تصاعدت حدة الهجمات الإرهابية فى دول وأقاليم أفريقية مختلفة خلال الشهور الأخيرة، حيث صعّدت 'القوات الديمقراطية المتحالفة' الموالية لتنظيم داعش من عملياتها فى شرق الكونغو الديمقراطية مما تسبب فى نزوح أكثر من 7 مليون مواطن من منازلهم، وشهدت الصومال انفجارًا إرهابيًا استهدف مرتادي أحد شواطئ العاصمة مقديشيو فى 3 أغسطس 2024، على نحو أسفر عن مقتل أكثر من 32 شخص وإصابة آخرين، فى حين تخوض دول الساحل الأفريقى وخاصة مالى وبوركينافاسو والنيجر حربًا شرسة ضد التنظيمات الإرهابية، وتتزايد أعداد الضحايا من جراء هذه الهجمات فى هذه الدول على نحو غير مسبوق، حيث فقدت النيجر فى آخر حوادث الإرهاب فى 22 يوليو 2024، 15 جنديًا، سبقه قبل أسابيع مقتل 20 جندى آخرين وذلك فى المنطقة الحدودية بينها وبين بوركينافاسو (التى استحوذت هى الأخرى على 25% من أعداد ضحايا الإرهاب لعام 2023)، وتعرضت لأعنف هجوم إرهابى دموى ضد جنودها فى منتصف شهر يونيو 2024 نفذته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة وراح ضحيته أكثر من 100 جندى.
إن ذلك في مجمله يشير إلى أن القارة الأفريقية تحولت إلى مركز رئيسى لأنشطة التنظيمات الإرهابية وتهديداتها المختلفة، حيث استحوذت القارة على نصف أعداد الوفيات الناجمة عن الأنشطة الإرهابية فى العالم، والتي ارتفعت بأكثر من 100 ألف في المائة عما كانت عليه مع بدء الحرب الأمريكية على الإرهاب، وزادت هذه الوفيات بمعدل ثلاث أضعاف منذ عام 2020، حيث تحولت مساحات شاسعة من القارة الأفريقية إلى ملاذات آمنة للعناصر المتطرفة بما يتوافق مع الكتابات الغربية والأمريكية التى كانت تتنبأ بهذا المسار قبل أن تظهر تنظيمات إرهابية فى الأقاليم الأفريقية غير الناطقة باللغة العربية.
وهناك العديد من التفسيرات المختلفة التى يطلقها الباحثون حول الأسباب التى يعود إليها تصاعد الأنشطة الإرهابية فى أفريقيا، ومن هذه التفسيرات الزيادة السكانية وتزايد أعداد الأطفال والشباب فى دول القارة والتحولات التى شهدتها هذه التنظيمات والتى تجاوزت الأفكار التكفيرية هذا فضلاً عن تعاون تشكيلات من منظمات الجريمة المنظمة مع التنظيمات الإرهابية التى باتت تبحث دائمًا عن تمويل ذاتى لأنشطتها، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والمناخية التى تعيشها العديد من دول القارة والتى تدفع المئات من الشباب للبحث عن سبل للرزق. كما ينعكس التنافس الدولى والإقليمى على موارد القارة الأفريقية على قدرات الدول والمنظمات الأفريقية على مكافحة الإرهاب، يضاف إلى ذلك تأثيرات الجوار العربى بأزماته المختلفة وما تحمله من تداعيات على القارة الأفريقية ومن أهمها استخدام العناصر والتنظيمات الإرهابية لأراضى القارة كبديل عن التواجد فى الأراضى العربية.
من هنا، لا يزال التصعيد الأخير لأنشطة التنظيمات الإرهابية فى القارة الأفريقية يطرح مزيدًا من التساؤلات والجدل حول طبيعة المرحلة التى تعيشها القارة الأفريقية، فهل فشلت أدوات مكافحة الإرهاب التى تبنتها الأنظمة الوطنية فى عدد من دول القارة؟، وما هى البدائل الممكنة أمام الأنظمة الحاكمة فى الدول المتضررة من الإرهاب، حيث باتت التهديدات الإرهابية وما يصاحبها من تدخلات خارجية تثير العديد من الأزمات الداخلية والإقليمية.
وفى ظل هذه التهديدات الإرهابية التى تشهدها القارة الأفريقية، يأتى هذا الملف الذى يسعى من خلاله مجموعة من الخبراء الباحثين المتخصصين فى الشئون الأفريقية إلى تقديم تحليلات ورؤى حول تطورات ظاهرة الإرهاب فى الأقاليم الأفريقية المختلفة، وتقييم جهود مكافحة الظاهرة فى هذه الأقاليم ومستقبلها فى ظل التطورات التى تشهدها الدول المتضررة من الإرهاب.