المعارضة السورية.. خيارات جديدة هل ستسفر عن حلول؟
2015-7-4

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
4/7/2015 دخل الصراع بين المعارضة والنظام السورى مرحلة جديدة من المواجهات السياسية والعسكرية منذ بداية العام الجارى؛ بدا فيها واضحا التفوق الذى تحققه المعارضة المسلحة فى مواجهة النظام على أرض الواقع الميدانى، الأمر الذى غير فعليا من مسار الصراع لصالحها على مدى الشهور الخمسة الماضية، هذا التقدم الذى أحرزته المعارضة لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التغيرات الحادثة فى توازنات القوى الإقليمية وتطوراتها، لاسيما حالة التقارب السعودى التركى القطرى مؤخرا وانعكاساته على دعم المعارضة تدريبا وتسليحا، وكذلك حالة الانتظار الإيرانى للتوقيع النهائى على اتفاقها النووى مع دول 5+1 والمقرر له شهر يونيو القادم، وانعكاسات ذلك على دعم النظام السورى وهو دعم لم يعد يسير على وتيرته السابقة. فى ظل هذه التطورات النوعية التى تمر بها المعارضة السورية المسلحة الأكثر نجاحا وتقدما ميدانيا منذ مطلع العام الجارى وحتى الآن، والمعارضة السياسية الأقل أداءً وأقل تماسكا من المعارضة المسلحة، بات ملحا التساؤل حول الخيارات المتاحة أمام المعارضة السورية بشقيها. أولا: خلافات المعارضة وجهود التوافق تقف الخلافات الحادة بين المعارضة السورية وعدم توحدها كأحد عوائق الحل السياسى المأمول؛ فالائتلاف السورى المعارض الذى تأسس باسطنبول وراعته الولايات المتحدة حتى هذه اللحظات - وبعد ثلاثة سنوات من تشكيله (نوفمبر 2012)- فشل فى خلق قاعدة شعبية داخل سوريا فى ظل عدم قدرته على استيعاب تداعيات الحرب على الحياة اليومية للمواطنيين، بالإضافة إلى انقسام قيادته، وعدم وضوح هيكله التنظيمى على الرغم من التطورات الكثيرة التى أجريت على رئاسته وتشكيله واختيار الهيئات التابعة له على مدار السنوات الماضية، هذا بخلاف النزاعات الإيديولوجية، وصراعات الزعامة ، والتعامل بمنهج إقصائى فى بعض الأمور مع عدد من قوى المعارضة المماثلة، ناهيك عن المعضلة الأبرز وهى عدم قدرته على استيعاب المتغيرات الحادثة على أرض الصراع المسلح بين النظام السورى وبين الجيش السورى الحر والفصائل المقاتلة معه ضد النظام، ومدى ارتباطها بالمتغيرات الإقليمية فى المنطقة. هذا بالإضافة إلى الخلافات بين الائتلاف وباقى تشكيلات المعارضة السياسية، لاسيما معارضة الداخل، كالائتلاف السورى لقوى التغيير باعتباره ينطلق من طرح مختلف تماما لمعالجة الأزمة السورية عن الائتلاف الوطنى، وتختلف كذلك هيئة التنسيق الوطنية مع الائتلاف الذى تراه قد ارتكب أخطاء سياسية كبيرة فى مسار تعاطيه مع الأزمة لاسيما ما يتعلق منها بطبيعة الهيئة الانتقالية التى من الممكن أن تتولى السلطة حال التوصل لحل للأزمة ، كما أن الهيئة الكردية العليا التى تنطوى تحت لوائها كافة الأحزاب الكردية وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى لها دائما رؤى مختلفة عن الائتلاف السورى؛ خاصة وأن الحزب المذكور أصبح يتولى إدارة المناطق الكردية التى تم تحريرها من قبضة النظام فى الشمال والشمال الشرقى من سوريا، وهى المناطق ذات الأغلبية الكردية حيث تولت ميليشيات الحزب إدارة تلك المناطق لتسيير شئون الحياة اليومية للمواطنين، ومواجهة الجماعات المتطرفة إلى حين تشكيل هيئة تنفيذية تكون قادرة على إدارة كافة المناطق المحررة من سيطرة الجيش السورى النظامى. كما يختلف تيار بناء الدولة المعارض ، وكذلك الجبهة الشعبية للتغيير السلمى المعارضة إلى حد كبير مع الائتلاف فى بعض تفاصيل خارطة العمل السياسى فى سوريا. وعلى الرغم من المثالب السابقة فى أداء المعارضة السياسية حدث نوع من الحراك الدبلوماسى عبر سلسلة من المؤتمرات التى نظمتها عدد من الدول منذ مطلع العام الجارى ، ولكن جملة المؤتمرات التي عُقدت لم تسفر عن مسار واضح للحل المأمول، وإن كان بعضها قد وضع الأسس التى من خلالها يتم الانتقال من مرحلة حكم بشار الأسد لحكومة انتقالية أو هيئة تأسيسية تتولى السلطة، وتتشارك كافة المؤتمرات فى نقطة مهمة وهى عدم تحديد مصير بشار الأسد نفسه هل هو جزء من المرحلة الانتقالية أم لا، كما أن بعض هذه المؤتمرات لاسيما مؤتمر القاهرة الثانى أقر ميثاق للعمل الوطنى من عشرة نقاط بهدف التوافق على وثيقة سياسية تتبناها المعارضة، وتضمن مطالبها فى أى حل سياسى محتمل للأزمة السورية. وذلك على الرغم من مقاطعة عدد كبير من قوى المعارضة للمؤتمر وعلى رأسها الائتلاف السورى المعارض على خلفية طلب مصر منع المعارضين الإسلاميين من حضور المؤتمر، وهو ما اعتبره الائتلاف تشتيتا للمعارضة المشتتة أصلا، وتدخلا واضحا من جانب السلطات المصرية فى تحديد مسار المؤتمر ما قد يفرغه من مضمونه، وقد دفع هذا الموقف عددا من الشخصيات المعارضة العضوة فى الائتلاف إلى حضور المؤتمر ولكن بصفتهم الشخصية. كما وجهت جبهة التغيير والتحرير انتقادا حادا للمؤتمر نتيجة لإقصائها وعدم توجيه دعوة إليها لحضور المؤتمر والمشاركة فى فعالياته، معتبرة أنها محاولة من مصر لتفتيت كيان الائتلاف السورى المعارض وإعادة تشكيله فى سياق الخلافات الإقليمية بين مصر وبعض الدول الراعية للمعارضة السورية. ثانياً: خيارات المعارضة السورية حاليا المعارضة السورية السياسية، لا تزال كما سبق القول تعيش حالة من التشرذم والاختلاف فى وجهات النظر تجاه عدة نقاط؛ منها ما يتعلق بطبيعة المرحلة الانتقالية أو بوضع بشار الأسد فيها، أو حتى حول طبيعة الهيئة الانتقالية وتشكيلها والأوزان النسبية التى ستمثل بها المعارضة داخل هذه الهيئة، ناهيك عن عدم استيعابها المتغيرات على أرض الواقع لا من حيث المشاكل والصعوبات التى تواجه المواطنين فى المناطق المحررة من قبضة النظام، ولا من حيث وضع تصورات لاستيعاب فصائل المعارضة المقاتلة فى مرحلة ما بعد سقوط النظام منعا لاقتتالها فى المستقبل بعد أن تكون قد انجزت مهمتها فى إسقاط النظام. أما المعارضة المسلحة، فهى صاحبة الانجاز الفعلى على الأرض، وسيكون حسم الأزمة سياسيا عبر التفاوض بناء على منجزاتها التى تحققت كنتيجة منطقية لحالة تقدمها فى مواقع كثيرة، مما يدفع إلى التساؤل حول الوجهة القادمة للمعارضة، هل ستتجه إلى مناطق الساحل حيث قلب النظام فى اللاذقية ؛لاسيما بعد الخسائر التى تكبدها النظام فى اريحا على الطريق إلى اللاذقية، أم إلى دمشق حيث سيطرته وسلطته؟ أم إلى حل سياسى بعد فرض المعارضة أمرا واقعا؟ فى هذا السياق يمكن حصر الخيارات المتاحة أمام المعارضة السورية فيما يلى: • تجربة التوحد والتنسيق فى لواء عسكرى كبير - مثل جيش الفتح وما حققه من انجازات عسكرية- تعتبر فرصة لابتكار المعارضة المسلحة آلية جديدة تمثلت فيما عرف بغرف العمليات الموسعة على مستوى المدن التى تم تحريرها، ويتم عبرها دمج الفصائل العاملة فى تلك المدن ، كما أن جبهة النصرة بدأت تدفع فى اتجاه الاندماج مع غيرها من الفصائل المحلية، وإن كان اندماجها على الرغم من أهميته لايزال محكوما بمدى ابتعادها عن الارتباط بتنظيم القاعدة – وهو أمر لم تحسمه الجبهة حتى هذه اللحظات- وكذلك بالمآخذ التى تضعها الدول الممولة للمعارضة على عمل تلك الجبهة وعلى منحها التمويل اللازم . • عزز التقدم والسيطرة على مدينة درعا من خيارات المعارضة فى الاتجاه نحو منطقة إستراتيجية أخرى فى سهل الغاب وريف حماة ومنطقة الساحل، وهى معارك ستكون مفصلية بالنسبة للنظام . • تمثل حلب بالنسبة للمعارضة خلال المرحلة القادمة الخيار الصعب لأنها ستكون مضطرة إلى مواجهة طرفين : النظام وداعش؛ فستواجه المعارضة النظام فى ريف حلب جنوبا، بينما ستواجه تنظيم داعش فى الريف شمالا، وستكون المنطقة منطقة تداخلات عسكرية بين الأطراف الثلاثة خلال المرحلة القادمة؛ وتكمن الأهمية الإستراتيجية لاستيلاء المعارضة على حلب بريفيها الشمالى والجنوبى فى كونها ستقطع طريق الإمدادات على النظام السورى، ووقتها تصبح المناطق الخاضعة لنفوذ الجيش السورى محاصرة فى حلب هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن سيطرة المعارضة على حلب ستؤمن منطقة تواصل جغرافى لمناطق فصائل المعارضة المسلحة فى المنطقة. • المحاذير التى قد تواجه المعارضة وبالتحديد الكردية منها بعد تقدمها فى الرقة والحسكة وحلب هى قيام تنظيم داعش بتوجيه ضرباته ضد مناطق الخاضعة لقبضة المعارضة فى الجزء الشمالى من ريف حلب، فى محاولة منه أولا لمنع حصاره من جانب المعارضة الكردية وباقى المعارضة المسلحة، وثانيا تعويض خسارته التى حدثت بفقدانه معبر تل الأبيض. مما سبق يتضح أن الهدف الاستراتيجى الحالى والمستقبلى للمعارضة بعد سلسلة انتصاراتها وتقدمها على الأرض هو دفع النظام مضطرا لقبول حتمى لحل سياسى فى سوريا، لاسيما وأن خيار توجه المعارضة لمدن الساحل العلوية وعلى رأسها اللاذقية سيكون محكوما ليس فقط بحسابات المعارضة وصراعها مع النظام، ولكن أيضا محكوما بالحسابات الدولية التى سترى فى اقتراب دخول المعارضة لمعقل العلويين تأجيجا قويا للحرب الطائفية، والتى ستكون لها عواقب وخيمة، ومن ثم فإن انجازات المعارضة ستدفع الجميع: القوى الدولية والإقليمية والنظام إلى البحث عن تسوية ذات أفق سياسى قريبا. ثالثا: تحركات دولية وإقليمية متوقعة فى إطار ما سبق طرحه بات التساؤل حول مسار الأزمة على خلفية تغير موازين القوى العسكرية لصالح المعارضة وضد النظام خلال المرحلة القادمة، وهل من الممكن أن يواكب هذا التغيير الحادث فى مسار الصراع حراكا سياسيا دوليا أو إقليميا قريبا؟ من قراءة المشهد السياسى والعسكرى للأزمة حاليا، والانتكاسات العسكرية التى منى بها نظام الأسد بدا أن الحديث عن رحيل نظامه ربما أصبح خيارا مطروحا بقوة فى أروقة السياسية الدولية، ولكن تكمن المعضلة أمام القوى الكبرى لاسيما الولايات المتحدة حول البديل القادر على ملء فراغ النظام السورى سياسيا وعسكريا، بما يمنع وصول أو تمكن الفصائل المتشددة وعلى رأسها تنظيم داعش وجبهة النُصرة من السيطرة على مفاصل تلك الدولة، وبالتالى فإن الإعداد الجيد لمرحلة انتقالية واضحة المعالم لا يزال محل دراسة؛ لأن هذا الاستعداد سيكون محكوما بالضرورة بضمان مصالح تلك القوى ومشاريعها فى منطقة الشرق الأوسط عامة وساحة الصراع السورى خاصة. ويمكن رصد عدد من المؤشرات التى واكبت تطورات الأحداث فى سوريا خلال المرحلة الماضية، والتى" قد" تعطى دلالة على حراكا دوليا قريبا بشأن سوريا يقترب من طرح إبعاد الأسد عن السلطة ومنها: • الأنباء المسربة عن شيوع حالة من التوافق بين قادة قمة الدول الثمانى - بما فيها روسيا حليف النظام السورى - فى اجتماعهم الأخير فى السابع من يونيو بمدينة ميونيخ الألمانية، بأن الوقت قد حان لإحداث تغيير فى النظام السورى القائم باعتباره أصبح عاملا من عوامل نمو الإرهاب. • التراجع الملحوظ فى مساندة النظام الإيرانى للنظام السورى على الرغم من محاولة الساسة الإيرانيين إظهار عكس ذلك ، حيث باتت طهران محكومة بثلاث معوقات الأولى، الاتفاق النووى المتوقع يونيو القادم. والثانية، الأزمة المالية الحادة التى بات يعانى منها الاقتصاد الايرانى، وهو ما أثر سلبا على تعبئتها لموارد مالية إضافية تغطى على عملية إرسالها مزيدا من العتاد والدعم والقوات للنظام، والثالثة، المواجهات الإقليمية بينها وبين المحور السعودى التركى القطرى، وهو المعسكر نفسه الذى يواجهها - باختلافات نسبية - فى اليمن. ما يعنى أن إيران المنتظرة الاتفاق النووى النهائى باتت تدرك أن النظام السورى قد استنفذ كل ما لديه من عوامل بقاء وصمود، وأن تبعات اتفاقها النووى قد لا تمكنها مستقبلا من مساندته، وأنها تتقاطع مع الغرب فى ضرورة الحفاظ على النظام السورى مع إمكانية الحديث عن مصير بشار الأسد نفسه والحلقة المقربة من رجاله، وبالتالى فهى وفى ظل المعوقات الثلاثة السابقة إضافة إلى تقدم المعارضة، وجب عليها الاستعداد لكافة الاحتمالات لاسيما وأن احتمال "إسقاط" بشار فى أى لحظة بات من الخيارات المطروحة بقوة مؤخرا. • سحب إيران مقاتليها من عناصر الحرس الثورى من الشمال السورى وتوجيهها نحو القلمون فى الجنوب الغربى لدعم قوات حزب الله هناك - نتيجة للضغوط التى تمارسها المعارضة على قوات النظام حيث الحدود اللبنانية السورية - وإعادة نشرها لتلك القوات على طول الساحل فى مناطق تمركز العلويين، ودمشق لحماية قلب النظام؛ حيث تؤمن إعادة انتشار القوات الإيرانية الداعملة للنظام السورى فى المناطق المذكورة ممرا استراتيجيا يضمن مصالح إيران فى سوريا ولبنان، ويحمى التواجد الشيعى العلوى، ويمكن حزب الله من الوصول لمرتفعات الجولان. مما سبق يتضح أن المعارضة السورية المسلحة بتقدمها الكبير منذ مطلع العام الجارى فى مواجهة النظام استطاعت أن تغير التوازنات بينها وبينه، واستطاعت كذلك أرباك الخيارات والبدائل المتاحة أمام صانع القرار السياسى فى معسكر الموالاة للنظام السورى، فى ظل ظروف إقليمية ودولية قد تكون مواتية فى المديين القصير والمتوسط لإحداث التغيير المنتظر فى النظام السياسى السورى، ولكن ستظل سيناريوهات المرحلة القادمة من عمر الأزمة ومآلات الصراع بين طرفيها محكومة بمعالجة المعارضة لمشكلاتها وتوحيد أهدافها والتنسيق لمرحلة ما بعد بشار الأسد، ومحكومة أيضا باستمرار الدعم للمعارضة على شاكلة ما حدث مؤخرا، ومحكومة كذلك بالحسابات الإقليمية للحليف الإيرانى على وقع حسابات الربح والخسارة التى ستتمخض عن الاتفاق النووى؛ وهى الحسابات التى دفعت طهران لحالة من التريث فى دعم دمشق خلال الشهور الخمسة الماضية.

رابط دائم: