أبعاد الهجوم على سجن "جو" في البحرين
2017-1-2

د. محمد عز العرب
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

هاجمت مجموعة مسلحة سجن "جو" المركزي – الذي يعد السجن الأكبر من نوعه في البلاد- في جنوب البحرين، في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم الأحد الموافق 1 يناير 2017، حيث تم إطلاق سراح عشرة من السجناء المدانيين في قضايا تتعلق بالإرهاب، عبر الهجوم بأسلحة على كمائن شرطة أو زرع عبوات ناسفة لاستهداف مواطنين، وفقا لما قالته وزارة الداخلية البحرينية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، وقتل خلال عملية الاقتحام أحد أفراد الشرطة وهو عبدالسلام سيف اليافعي فضلا عن إصابة بسيطة لشرطي أخر.

نقطة اشتعال:

يستخدم هذا السجن تحديدا في سجن العناصر الشيعية المدانة في الاحتجاجات المناوئة للحكومة البحرينية (مثل عبدالهادي الخواجه ود.علي العكري ونبيل رجب الذي تم الإفراج عنه الأسبوع الماضي)، وهو ما يثير التساؤلات بشأن تأثير ذلك على عدم الاستقرار الداخلي والذي بدت ملامحه تبرز جليا منذ فبراير 2011 حينما تزامن الحراك البحريني مع الحراك الثوري العربي، ولازالت المواجهات قائمة بين أجهزة الأمن وقوى المعارضة الشيعية فيما يطلق عليه "مناطق الصمود"، ولا يزال عدد من قيادات المعارضة والنشطاء الحقوقيين قيد السجن، ونزعت الحكومة الجنسية عن بعضهم.

وقد أصدر الفريق ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية قرارا بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات الواقعة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لم تكن واقعة اقتحام سجن جو هي المرة الأولى التي تحدث في البحرين، على الرغم مما تعلنه وزارة الداخلية بشأن الحراسة الشديدة التي تتمتع بها السجون من قبل القوات الخاصة. ففي يونيو 2016، فر 17 سجينا من سجن الحد شرق المنامة، وأعلنت الأجهزة الأمنية أنها تمكنت سريعا من إلقاء القبض على معظم الفارين.

سوابق الاقتحام:

كما شهد سجن جو أحداث شغب وتمرد من المسجونين في مارس 2015، وأدانت المحكمة الجنائية البحرينية، في 25 يناير 2016، 57 سجينا بتهم محددة وهي "عصيان الأوامر، وإجبار الحراس على الخروج من مبنى السجن بالقوة، ثم تدمير الآثاث، وأجهزة التكييف، وكاميرات الأمن"، وفضت بسجنهم 15 عام، وألزمتهم بدفع 580 ألف و187 دينار و970 فلسا من قيمة التلفيات، وهو ما تحاول أن توظفه جماعات شيعية في الداخل بأن هناك حملة لحصارها وتحاول تدويل مطالبها.

تدويل القضايا:

وقد دعا ذلك بعض المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية إلى المطالبة في توقيتات مختلفة ببدء تحقيقات محايدة في المزاعم الخاصة باستخدام قوات الأمن البحرينية القوة المفرطة للقضاء على الاضطرابات في السجون وإساءة معاملة السجناء، وتحاول تلك المنظمات الضغوط على القوى الغربية التي تحظى بعلاقات متميزة مع المنامة على إحداث إصلاحات سياسية هيكلية وتقليص الضغط على القوى السياسية المعارضة، على نحو زادت وتيرته أثناء زيارة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماري ماي للمنامة خلال انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في ديسمبر الماضي.

ومن المستبعد أن يشكل الهاربون خطرا داهما على أمن الدولة أو المجتمع في البحرين لاسيما في ظل الانتشار المكثف لقوات الأمن في المحافظات المختلفة وكذلك التواجد عند نقاط التفتيش الموزعة على مداخل ومخارج المدن التي يتوقع أن يلجأ إليها الإرهابيون الهاربون، لاسيما أن الخبرات السابقة تشير إلى القبض عليهم حتى ولو بعد حين. ويظل أخطر الهاربين العشر هو رضا الغسرة الذي شارك في عدة عمليات إرهابية وصدرت بحقه أحكام بـ186 عاما، وسبق له الهروب أربع مرات، وقبض عليه أخر مرة بعد هروبه بعام.

توترات مزدوجة:

غير أنه من المرجح أن يرتفع مستوى المواجهات بين أجهزة الأمن البحرينية والقوى الشيعية لدرجة تصل إلى كسر عظام الأخيرة. وعلى أثرها سوف يتزايد منسوب التوترات المذهبية بين القوى المجتمعية السنية والشيعية. فضلا عن المواجهات الكلامية على المستوى الإقليمي بين النخب الرسمية والأذرع الإعلامية داخل البحرين وإيران حيث تتهم الأولى طهران بالتدخل في الشئون الداخلية البحرينية بهدف زعزعة عدم الاستقرار فيها لاسيما في ظل سياسات إيران الدفاع عما تطلق عليه "مظلومية الشيعة البحارنة".

ولعل ذلك يفسر ما ذكرته وزارة الداخلية البحرينية عبر حسابها على تويتر "إن مركز الإعلام الأمني تابع ما بثته قناة أهل البيت التي تمولها إيران والتي أكدت أن العملية الإرهابية في جو قد تمت بنجاح، الأمر الذي يمثل دعما إيرانيا وارتباطا مباشرا بالأعمال الإرهابية وإصرارا على التدخل في الشئون الداخلية لمملكة البحرين". 


رابط دائم: