الحرب البطيئة ومواجهة الارهاب
2017-1-12

أحمد كامل البحيري
* باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تصاعدت وتيرة الأعمال الارهابية في مصر خلال الربع الاخير من عام ٢٠١٦، حيث وصل عدد العمليات الارهابية خلال الأشهر الثلاث الأخيرة إلي ١٠٤ عملية ارهابية٬ وهو اعلي معدل للعمليات الارهابية خلال العام. وجاءت العمليات الارهابية في عام ٢٠١٦ لتأخذ منحي جديد من حيث المستهدفات، وتمثل هذا المنحى في ثلاث مستويات، الاول هو استهداف القيادات العسكرية الكبري باجهز الامن، والثاني هو استهداف شخصيات عامة ورجال دولة، والثالث استهداف الكنائس. وتعتبر المستهدفات الثلاثة السابقة هي اهداف جديدة تضاف لمستهدفات عدة سيطرت علي اداء التنظيمات الارهابية خلال عام ٢٠١٤ ـ ٢٠١٥،  سواء المتمثلة في اعمال ارهابية ضد بنية الدولة باستهداف مرافق عامة (كهرباء- خطوط غاز – وسائل مواصلات)، او استهداف قوات الامن (جيش ـ شرطة)٬ مع استمرار الاعمال الارهابية من قبل (تنظيم بيت المقدس) ضد قوات الجيش في سيناء.

هـذا التحول الجديد في اداء التنظيمات الارهابية بمصر، يستدعي وقفة حقيقية للتحليل والتفكير الذي يساعد علي المواجهة الصحيحية، والاستفادة من تجارب الدول في وضع آليات مواجهة الارهاب، والتي اخذت اشكال وانماط متطورة عما كانت عليه في السابق. فالحديث عن مواجهة التنظيمات الارهابية في الداخل المصري بانعزال عن فهم البيئة الاقليمية من حيث التشابك التنظيمي والفكري لتلك الجماعات الارهابية هو خطأفي توظيف آليات المواجهة وتحديد مسرح العمليات الأهم. فما حدث علي سبيل المثال في فبراير ٢٠١٥ عندما قامت القوات الجوية المصرية بضرب اهداف في مدينة "درنة" الليبية رداً علي قتل 20 مصري اختطفوا في مدينة سرت هو تحرك صحيح، فالمصدر يقع في مدينة "درنة" بالرغم من عدم وقوع جريمة الاختطاف والقتل في المدينة، وهذا المثل يعبر عن ساحة المعركة الحقيقية، فمواجهة التنظيمات الارهابية تبدأ خارج حدود الوطن. وبالقياس علي الداخل المصري يظل نفس التساؤل مطروح، هل من الافضل مواجهة التنظيمات الارهابية في سيناء ام في منطقة اخري داخل مصر او خارجها؟ فالبيئة الاقليمية للتنظيمات الإرهابية، والتي تأخذ شكل "حزام ارهابي" يبدا من جنوب الساحل الافريقي الي العراق متمثلة في 6 مسارح للعمليات الإرهابية بشكل جغرافي كالآتى:

- القاعدة في افغناستان وباكستان

- فتح الشام "جبهة النصرة سابقا"٬ وتنظيم داعش في سوريا والعراق

- القاعدة في اليمن وامتداده في منطقة القرن الأفريقي، والمحاكم الاسلامية والتنظيمات الجهادية في الصومال

- ولاية سيناء "تنظيم بيت المقدس"، بجانب تنظيمات ارهابية سائلة تأخذ العديد من الاسماء في الداخل المصري كلواء الثورة وحركة سواعد مصر وحسم

- تنظيم انصار الشريعة، والمرابطون، و" داعش" في ليبيا، وامتداد تنظيم القاعدة في تونس والمغرب والجزائر

- تنظيم بوكو حرام بنيجيريا والمتداخل مع الوضع  في ليبيا ومالي وتشاد، أي الصحراء الأفريقية الكبرى

وقد شكلت تلك التنظيمات الارهابية تحالفين اقليمين (تنظيم القاعدة، وفروعها في الاقليم - وتنظيم الدولة الإسلامية – داعش واذرعها في الاقليم)، وما يميز تلك التحالفات هو سهولة انتقال الأفراد بينها، فبعض التنظيمات التابعة "للقاعدة" اعلنت البيعة والتبعية لتنظيم "الدولة الاسلامية-داعش" كما حدث مع تنظيم بيت المقدس في سيناء، فضلاً عن تميز تلك التنظيمات باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الاتصال السياسي والإعلامي والدعائي. وفي ظل مواجهة هذه التحالفات الإرهابية تم تأسيس عدة تحالفات دولية وإقليمية، كالتحالف الدولي لمواجهة "داعش" في العراق وسوريا، وتحالف مواجهة تنظيم بوكو حرام بنيجيريا، هذا بجانب التحالف الاقليمي "عاصفة الحزم" في اليمن، فهل يمكن للدولة المصرية ان تدير حرب علي الارهاب بشكل منفصل عن البيئة الاقليمية؟ ومع اصرار الدولة المصرية علي السير في اتجاة واحد لمواجهة التنظيمات الارهابية بالاعتماد علي الاسلوب الامني والمواجهة العسكرية مع تجاهل باقي مسارات المواجهة، وهو ما يفاقم الازمة ويضعف من آليات الحل، وعلي الرغم من ذلك٬ يمكن تحديد عدة  نقاط محددة لمسارات وآليات المواجهة علي المستوي الامني علي النحو التالي:

- ان قدرة التنظيمات الارهابية لا تعتمد علي عدد افراد التنظيم البشرية، بل علي قدرات التنظيم من حيث اولا: التسليح، وثانيا: المال، وثالثا: الاتصالات، فالقضاء علي هذا الثالوث يعتبر ضرب لبنية التنظيم بغض النظر عن عدد الاعضاء   

- يوجد فارق كبير بين محاربة الإرهاب وبين الحرب التقليدية، فالاشكالية الحالية لدي القوات المسلحة إنها تتعامل مع الإرهاب بنفس منطق الحرب التقليدية، وهو ما يعرض قواتنا للخطر أثناء مكافحة الإرهاب الذي يتطلب تحرك سريع والمزيد من المرونة. فالحرب علي الإرهاب تختلف تماماً عن الحرب التقليدية من حيث حاجتها إلى المزيد من المعلومات والمزيد من التحري للكشف عن المعلومات، ويعتبر اهل سيناء جزء اصيل من آليات الحل او الازمة في سياق الحرب غير التقليدية الدائرة هناك

- بعض من العمليات الارهابية قام بها عناصر سابقة من قوات الأمن المفصولين٬ او التي تم احالتها للمعاش لاسباب متعددة، وخاصة "اصحاب التوجهات المتطرفه"، والبعض الآخر تم القبض عليه اثناء الخدمة، مثل حادث القبض علي اربع ضباط شرطة تورطوا في الهجوم علي قوة امنية بحلوان، واسفر الهجوم عن مقتل معاون مباحث حلوان،  وهذا يعني وجود عناصر تمتلك المعرفة العسكرية من حيث التدريب والتكتيكات العسكرية، وهذا يساعد علي تدريب عناصر جديدة من الارهابيين ووضع خطط ارهابية جديدة متطورة

- تعتبر قضية ضبط الحدود واحدة من آليات مواجهة التنظيمات الارهابية لمنع تنقل الافراد والسلاح، فيعتبر الطريق الجنوبي من اقدم الطرق لتهريب السلاح من شرق افريقيا، بجانب طريق الحدود الغربية مع ليبيا، وهو يعتبر الاخطر بعد انهيار الدولة الليبية، والتي اصبحت ساحة مفتوحة متعددة الاتجاهات لتهريب السلاح والافراد

- من المفارقات في المعركة التي تدور في سيناء ان يتم قطع الاتصالات عن سيناء باعتبار التنظيمات الارهابية تقوم باستخدام شبكات الاتصال المصرية الداخلية، ومن يتضرر من ذلك الاجراء هم اهالي سيناء وليس الجماعات الارهابية التي تستخدم وسائل للاتصال خاصة بها

- ان الدفع باسلحة ومعدات ثقيلة للحرب علي الإرهاب غير مجدي، فمواجهة الإرهاب تتطلب استخدام أسلحة ومعدات خاصة بمكافحة الارهاب وحرب الشوارع، فالدولة الروسية قامت بتطوير بعض انواع الدبابات لتكون اصغر حجما واكثر قوة وسرعة اثناء الحرب في الشيشان، فاصبح في العالم الآن اسلحة خاصة بمكافحة الارهاب

- أهمية المصارحة الوطنية، والمقصود بها وجود شفافية في المعلومات وفي استراتيجية الدولة لمكافحة الارهاب، ودقة المعلومات حول الخسائر والأعمال الإرهابية وجهود الدولة في محاربة الإرهاب، وتنبع أهمية هذه النقطة من الدور الذي تلعبه المعلومات في تعبئة المواطنين على المستوى الداخلي ودعمهم لجهود الدولة في محاربة الإرهاب

- التحرك علي مستوي المجتمع الدولي ومجلس الامن فقد صدرت العديد من القرارات من مجلس الأمن عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي تقضى بضرورة مواجهة الإرهاب، ومن أهم القرارات التي أصدرها مجلس الأمن في هذا الشأن هما قراري 1368 - والذى أكد على ضرورة عدم الاقتصار على شجب العمليات الإرهابية ولكن لابد من مواجهتها، وعليه فقد صدر القرار رقم 1373 - الذي أكد على ضرورة اتباع عدد من الإجراءات المتمثلة في امتناع الدول والحكومات عن دعم الإرهاب، منع الأحداث الإرهابية، منع تأمين الملاجئ الآمنة لمن يقوموا بتمويل الإرهابيين ودعمهم، منع استخدام أراضي الدولة في الإرهاب الدولي، مساعدة الدول في عمليات التحقيق في الجرائم والعمليات الإرهابية التي يتم ارتكابها، منع تحركات الإرهابيين عبر الحدود من خلال التحكم في الحدود، وهذا يتطلب من الدولة المصرية المزيد من الاستخدام لقرارات مجلس الامن في مواجهة الارهاب

واخيرا٬ تظل مكافحة الارهاب بمثابة حرب بطيئة تتضمن جوانب متعددة، وتأتي علي رأسها الاُطر الثقافية، والتعليمية، والدينية، وهي اُطر تحتاج لحوار ومشاركة مجتمعية حقيقية وبيئة سياسية اكثر انفتاحا٬ بجانب العمل علي صياغة وثيقة وطنية لمهددات الامن القومي تحدد التهديدات الحالية والمقبلة الداخلية والخارجية، وتضع استراتيجيات وتكتيكات ليس فقط لمواجهة الإرهاب، بل لرسم السياسات وإعادة النظر في بنية العلاقات والتحالفات المصرية على المستويين الإقليمي والدولي.


رابط دائم: