بانتصار أكتوبر العظيم، عبر الجيش المصري قناة السويس، ومعه عبرت مصر من مرحلة إلى أخرى. من مرحلة حاولت فيها أطراف عديدة كسر عزيمتها وإجبارها على القبول بالأمر الواقع الذي حاولت إسرائيل فرضه عبر التوسع في احتلال الأراضي بالقوة، إلى مرحلة أثبتت فيها مصر أنها لا تقبل هذه السياسة، وأنها بالعلم والتماسك والتضامن المجتمعي وتسخير قدرات الدولة من أجل تحقيق الهدف الأسمى والأهم، وهو تحرير الأرض، تستطيع رفع كُلفة تلك السياسة بالشكل الذي لا تستطيع إسرائيل تحمله، وتدمير أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
كان الأساس في حرب أكتوبر هو استعادة الكرامة وتحويل القدرة على الصمود إلى طاقة جبارة انعكست في قدرة مصر – وسوريا - على الإعداد للحرب من دون لفت انتباه العدو المتربص وداعميه ومواجهة الصعوبات الفنية والعملياتية التي كانت قائمة بل والتغلب عليها ببراعة وعبقرية سجلها التاريخ بأحرف من نور لأصحابها.
وكانت خطة الخداع الاستراتيجي واختيار توقيت الحرب من أبرز الأمثلة التي أكدت كفاءة وجدارة العسكرية المصرية. كما كانت الاستعانة بخبرات أكاديمية وعلمية، مثل مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فضلاً عن استثمار القدرات الثقافية والفنية دليلاً على قدرة مصر على مواجهة التحدي وتحقيق ما كان متصوراً أنه مستحيل.
كان الانتصار أيضاً بداية عصر جديد سعت مصر خلاله إلى الاهتمام بعملية التنمية ودعم الاستقرار. لكن مصر في الوقت نفسه لم تغفل أبداً أن قدراتها العسكرية هي صمام الأمان ضد كل من تسول له نفسه محاولة تهديد أمنها واستقرارها. وقد أثبتت التطورات التي طرأت على ساحة منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الأخيرة، ولا سيما في مرحلة ما بعد تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر 2023، وما تلاها من اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وامتدادها إلى لبنان وسوريا واليمن وإيران، رجاحة ورشادة السياسة التي اتبعتها مصر في هذا الصدد.
فقد اعتمدت هذه السياسة على أن حماية أمن واستقرار مصر يرتبط في الأساس ليس فقط بتعزيز القدرات العسكرية، بل أيضاً بتنويع مصادر السلاح، للدرجة التي أدت إلى ترسيخ استراتيجية الردع المصرية ضد غطرسة القوة التي تمارسها بعض الأطراف، متصورة أنها تستطيع بذلك فرض ترتيبات أمنية واستراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، على نحو لن يكتب له النجاح في ظل الدور الحيوي الذي تقوم به مصر والذي وقفت من خلاله عقبة أساسية أمام كل مخططات الشر في المنطقة.