الحكومة التونسية الجديدة: الخيارات الصعبة وضرورات التوافق
2015-1-31

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
31/01/2015 في الثالث والعشرين من يناير الجاري أعلن الحبيب الصيد رئيس الوزراء التونسي المكلف التشكيل الوزاري الجديد الذي انتظره التونسيون طوال الأسابيع الماضية بعد فوز الباجي قائد السبسي زعيم حزب نداء تونس بمنصب الرئاسة، ولم يؤد التشكيل الحكومي الجديد إلى انفراجه في الوضع وحلحلة الحياة السياسية المتوقفة منذ انتهاء الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية والرئاسية ومنذ تكليف الصيد في الخامس من ديسمبر الماضي برئاسة الوزراء؛ فلم يحظ التشكيل الحكومى الجديد بموافقة العديد من القوى السياسية التونسية وعلى رأسها حزب النهضة الذي حل ثانيا في الانتخابات البرلمانية ويشغل حوالي 69 مقعدا برلمانيا، بالإضافة إلى الجبهة الشعبية اليسارية التي حلت في المرتبة الرابعة والتي تشغل 15 مقعدا، وكذلك حزب آفاق تونس الفائز بالمركز الخامس، باستثناء حزب الاتحاد الوطني الحر الحاصل على المرتبة الثالثة والممثل في التشكيلة الحكومية، ما يعني مباشرة أن الحكومة الجديدة لن تنال ثقة البرلمان حيث تحتاج الحكومة إلى موافقة 109 نائبا من إجمالي 217 عضوا برلمانيا، وحتى وإن ضمنت -حسابيا- التصويت لصالحها عبر الحصول على أصوات كل الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس 86 مقعدا بحكم الالتزام الحزبي بالإضافة لأصوات حلفاء الحزب داخل البرلمان فستكون الأغلبية التي حصلت بمقتضاها تلك الحكومة على الثقة البرلمانية أغلبية بسيطة الأمر الذي لا يضمن لها الاستمرارية مما يؤثر على عملية الاستقرار السياسي برمتها. وقد اصطدمت مسيرة الحبيب الصيد بشأن تشكيل الحكومة بالعديد من المعضلات والعراقيل الأمر الذي يجعل من حصول حكومته الجديدة على ثقة البرلمان معضلة كبيرة ومحصلة نهائية للنهج الذي اتخذه في هذا السياق؛ حيث تضمن التشكيل الحكومى قيادات الصف الأول من أعضاء حزب نداء تونس وحزب الاتحاد الوطني الحر الحاصل على المركز الثالث في الانتخابات حاصدا 16 مقعدا وعددا من المستقلين وهي القوى السياسية التي ساندت ودعمت السبسي في الانتخابات الرئاسية، في الوقت الذي لم تشارك فيه حركة النهضة بشخصيات منتمية إليها ولكنها وافقت على الشخصيات التي تقلدت الوزارات السيادية، حيث ربطت الحركة مشاركتها في الحكومة الجديدة بشرطين: الأول تحييد الوزارات السيادية لاسيما المؤسستين العسكرية والشرطية بهدف تجنيبهما التجاذبات السياسية، والثاني أن تمنح الحركة مناصب وزارية تناسب وزنها الانتخابي، أما في المجمل فإن الحركة لم توافق على المشاركة في الحكومة مخافة أن تتصدر المشهد السياسي مرة أخرى وتتحمل أعباء المرحلة الصعبة مع نداء تونس ما قد يعيق عملية المراجعة التي تجريها الحركة لتجربتها في الحكم والتي دفعت فيها ثمنا سياسيا ضخما خصما من شعبيتها تمثل في تراجع ترتيب الحزب في الحياة السياسية التونسية إلى المرتبة الثانية بدلا من تصدرها. أيضا لم توافق النهضة على العديد من الأسماء المرشحة لباقي الوزارات وهو ما عكسته التصريحات التي صدرت في أعقاب اجتماع رئيس الحركة راشد الغنوشي مع رئيس الوزراء المكلف، والتي أشارت إلى عدم حدوث توافق بين الطرفين حول تشكيل حكومة وحدة وطنية؛ حيث تختلف توجهات رئيس الوزراء الصيد عن توجهات حركة النهضة وحزبها السياسي بشأن "تركيبة وبرنامج" الحكومة الجديدة - التي لن تستطيع من وجهة نظر حركة النهضة- القيام بإصلاحات عميقة من شأنها ترجمة الثورة ومطالبها على أرض الواقع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك آثرت الحركة عدم المشاركة في التشكيل الحكومي. وكذلك لم يشارك حزب آفاق تونس الذي حل خامسا في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الحكومة الجديدة على الرغم من مساندته للسبسي في الانتخابات الرئاسية، حيث اعترض الحزب على كثرة المستقلين في التشكيل الحكومي موضحا أن أي حكومة لابد وأن تحظى بظهير حزبي من الأحزاب الفائزة في الانتخابات وأن مقتضيات المرحلة تحتم على تونس تشكيل حكومة من كفاءات حزبية. وفي الاتجاه نفسه أعلنت الجبهة الشعبية اليسارية رفضها التشكيل الحكومي حيث ترى -على العكس من حزب آفاق تونس-أن الحكومة تشكلت على أساس إرضاء بعض الأحزاب السياسية والمستقلين مما جعلها أقرب إلى حكومة محاصصة الحزبية، كما اشترطت الجبهة ألا تتضمن تركيبة الحكومة الجديدة شخصيات ممن تولت مناصب وزارية خلال فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي أو ممن شاركوا في الترويكا الحاكمة التي ضمت أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل. وجدير بالذكر أن الجبهة ترفض أصلا تسمية الحبيب الصيد رئيسا للوزراء؛ حيث ترى أن اختياره تم بتوافق بين نداء تونس وبين حزب النهضة دون تشاور مع باقي الأحزاب، في الوقت نفسه أعلنت الجبهة إمكانية منح الحكومة الحالية ثقتها في البرلمان إذا أعلنت التزامها بعدم رفع الدعم عن السلع الأساسية وعدم خصخصة البنوك العمومية وبقية القطاعات الاقتصادية الأخرى. في السياق السابق لم تحظ الحكومة الجديدة بتوافق عام من كافة الأحزاب السياسية، ما يعنى أن الصيد فشل في تشكيل حكومة قادرة على إحداث التوازن بين الأحزاب والقوى السياسية كل وفقا لحجمه الانتخابي، ومن ثم فإن الخيارات الصعبة التي تواجه الصيد وكذلك حزب نداء تونس والرئيس قائد السبسي تتمحور في خيارين؛ الأول: إشراك حزب النهضة في الحكومة ومن ثم ضمان حزب نداء تونس لأغلبية مريحة في البرلمان تمكنه من تمرير القرارات والتشريعات المختلفة مقابل خسارة الحزب لقواعده الانتخابية التي ستعارض تحالفه مع النهضة. والثاني: إبعاد النهضة كلية عن التشكيل الحكومي مقابل تحمل مواجهتها في البرلمان حيث ستشغل موقع المعارضة الشرسة. الجدير بالذكر هنا أن السبسي رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الفائز بالانتخابات التشريعية يميل إلى إشراك حزب النهضة في الحكومة الجديدة إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق تكليف شخصيات غير حزبية تتمتع بقبول حركة النهضة وحزبها السياسي، وذلك على العكس من تيار عريض في الحزب -نداء تونس–يعارض هذا الطرح. أيضا من المعضلات الشديدة التي واجهت حكومة الصيد هي كيفية الجمع بين الإسلاميين واليساريين في حكومة واحدة، الأمر الذي يضع حزب نداء تونس في موقع الاختيار بين ضمان الأغلبية البرلمانية بالتحالف مع النهضة كما سبق القول مما يحدث توافق برلماني ويصبح اليسار في الجهة المقابلة هو جبهة المعارضة الشرسة والذي سيصبح مدعوما بالنقابات ومنظمات المجتمع المدني التي يتغلغل التيار اليساري فيها تغلغلا مؤثرا، أو أن تصبح النهضة في موقع المعارضة أي أن تصبح الثلث المعطل عبر تحالفها مع الأحزاب القريبة منها أو المستقلين المتقاربين معها فكريا. وقد خرجت التشكيلة الحكومية للنور بحيث يستحوذ فيها حزب نداء تونس وحليفه الاتحاد الوطني الحر على تسع حقائب وزارية، مع استبعاد حركة النهضة، والجبهة الشعبية، وكذلك استبعاد حليفي نداء تونس في الانتخابات الرئاسية وهما حزب آفاق تونس والمبادرة الدستورية. وأعلنت حركة النهضة رسميا عدم منحها الثقة في جلسة البرلمان التي كان مقرر لها الثلاثاء 27 يناير الجاري، كما سلكت الجبهة الشعبية وحزب آفاق تونس والمؤتمر من أجل الجمهورية والمبادرة الدستورية المسار نفسه، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء المكلف الحبيب الصيد إلى إعادة التشاور مع القوى المعارضة للتشكيل الجديد بشأن التعديلات المطلوبة، لأنه حتى وفي حالة حصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان فستكون حكومة ضعيفة سياسيا لأنها تفتقد التوافق الذي مثل الآلية الرئيسية التي اعتمدت عليها تونس في استكمال عملية انتقالها الديمقراطي. وفي حالة عدم تمتع تلك الحكومة بأغلبية برلمانية واضحة فستكون مهددة بسحب الثقة منها في أي وقت. وبالتزامن مع ذلك قرر البرلمان التونسي تأجيل الجلسة التي كانت مخصصة لمنح الثقة للحكومة إلى أجل غير مسمى في ضوء رفض العديد من القوى السياسية والحزبية المصادقة على التشكيل الحكومي بتركيبته الحالية. ومما سبق يتضح أن القوى السياسية في تونس لم تتوافق جديا على تشكيل الحكومة لأسباب مختلفة، إلا أنها تتفق فيما بينها على أن حكومة الحبيب الصيد في حاجة إلى تغيير واضح في التركيبة والمضمون؛ فالتغيير في التركيبة يضمن لها موافقة كافة القوى السياسية ما يمنحها الحصول على الثقة البرلمانية بأغلبية مريحة، والتغيير في المضمون يضمن لها توافر برنامج يترجم أهداف ثورة 14 يناير إلى سياسات اقتصادية واجتماعية ملموسة. في ضوء ذلك فإن رئيس الوزراء المكلف بات أمام اختبار صعب للغاية إذ أصبح مطالبا بإنجاز مهمته قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة لذلك-عرض الحكومة على البرلمان المنتخب-في الرابع من فبراير القادم، والتي من الممكن تجديدها بشهر واحد على أقصى تقدير، وإلا سيعفى الحبيب الصيد من المهمة وتكلف شخصية أخرى بالمهمة ذاتها، وفي كلا الحالتين ستظل القوى السياسية التونسية تبحث عن "التوافق" الذي يمكنها من العبور إلى بر الأمان بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

رابط دائم: