشقات الصواريخ المصنعة محلياً، أم بفارق القدرات التدميرية؟ ومن ناحية القيمة؛ هل تُقاس بمشاعر الفخر والكرامة أم باعتبارات مادية؟ تساؤلات تظل بدون إجابة واضحة في وقت أعلن كل طرف انتصاره، واستعداده لمعركة فاصلة تقود إلى تحرير الأقصى وفقاً للخطاب الفلسطيني، وإلى احتلال غزة وتدمير البنية التحتية للفصائل واغتيال القادة وفقاً للخطاب الإسرائيلي. وما بين بداية الحرب وإعلان التهدئة أدى التصعيد في داخل العديد من المدن المختلطة في إسرائيل وعمليات إلقاء القبض على عدد غير قليل من عرب الداخل إلى إثارة النقاش حول قضايا كبرى تتجاوز الاستقرار الداخلي في إسرائيل إلى ديمقراطية النظام والسردية أو الرواية الإسرائيلية للقضية مقابل الرواية الفلسطينية. كما طرحت الأحداث وكيفية التعامل معها إشكالية أكثر عمقا فيما يخص الجانب الثقافي وغياب المعرفة العلمية بكل ما يحيط بالمشهد الفلسطيني والإسرائيلي الداخلي والتطورات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من التفاصيل التي غابت عن الدراسة والتناول مقابل سيطرة خطابات غير علمية وبعيدة عن الواقع وتطوراته. بدورها أدت الحرب والخسائر البشرية، خاصة بين الأطفال والنساء، والاهتمام الإعلامي والشعبي إلى حدوث تغييرات واضحة على مستوى المواقف السياسية لبعض الأطراف الإقليمية والدولية، وساهمت في تغيير مواقف شخصيات سياسية بارزة عرفت بمواقفها المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد استهداف الأبراج السكنية في قطاع غزة وبشكل خاص برج الجلاء المعروف باسم برج الإعلام بكل ما صاحبه من انعكاسات سلبية على صورة إسرائيل في الغرب. كما أعادت الحرب التأكيد على مكانة مصر وأهميتها للقطاع بشكل خاص وللقضية الفلسطينية بشكل عام.ولم تتوقف الجهود المصرية عند إدارة المفاوضات التي أدت إلى إعلان التهدئة، وامتدت إلى مبادرة إعمار القطاع من خلال التمويل ومشاركة شركات مصرية تساهم في إعطاء الأمل وتقديم فرص للحفاظ على التهدئة، بالإضافة إلى استمرار المفاوضات غير المباشرة حول قضايا الحصار والإعمار وصفقة الأسرى بوصفها قضايا محورية للوصول إلى هدنة أو تهدئة طويلة الأجل في القطاع بكل ما توفره من فرص للمصالحة الفلسطينية والتسوية السياسية. وبشكل عام، يمكن القول إن الحرب فرضت على القضية الكثير من التحديات وقدمت لها العديد من الفرص، وأبرزت محورية بعض الأطراف والتغييرات التي يشهدها العالم. ويقدم هذا الملف عبر أربعة محاور رئيسية أبرز القضايا المرتبطة بحرب غزة الرابعة بداية من محور الطريق إلى الحرب والتصعيد الذي شهده حي الشيخ جراح بكل ما شمله من فرص ومخاطر، ومحور الحرب والتهدئة وأهمية الوساطة المصرية من أجل استبعاد خطر حدوث حرب جديدة في القطاع، بالإضافة إلى مواقف القوى الإقليمية والدولية المعنية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران والصين، والتغيرات التي شهدها الرأي العام وضرورة طرح قضايا الثقافة والمعرفة المحيطة بالقضية للدراسة العلمية والموضوعية من أجل الحاضر والمستقبل.

لتحميل الملف كاملا اضغط هنا