مصير الهدنة في سوريا
2017-1-5

رابحة سيف علام
* خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

على عكس ما كان متوقعا بعد الحسم العسكري الذي حققه الأسد في حلب، بدعم مكثف من موسكو وطهران، اتجه المسار السوري نحو إعلان هدنة برعاية تركية روسية، حيث اختلفت الآراء حول درجة صلابة هذه الهدنة وجدواها في هذا التوقيت بالذات، حيث الغياب شبه التام للأمريكيين عن المشهد في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما.

يعتبر وقف اطلاق النار في  سوريا ايجابيا لعدة أسباب، أولا من حيث توقيته، إذ لم ينعكس اغتيال السفير الروسي في انقرة سلبا على العلاقات البينية لرعاة هذا الاتفاق. كما انه يضمن وقفا ولو مؤقتا للنزيف البشري السوري، وهو أمر يستحق المحاولة. ولكن الحسابات السياسية للأطراف المختلفة، قد لا تبشر بالضرورة بصمود هذه الهدنة طويلا، حتى تنتقل في مرحلتها الثانية الي مفاوضات مباشرة بين النظام السوري والمعارضة. مضت روسيا في خطوات تثبيت الهدنة عبر تمرير القرار الدولي رقم 2336 لتضفي على هذا الاتفاق الثنائي مع تركيا شرعية دولية. بينما الإجراءات الفعلية لتثبيت الهدنة على الارض تبدو اكثر تعقيدا مما عليه الحال في أروقة الأمم المتحدة. من جهتهما، يريد الأسد وطهران المضي قدما في الحسم العسكري مستفدين من لحظة التفوق الاستثنائية لقواتهم على الارض. ولذا تحفظت ايران على مد نطاق الهدنة الي ريف دمشق ودرعا، حيث ينوي الأسد بسط نفوذه في المرحلة القادمة، بل يريدون تهدئة الجبهات الأخرى للإطباق على ريف دمشق ودرعا. ولذا ليس من المصادفة أن تكون خروقات الهدنة من جانب الاسد وحلفائه تحديدا في هاتين المنطقتين، حيث تكرر خلال الأيام الماضية القصف بالبراميل المتفجرة ومحاولات للتسلل البري، فضلا عن أنباء باستخدام غاز الكلور خاصة في وادى بردى. وهنا قد يبدو الخلاف الروسي الإيراني قابلا للتصعيد.

من جهة ثانية، فقد وافقت أهم مجموعات المعارضة المسلحة على هذه الهدنة، باستثناء طبعا داعش وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، إذ تم اقصائهما من الهدنة. ولكن أحرار الشام، الأقرب للنصرة دون أن تتبعها، تحفظت على الاتفاق، فيما تعتبر محاولة لحفظ ماء الوجه إزاء محاولات المجتمع الدولي للفصل بين النصرة وبقية مجموعات المعارضة المسلحة. وهي المهمة الأصعب، والتي في حال فشلها قد تنسف الهدنة من أساسها. فالتمييز الناجح بين المعارضة السورية المسلحة وبين النصرة سيكون كفيلا بإرهاق الأخيرة الي حد القضاء عليها واستقطاب الأولي الي العملية السياسية. غير أن الفشل في ذلك سيؤدي حتما إلي إعادة دورة العنف من جديد. وإذ تلتزم فصائل المعارضة المسلحة حتي اللحظة بالهدنة، فإن لذلك تحديين كبيرين، الأول هو رغبة النصرة في إشعال الصراع من جديد كي تعطل الحل السياسي، الذي يستبعدها، وتستمر في الحشد والتجنيد لقتال الأسد حتي تعزز من نفوذها. بينما قد تؤدي خروقات الأسد للهدنة الي انهيار التوافق بين المعارضة المسلحة على الالتزام بها، وهو ما ظهر بوداره في دعوة مجموعات المعارضة في ريف الشام ودرعا الي اشعال الجبهات ردا على خرق الأسد للهدنة في مناطقهم. فإذا عبرت الهدنة بسلام من هذين التحديين قد لا تفضي بالضرورة الي عملية سياسية جامعة، فإن لم تشعل الجبهات، فعلى الأقل، قد لا تجد تركيا من يرضى الذهاب من المعارضة الي الآستانة.  

على الجانب الآخر ترفض تركيا إشراك الأكراد ضمن المفاوضات المرتقبة في الآستانة، وتريد معاملتهم مثل داعش والنصرة. الأمر الذي قد يُنذر بالمزيد من التعقيد في الملف الكردي، ويُغري بالمزيد من إجراءات الاستقلال إذا ما تم تهميش مشاركتهم في مفاوضات الحل السياسي السوري الجامع. بينما يرى قسم من جمهور الثورة السورية أن في الهدنة تضييعا لآمال السوريين في وطن حر، خاصة إذا ما أفضت الي مفاوضات تعكس الوضع العسكري المهزوم للمعارضة وتضمن استمرار الأسد في موقعه وتـُحصنه ضد الملاحقة الجنائية. فهم إذ يرحبون بحذر بالهدنة، يأخذون عليها أنها لم تترافق حتي الآن مع رفع للحصارعن المناطق المحاصرة من قبل الأسد، ولم تسفر عن إيصال مساعدات انسانية ،ولم تقدم أية مكاسب سياسية في سبيل الإفراج المعتقلين السياسيين. ولكن في الوقت نفسه، يُعول هؤلاء على أن وقف اطلاق النار، قد يعود بالحراك الثوري الي مرحلة ماقبل العسكرة، حيث خروج المظاهرات الكثيفة التي تطالب الأسد بالرحيل. الأمر الذي قد يبدو غير منطقي في ظل الوضع الانساني المتردي وعدم صياغة آليات واضحة لمراقبة وقف إطلاق النار، فضلا عن الخروقات المتكررة له.

 وأخيرا، فإن جدية الهدنة تـُقاس بمدى استمرارها وتحولها الي مسار سياسي جامع يقبل الجميع بالانتظام به. وبعكس الجولات السابقة التي كان مصير الاسد هو مثار التساؤل فيها، ربما سيكون السؤال هذه المرة عن تحولات المعارضة عندما تـُجبرها موسكو وأنقرة على التعايش مع بقاء الأسد.   


رابط دائم: