البرلمان الفنزويلى يعزل الرئيس
2017-1-11

أمل مختار
* خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

للمرة الثانية خلال بضع شهور يتكرر مشهد عزل الرئيس من قبل البرلمان فى امريكا الجنوبية. فبعد ان صوت الكونجرس البرازيلى فى اغسطس الماضى على عزل الرئيسة ديلما روسيف ونقل رئاسة البلاد إٍلى نائبها ميشيل تامر حتى نهاية فترتها الرئاسية، يتكرر الحدث مرة اخرى فى فنزويلا، حيث صوت 106 من نواب البرلمان المنتمين لتكتل المعارضةفي ٩ يناير ٢٠١٧ بالموافقة على عزل الرئيس نيكولاس مادورو من منصبه ونقل السلطة الى نائبه طارق العصيمى.

لم تبدأ الازمة السياسية فى فنزويلا بقرار عزل الرئيس مادورو، بل هى ازمة مستمرة بدأت منذ وصول مادورو الى الرئاسة عقب وفاة شافيز فى 2013. وتزامن ذلك مع انخفاض أسعار النفط ومن ثم التدهور الشديد فى الاوضاع الاقتصادية فى البلاد، مما أدى إلى تردي غير مسبوق فى مستوى معيشة المواطنين يكاد يصل إلى حد فشل كامل فى كافة مؤسسات الدولة وغياب السلع الاساسية وانعدام الأمن. وهو ما أدى إلى اندلاع مظاهرات عديدة خلال الأعوام السابقة وكذلك فوز تحالف المعارضة بأغلبية مقاعد البرلمان لاول مرة منذ 17 عاما فى الانتخابات التشريعية فى ديسمبر 2015، ومنذ ذلك التاريخ والتحالف يسعى لإنهاء حكم "الشافيزية" فى فنزويلا من خلال عقد استفتاء على بقاء مادورو ومن ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

منذ ابريل 2016 وتحالف المعارضة يحاول الضغط باتجاه عمل هذا الاستفتاء، حيث أن كافة استطلاعات الرأى تشير إلى تدنى شعبية مادورو بدرجة كبيرة. ولكن الرئيس وحزبه الاشتراكى وكافة حلفاء الشافيزية بما فى ذلك من داخل المؤسسة القضائية واللجنة العليا للانتخابات شاركوا فى التأجيل المستمر لموعد الاستفتاء، وذلك بهدف تجاوز تاريخ 10 يناير 2017 باعتباره الموعد الاقصى لعمل انتخابات رئاسية مبكرة فى البلاد وفقا للدستور، وهو ما يعنى انه حتى وان جاءت نتيجة الاستفتاء فى غير صالح مادورو،  فإن نائبه هو من سيكمل فترة رئاسته حتى نهاية عام 2018، وهو ما يعنى بقاء الشافيزين فى الحكم حتى ذلك التاريخ.

ومن ثم بدأت المعركة بين النظام والمعارضة فى مسابقة مع الزمن، ففى نفس اليوم الخامس من يناير تم انتخاب خوليو بورخيس رئيسا للبرلمان، وهو الشخص الذى وعد بالعمل على انهاء حكم مادورو وانقاذ البلاد من خلال انتخابات رئاسية مبكرة.  وفى المقابل قام الرئيس مادورو بتعيين وزير الداخلية السابق والشاب الشافيزى المتحمس طارق العصيمى (42 سنة) نائبا له فى نفس اليوم واسماه قائد فريق الكوماندوز ضد الانقلاب استعدادا لمواجهة خطط المعارضة لعزله من خلال البرلمان. وبالفعل عقد البرلمان جلسته واتخذ قرار العزل يوم 9 يناير، اي قبل يوم واحد من الموعد النهائى لعمل انتخابات رئاسية مبكرة كما سبقت الاشارة.

وفقا للقرار البرلمانى الاخير فى فنزويلا فإن منصب الرئاسة اصبح شاغرا بناء على "تخلى الرئيس عن منصبه. وعقب نهاية الجلسة صرح نائب رئيس البرلمان الفنزويلى فريدى جيفارا بأن مادورو ابتداءا من يوم الثلاثاء لم يعد رئيسا للبلاد. وانه ينبغى الدعوة لانتخابات رئاسية على الفور. وفى مساء نفس اليوم صرحت المحكمة الدستورية فى البلاد بأن قرار البرلمان غير دستورى وفيه تجاوز لحدود صلاحياته. وترى المحكمة أن الدستور الفنزويلى لا يعطى البرلمان سلطة الإعلان عن "فراغ منصب الرئاسة" وفقا للمادتين 232 و 233 من الدستور،  بينما تختص المحكمة الدستورية العليا بهذا الامر حيث تعلن فراغ المنصب بناء على غياب الرئيس اما بالموت او بالاستقالة.

على الجانب الاخر وخلال جلسة البرلمان يوم ٩ يناير ٢٠١٧، تم طرح فكرة إعادة تعريف مصطلح فراغ منصب الرئاسة ليتعدى فكرة خلو المنصب بناء على الغياب المادى ليشمل ايضا خلو المنصب بناء على عدم دستورية الرئيس نفسه. وتم اعتبار الاخفاق الحاد للرئيس مادورو فى إدارة البلاد، والوصول بها لمثل هذه المعدلات من التضخم والانكماش الاقتصادى، وايضا تعطيله لعمل استفتاء شعبى على بقاءه خلال العام الماضى، مرادفا لعدم دستوريته. كما أعلن البرلمان على انه وبالرغم من اعتراض المحكمة الدستورية العليا إلا أنه مصر على تنفيذ قرار عزل مادورو خلال الأيام القليلة القادمة. وفى المقابل رفض مادورو وحزبه الاعتراف بقرار البرلمان، وهو الأمر الذى يشير إلى أن الأيام القادمة تنذر بصراع كبير بين مؤسسات وسلطات الدولة فى فنزويلا.


رابط دائم: