توقعات الطاقة في العالم لعام 2017
2017-1-15

د. أحمد قنديل
* رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

يستقبل المهتمون بقضايا الطاقة في العالم ومنطقة الشرق الأوسط عام 2017 بكثير من الترقب والحذر. حيث يمر العالم والمنطقة بفترة من التغييرات الهائلة وغير المسبوقة، لعل من أهمها:انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، في الجزائر في 30 نوفمبر الماضي، لخفض الإنتاج، وبالتالي إعادة الاستقرار لسوق البترول العالمية، ودخول اتفاق باريس للتغير المناخي حيز التنفيذ في نوفمبر 2016، واستمرار الأزمات المتفجرة في الشرق الأوسط. فما هي مسارات الأحداث المحتملة والمرتبطة بمجال الطاقة في السنة الجديدة؟

أولا، من المتوقع أن يصل متوسط سعر برميل البترول عالميا إلى ما بين 50 و60 دولارا خلال عام 2017، بعد أن أمضى جزءا كبيرا من العام الماضي، وهو يتداول بين 40 إلى 50 دولارا للبرميل.ويأتي هذا التوقع في ضوء بدء تنفيذ الاتفاق التاريخي بين دول أوبك من ناحية، وبين أوبك والمنتجين خارجها (خاصة روسيا)، من ناحية أخرى لتخليص أسواق البترول العالمية من 1.8 مليون برميل يوميا خلال الستة الأشهر الأولى من العام الحالي.

إلا أن نجاح تنفيذ هذا الاتفاق سوف يواجه بعدد من التحديات المهمة، حسبما يؤكد العديد من الخبراء. حيث تدل التجارب السابقة لخفض الإنتاج العالمي من البترول على أن دول كثيرة قد تميل إلى عدم الالتزام بالاتفاق بمجرد ارتفاع الأسعار للاستفادة من فرصة الربح، خاصة مع ضعف الثقة المتبادلة بين معظم هذه الدول. ومن المرجح أن ينطبق ذلك بشكل كبير في العام الجاري على دول مثل ليبيا والعراق وإيران ونيجيريا وروسيا.

ومن ناحية أخرى، قد يؤدي الارتفاع النسبي للأسعار، وتجاوزها لحاجز الخمسين دولارا، إلى سرعة تعافي صناعة البترول والغاز الصخري في الولايات المتحدة، وبالتالي تراجع الأسعار مرة أخرى بشكل ملموس خلال النصف الثاني من العام الجاري.

وفيما يتعلق بالأسعار العالمية للغاز الطبيعي، يرى كثير من المراقبين أن الطلب العالمي على الغاز سوف يشهد انتعاشا ملحوظا في العام الجاري، مقارنة بالسنتين الماضيتين، نتيجة عدة عوامل مهمة، مثل: تراجع الاعتماد على الكهرباء المولدة من المفاعلات النووية في كثير من دول العالم، ومن بينها فرنسا وألمانيا بالتحديد، وتذبذب أسعار الفحم، بعد ان شهدت ارتفاعا كبيرا خلال النصف الثاني من 2016. ويؤكد هؤلاء أيضا على حدوث ارتفاع ملحوظ في أسعار الغاز عالميا في بداية العام الجاري، خاصة مع شدة البرودة التي تجتاح الجزء الشمالي من العالم من ناحية، وإنخفاض القدرات التخزينية للغاز في كثير من دول العالم، وخاصة في المملكة المتحدة وباقي دول شمال غرب أوروبا.وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تتراوح الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال خلال العام الجاري ما يقرب من 10 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية. وسوف يكون هناك تنافس كبير بين مصدري الغاز في العالم (خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا) للدخول إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. كذلك، فإنه من المنتظر أن ينشط تصدير الغاز من روسيا إلى ألمانيا وعدد من دول وسط وشرق أوروبا في الشهور الأولى من عام 2017، خاصة مع التوقعات السائدة بارتفاع سعر البترول عالميا، والسماح لشركة جازبروم الروسية باستخدام خط أنابيب اوبال OPAL. ومن ناحية أخرى، من المرجح أيضا في العام الجاري أن ينشط مشترو الغاز، خاصة الأوروبيين، في اتجاه مواصلة "اجتثاث خطر" عقود استيراد الغاز طويلة المدى والتي يرتبط السعر فيها بأسعار البترول العالمية، من خلال إعادة المفاوضات مع الموردين.

أما بالنسبة لأسعار الفحم العالمية، فمن المتوقع أن تحافظ في عام 2017  على الارتفاع الذي حققته في النصف الثاني من العام الماضي ( حوالي 78 دولار / للطن المتري).ومع ذلك، قد ترتفع أسعار الفحم قليلا عن هذا المستوى في الشهور الأولى من السنة الحالية نتيجة عدة عوامل من أبرزها: فصل الشتاء البارد في نصف الكرة الشمالي، وخفض انتاج الكهرباء من المفاعلات النووية في ألمانيا وفرنسا واليابان وغيرها.

ثانيا، من المرجح أن يترتب عن وصول دونالد ترامب إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، تحولات كبيرة في قطاع الطاقة الأمريكية.فالرئيس المنتخب يبدو عازما على إحداث تغيير كلي في سياسات الطاقة التي كانت سائدة في السنوات الثمان الماضية، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة التغير المناخي ومشاريع الطاقة النووية وإعادة إحياء منتجي الفحم الأمريكيين. كما أن اختيارريكس تيلرسون،الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل العالمية،لمنصب وزير الخارجية، وارتباط ترامب القوي بلوبي الشركات البترولية في الولايات المتحدة، يعني أن الإدارة الجديدة سوف تتجه في العام الجديد إلى إعادة البترول والغاز والفحم للعب دور كبير في تلبية احتياجات الأمريكيين من الطاقة، بعد أن كان الرئيس باراك أوباما من المناصرين للطاقة النظيفة والمتجددة. وسوف يؤدي ذلك، في الغالب، إلى الإسهام في خفض أسعار المشتقات البترولية عالميا، أو على الأقل المحافظة على أسعارها المتدنية حاليا. ومن جهة أخرى، سوف تؤثر التوجهات المحتملة لترامب في قطاع الطاقة أيضا على تراجع تنافسية مشاريع الطاقة المتجددة، في عام 2017، ما لم يحدث ابتكار علمي جديد يدعم الاستثمار في هذه المشاريع، خاصة في مجال التخزين (البطاريات الفائقة).

ثالثا، من المتوقع حدوث دفعة قوية لجهود مكافحة التغير المناخي في عام 2017، خاصة بعد أن دخلت اتفاقية باريس للتغير المناخي، التي تضم 196 دولة، حيز النفاذ في شهر نوفمبر الماضي. وتنص هذه الاتفاقية، التي تمثل وبحق، "منعطف تاريخي حاسم" من أجل انقاذ كوكب الأرض من الدمار البيئي،على ضرورة تعزيز التعاون الدولي من أجل تشجيع دول العالم المختلفة، سواء النامية أو المتقدمة، على عدم زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بنهاية القرن الحالي عن درجتين مئويتين، فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، من خلال الحد من معدل الانبعاثات الغازية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض. الأمر الذي سيكون له تداعيات هائلة على قطاع الطاقة في العالم، خاصة فيما يتعلق بانماط استهلاك الطاقة التي اعتمدت على الفحم والبترول والغاز خلال المائة عام الماضية.

صحيح أن موقف الرئيس الأمريكي ترامب المعارض لاتفاقية باريس للتغير المناخي قد يكون له تأثيرا سلبيا ملحوظا على تطبيق هذه الاتفاقية على أرض الواقع في 2017، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة الإنسحاب منها، أو أوقفت مساهمتها المالية في الصندوق الأخضر للمناخ Green Climate Fund، أو ألغت قانون حماية المناخ، إلا أن هذا الموقف لن يؤدي، على الأرجح، إلى إيقاف التحول العالمي الراهن من أجل مكافحة التغير المناخي. فالولايات المتحدة ليست سوى دولة واحدة ضمن عدة دول مهمة أخرى على الصعيد الاقتصادي والعمل المناخي العالمي. وهنا، من المهم خلال العام الجديد متابعة الإجابة على التساؤلين التاليين: هل ستلتزم الصين بلعب دور قيادي في العمل المناخي العالمي، حتى في حالة عدم التزام واشنطن، كما أعلنت بكين في مؤتمر كوب 22 في مراكش العام الماضي؟ وهل سيصبح الاتحاد الأوروبي في مقدمة الدول النشطة عالميا في العمل المناخي خلال عام 2017 مستفيدا من رئاسة إيطاليا لمجموعة الدول الصناعية السبع وقيادة ألمانيا لمجموعة العشرين؟

رابعا، من المرجح أن يؤدي استمرار الأزمات المتفجرة في الشرق الأوسط إلى التأثير سلبا على إمدادات البترول العالمية. فرغم الآفاق الإيجابية لمستويات الإنتاج البترولي لكل من العراق وإيران وليبيا في عام 2017، إلا أن هذه الدول سوف تواجه بعدد من التحديات المهمة. ففي ليبيا، سوف يتعين على السلطات الحالية إنهاء إغلاق بعض الحقول في جنوب غرب البلاد مثل حقلي الشرارة والفيل، واللذين قد تصل طاقتهما القصوى معا إلى نحو 365 ألف برميل يوميا.أما بالنسبة لإيران، فبالرغم من رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها بعد الاتفاق النووي، إلا أن الشركات الغربية والبنوك الأجنبية ما تزال مترددة في الانخراط بأنشطتها في السوق الإيرانية خشية تشديد العقوبات الأمريكية عليها في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب. كما لا يزال الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة العراقية مع إقليم كردستان هشًا، خاصة وأن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى تسوية دائمة حول اقتسام الإيرادات البترولية.

ومن ناحية أخرى، من المرجح أيضا أن تصبح خطوط نقل البترول والغاز الطبيعي بمنطقة الشرق الأوسط أكثر خطرًا في العام الجديد، في ظل تصاعد حدة المخاطر الأمنية التي تواجهها بسبب تهديدات الجماعات الإرهابية المحلية. حيث تعرضت خطوط أنابيب البترول الواصلة بين حقلى "مارون" و"بحركان" الإيرانيين وتركيا لحوادث متكررة في أواخر عام 2016 وبداية العام الحالي. وبالطبع، فإن هذه الحوادث تثير كثيرا من الشكوك المستقبلية حول مستويات الأمان التي تتمتع بها خطوط أنابيب البترول بالمنطقة.

ورغم ذلك، من المتوقع في عام 2017 أن يجرى تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع خط أنابيب نقل البترول والغاز الطبيعي العراقي من مدينة البصرة إلى ميناء العقبة الأردني.

ومن جهة ثانية، ستكون الدول الخليجية الغنية بالبترول والغاز مدعوة في عام 2017، أكثر من أي عام مضى، إلى تبني وتنفيذ رؤية إستراتيجية لتنويع قاعدة الاقتصاد من أجل الانفكاك من الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات البترولية.فاستمرار انخفاض أسعار البترول عالميا، خلال العام الجاري، سيؤدي على الأرجح إلى تباطؤ نمو الاقتصادات الخليجية، وتعطل مشاريعها في مجال البنية التحتية. وسيؤدي ذلك بالضرورة إلى زيادة معدل البطالة، وتنامي احتمالات عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي. كذلك من المتوقع أن تقود احتمالات بقاء أسعار البترول عالميا عند مستويات منخفضة في عام 2017 إلى تهديد أمن واستقرار معظم الدول العربية، نتيجة تراجع القدرات المالية لبعض حكومات هذه الدول على مواجهة الحركات والتنظيمات الإرهابية.


رابط دائم: