ندوة: الموارد المائية واستثمارات الشركات الدولية النشاط في منطقة حوض النيل
2016-12-21
تقرير: نوران شريف مراد

في إطار فعاليات البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، نظمت ورشة عمل بعنوان "الموارد المائية واستثمارات الشركات العابرة للحدود في منطقة حوض النيل"، وذلك لبحث المستجدات المرتبطة باستخدامات الموارد المشتركة مثل الأنهار الدولية. وكان المتحدث الرئيسي "رامي لطفي حنا"، المستشار في البنك الدولي، وباحث دكتوراه في جامعة Sussex بإنجلترا. وهدفت الندوة إلى نقاش استثمارات الشركات العابرة للحدود في منطقة حوض النيل، وانعكاسات ذلك على الموارد المائية بالمنطقة. وشارك في الندوة لفيف من الباحثين المنتمين إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وعدد من الأكاديميين المصريين والسودانيين والإثيوبيين، وعدد من الممثلين لبعض الجهات الحكومية المصرية.

واستعرض الباحث في البداية الضغوطات التي تتعرض لها أحواض الأنهار الدولية في منطقة حوض النيل، سواء أكانت هذه الضغوط داخلية أو خارجية، ذكر منها: التغيرات الديمغرافية، ونقص المياه، والرغبة في تحقيق الأمن الغذائي، وتغير المناخ. كما أشار المتحدث إلى دوافع الاستثمار في الموارد المائية والأراضي على الصعيد الخارجي بصفة عامة وفي أفريقيا بصفة خاصة. وقد ذكر أنه أتى على رأس تلك الدوافع وصول أسعار الغذاء مع نهاية عام 2007، إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1845، وذلك بموجب مؤشر مجلة The Economist (Berger&Weber2011)، الأمر الذي أدى إلى فرض قيود مؤقتة من قبل الدول المصدرة للغذاء منها الأرجنتين، وروسيا، والهند، وفيتنام. كما أضاف أن تلك الاستثمارات تعد بمثابة الأداة التي تسمح للكثير من الدول المستثمرة كفالة أمنها المائي والغذائي، الأمر الذي بات أكثر وضوحاً خاصة في أعقاب أزمات الغذاء العالمية التي تفجرت خلال عامي 2008 و2011.

كما أكد الباحث خلال عرضه على أن الفاعلين في أفريقيا باتوا يتسمون بقدر من التعدد والتنوع، فلم يعد الأمر مقصوراً على الدول فحسب، بل ظهر على النحو ذاته الفاعلون من غير الدول، حيث ظهرت الشركات الدولية النشاط على سبيل المثال، وهى تلك التي تتمتع بشخصية مستقلة وتمارس نشاطها في دولة أجنبية أو أكثر. ومن أهم سمات هذه الشركات اتساع الرقعة الجغرافية لأنشطتها، فهى تسهم بذلك في صِياغة ورسم الاستراتيجيات على صعيد العالم، ومن ثم تحديد الكميات والنوعيات التي تنتج على الصعيد العالمي. كما تنطوى تلك الشركات على بعد سياسى هام، حيث أصبحت أحد أهم العوامل المؤثرة في حركة العلاقات الدولية بشكل عام، والقادرة على تكييف مختلف النظم الاقتصادية في العالم مع احتياجاتها.

وركز الباحث على الشركات الدولية النشاط التي تعمل خاصة في المجال الزراعي. ووفقاً له، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات بناءً على أنواع الاستثمارات، وهى: أولاً، استثمارات يكون هدفها تحقيق الأمن الغذائي خاصة في ظل تناقص المياه وفي الغالب ما تكون استثمارات تابعة لدول جوار حوض النيل وعدد من الدول العربية كالمملكة العربية السعودية. ثانياً، استثمارات أخرى يكون هدفها التجارة والربحية كالاستثمارات التي تقوم بها دولة لبنان على وجه الخصوص. ثالثاً، استثمارات تتم من قبل دول البريكس (البرازيل، والهند، وروسيا، والصين، وجنوب أفريقيا). وأكد الباحث أنه من الصعب إقامة فصل جامد في هذا السياق، حيث أن كل شركة يكون لها استراتيجيتها الخاصة التي ترنو لتحقيقها، فلا مانع من أن تسعى الاستثمارات الخليجية لتحقيق قدر من الربح التجاري بالإضافة إلى هدفها الأساسي المتمثل في تحقيق أمنها الغذائي.

وقام الباحث بالتركيز على دولة السودان، حيث أشار على سبيل المثال إلى أن هناك ما يفوق الـ 30 مشروع في دولة السودان وحدها، تتبع شركات تنتمي إلى دول مختلفة، منها: الإمارات العربية المتحدة، والأردن، وإيران، والهند، وقطر.

وفيما يتعلق بالآثار البيئية المحتملة لممارسات تلك الشركات في منطقة حوض النيل، فلقد أكد الباحث على أن هدف تلك الشركات هو تحقيق الربح فحسب، دون أخذ الآثار السلبية المتوقعة على المدى الطويل في الحسبان. ومن ثم، إذا أدت ممارسات تلك الشركات إلى بوار رقعة زراعية في إحدى دول حوض النيل، فمن المنتظر أن تبحث عن أخرى أكثر خصوبة، دون السعي للبحث عن حل لتلك المشكلة. كما أن الكثير من ممارسات تلك الشركات كانت قد أدت لاختفاء عدد من الكائنات الحية في المناطق التي تتواجد فيها.

ولقد أكد الباحث على أن الاستثمارات الخارجية التي تتم من قبل الشركات الدولية النشاط في الدول الأفريقية، لا تتم بسهولة ويسر، بل تواجهها العديد من العقبات، يأتى على رأسها: ضعف البنية التحتية، ونقص العمالة الماهرة ، والبيروقراطية، والحصول على الموافقات والتصاريح الأمنية، ومناخ الاستثمار العام في أفريقيا الغير جاذب للاستثمار بالضرورة.

وفي تعليقه على سؤال حول ما إن كانت تلك الاستثمارات الأجنبية قد أدت إلى الحد من الأزمات التي تعانى منها القارة، وعلى رأسها الفقر، أكد الباحث رامي لطفي أن تلك الاستثمارات يمكن وصفها بالنخبوية، وأنها لم تسعى إلى تحقيق صالح أبناء القارة الأفريقية، الأمر الذي يرجع إلى كون تلك الشركات تعتمد على التكنولوجيا الحديثة والزراعة الحديثة المميكنة التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية، ومن ثم، لايكون هناك أى مجال لتوظيف يد عاملة أفريقية بشكل كثيف وبما يساعد على تحسين ظروف أبناء القارة، بل أنه في كثير من الحالات، يتم طرد صغار المزارعين ورعاة الأغنام والماشية من العديد من المناطق تمهيداً لاستغلالها.

كما أُثير في الندوة مفهوم "المياه الافتراضية" بمعنى احتساب كمية المياه المستعملة في إنتاج الغذاء أو السلع من الخضراوات والحبوب واللحوم والألبان واعتبارها موارد مائية، وعلى ذلك، فإن المياه الافتراضية يتم استيرادها وتصديرها من خلال السلع الغذائية. وطُرحت العديد من التساؤلات حول مدى إمكانية اعتماد مصر اقتصادياً على الاستيراد من الخارج لعدد من السلع، حفاظاً على مواردها المائية.

وفي إطار تخطي الآثار السلبية للشركات الدولية النشاط، أكد المشاركون على ضرورة تحقيق قدر من التعاون لاستغلال الموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة، وأن تعمل التكتلات الاقتصادية الأفريقية بحيث تكون مكملة لبعضها البعض، كما أكدوا على ضرورة أن تسعى الدول الأفريقية لتنمية استثماراتها المحلية والبينية الأساسية كخطوة أولية لتحقيق التنمية.

وطبقاً لهذه المعطيات يكون علي دوائر صناعة القرار في مصر وضع المتغيرات الجديدة المرتبطة بتصاعد أوزان الفواعل الغير رسمية موضع الادراك أولا ، ثم تحديد طبيعة وحدود التفاعل مع الفواعل غير الرسمية بما يحفظ المصالح الوطنية المصرية وعلي رأسها الأمن المائي المصري، حيث من الواضح أن التطورات الراهنة في حوض النيل لاتجعل هذا الأمن مهدداً فقط جراء بناء السدود ولكن أيضا من الاستخدامات غير المشروعة للأنهار المشتركة.


رابط دائم: