حظر حركة 6 إبريل: الأسباب والتداعيات
2014-5-18
د. دينا شحاتة
18/05/2014 ملابسات الحظر والأسباب التي استند إليها القرار: جاء قرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتاريج 28 إبريل 2014 بوقف وحظر أنشطة حركة 6 إبريل والتحفظ على مقارها ليؤكد علي تهاوي تحالف 30 يونيو بين المؤسسة العسكرية وقوى مدنية وثورية، وهو ما نتج عنه حراك شعبي واسع أدى إلى سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر بعد مرور عام من وصولهم إلى السلطة. وكان هذا التحالف قد بدأ يتراجع منذ إصدار قانون منع التظاهر في نوفمبر 2013 وهو القانون الذي اعتبرته القوي الثورية مؤشرا علي تراجع الحريات والمكتسبات السياسية والمدنية التي حققتها هذه القوي منذ بدأت تنشط في السنوات الاخيرة من حكم الرئيس حسني مبارك، والتي كان انتزاع حق التظاهر من أهمها. وكان إصدار هذا القانون قد أدى إلى دخول نظام 30 يونيو في مواجهة مباشرة مع القوى الثورية وفي مقدمتها حركة 6 إبريل. بدأت تلك المواجهات بتظاهرات نظمتها قوي شبابية أمام مجلس الشورى للاعتراض على وتحدي القانون الجديد مما أدى إلى اعتقال عدد من قادة تلك الحركات، مثل أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة وعلاء عبد الفتاح. واتخذ قرار حظر حركة 6 ابريل في 28 إبريل بعد أربعة أيام فقط من قيام قوى ثورية ومن ضمنها حركة 6 إبريل بتنظيم مسيرة أمام قصر الاتحادية للاعتراض على قانون حظر التظاهر والمطالبة بالافراج عن النشطاء المعتقلين في تحد واضح للقانون الجديد. تطور علاقة الحركة بالسلطة منذ تأسيسها: يعد حكم حظر حركة 6 إبريل والصراع حول قانون التظاهر إحدى حلقات صراع ممتد بين الدولة من ناحية والحركات الشبابية والثورية من ناحية اخري. وقد بدا هذا الصراع منذ ظهور هذه الحركات في العقد الأخير من حكم الرئيس مبارك، واستمر بدرجات متفاوتة منذ ثورة 25 من يناير. ويرتبط هذا الصراع بطبيعة التنظيم والمطالب والآليات التي تبنتها حركة 6 إبريل وحركات شبابية أخرى. فحركة 6 إبريل مثلها مثل العديد من الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في العقد الأخير نشأت خارج، بل وفي مواجهة الأطر الرسمية لقوى المعارضة التقليدية مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات. وقد ارتأى مؤسسو هذه الحركات أن هذه الأطر غير قادرة على تحقيق أي تغيير حقيقي، بل إن وجودها يصب في نهاية المطاف في تجميل واضفاء شرعية ديمقراطية زائفة على نظام استبدادي. لذا رفضت هذه الحركات الانخراط داخل هذه الأطر واختارت النشاط من خلال تأسيس حركات غير رسمية ذات طبيعية أفقية لامركزية قادرة على استيعاب النشطاء من كافة الأجيال والتيارات السياسية. وفيما يخص المطالب استبدلت هذه الحركات الخطاب الإصلاحي لقوى المعارضة التقليدية والذي ارتكز على فكرة الإصلاح من الداخل بخطاب راديكالي يقوم على فكرة التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجذري. وهو التغيير الذي يتحقق من خلال حراك شعبي واسع ضد فساد واستبداد السلطات الحاكمة، ومن خلال تحالف فئات الشعب المختلفة وخاصة الشباب والعمال في مواجهة ومن أجل إسقاط النخبة الحاكمة. لذا فقد تبني مؤسسو هذه الحركات الآليات الاحتجاجية مثل تنظيم التظاهرات والمسيرات والاعتصامات كوسيلة لانتزاع حقوق ومساحات جديدة، ومن أجل تعبئة الشارع في مواجهة النظام الحاكم. وقد تأسست حركة 6 إبريل في عام 2008 بهدف الربط بين الحراك السياسي الذي بدأ مع تأسيس حركة كفاية من ناحية والحراك العمالي الذي بدأ مع تظاهرات عمال المحلة في 2007 من ناحية أخرى. وفي 2009/2010 شاركت الحركة في عدد من الفعاليات التي ساهمت في تسييس قطاعات واسعة من الشباب مثل حملة البرادعي وحركة كلنا خالد سعيد مما ساهم في إضعاف شرعية ومصداقية كل من النظام الحاكم وقوى المعارضة التقليدية. وكانت حركة 6 إبريل واحدة من الحركات الفاعلة الرئيسية في تنظيم تظاهرات 25 يناير 2011، التي تحولت إلى حراك شعبي واسع أدى إلى تنحية الرئيس حسني مبارك وانهيار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وتراجع دور الأجهزة الأمنية. أما بعد الثورة فقد رفضت حركة 6 إبريل وحركات ثورية أخرى التحول إلى أحزاب وجمعيات رسمية، أو أن تتخلى عن خطابها الجذري وعن الآليات الاحتجاجية معتبرة أن سقوط مبارك ماهو إلا خطوة أولى في تحقيق أهداف الثورة. ورأت هذه الحركات أن التغيير المنشود يتطلب تبني إصلاحات جذرية خاصة في قطاعات الأمن والإعلام والقضاء. وقد أدى تمسك هذه الحركات بشكلها الغير رسمي وخطابها الجذري وآلياتها الاحتجاجية إلى استمرار الصراع بينها وبين السلطات السياسية المتعاقبة. فباستثناء فترة قصيرة من التهدئة مع المجلس العسكري في 2011 شهدت العديد من اللقاءات والمشاورات بين قيادات المجلس والقيادات الشبابية، وأدت إلى فتح المجال الإعلامي على مصراعيه أمام هذه القيادات، سرعان ما تدهورت العلاقة بين الطرفين بعد الإعلان عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري ورفض حركة 6 إبريل والقوى الثورية للتعديلات التي أقرتها اللجنة وقيامها بالدعوة للتصويت بلا في استفتاء 19 مارس 2011. وفي أعقاب الاستفتاء شهدت العلاقة بين الطرفين تدهورا سريعا وصل إلى ذروته خلال أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود في خريف وشتاء 2011. وهي الأحداث التي قتل وأصيب فيها المئات من الشباب. وقد أدى هذا الصدام إلى تراجع شعبية المجلس العسكري وإلى التعجيل بعقد الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى صعود القيادي الإخواني محمد مرسي إلى السلطة وإلى تراجع دور المجلس العسكري بعد الإطاحة بالمشير طنطاوي وسامي عنان. واتسمت علاقة حركة 6 إبريل والقوى الثورية الأخرى مع جماعة الإخوان بالكثير من التوتر والصدام. فبعد تلاحم جماعة الإخوان مع الحركات الشبابية والقوى الثورية خلال أحداث ثورة 25 يناير تحالفت الجماعة مع المجلس العسكري ودعمته في محاولاته لتحجيم وقمع هذه القوى. كما أن الجماعة بدأت في استخدام قواعدها الشبابية لمواجهة الحركات الثورية، مثلما حدث خلال التظاهرات التي نظمتها قوى ثورية أمام مجلس الشعب الإخواني والتي تصدت لها تشكيلات شبابية إخوانية. وبالرغم من التوتر الذي شاب العلاقة بين الإخوان والقوى الثورية بعد سقوط مبارك، إلا أن هذه القوى وفي مقدمتها حركة 6 إبريل قامت مع ذلك بدعم مرشح الإخوان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية خوفا من فوز مرشح النظام القديم الفريق أحمد شفيق. إلا ان العلاقة بين الطرفين سرعان ما تدهورت بعد قيام الجماعة بتبني العديد من السياسات السلطوية والإقصائية، ووصل الصدام بين الجماعة وقوى الثورة إلى ذروته خلال أحداث الاتحادية في ديسمبر 2012، والتي شهدت مواجهات دامية بين أعضاء 6 إبريل وقوى ثورية أخرى من ناحية، وأنصار جماعة الإخوان من ناحية أخرى مما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا وإلى تعرض عدد من النشطاء للتعذيب علي يد أنصار الجماعة. وقد مثل هذا الحدث نقطة تحول مهمة في علاقة الإخوان بحركة 6 إبريل والقوي الثورية الأخرى، وإلى ظهور قناعة أن حكم الإخوان في حال استمراره سوف يدفع البلاد نحو الاقتتال الأهلي. وأدت هذه القناعة إلى انخراط حركة 6 إبريل في الفعاليات التي أدت إلى تظاهرات 30 يونيو وإلى عزل الرئيس مرسي في 3 يوليو 2013، وكان للحركة دور مهم في مساندة حركة تمرد وفي تجميع توقيعات المواطنين علي بيان الحركة الذي طالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي أعقاب سقوط حكم الإخوان شهدت علاقة 6 إبريل مع نظام 30 يونيو تدهورا مماثلا. حيث رفضت الحركة منهج السلطات في فض اعتصامات رابعة والنهضة، والذي راح ضحيته المئات من أنصار الجماعة ومن ناحية أخرى رأت هذه القوى أن المنهج الأمني غير كاف للتعامل مع حالة الانقسام والاستقطاب التي تعاني منها مصر. ولذا اتجهت الحركة إلى تشكيل جبهة طريق الثورة (ثوار) بهدف استكمال اهداف ثورة 25 يناير وطرح بديل ثالث لكل من النخبة القديمة والإخوان. وفي نوفمبر 2013 تزايد التوتر بين نظام 30 يونيو والقوي الثورية بعد تبني قانون يقوض حرية التظاهر، وقيام القوي الثورية وفي طليعتها حركة 6 إبريل بتنظيم عدد من الفعاليات للاعتراض على هذا القانون مما أدى إلى اعتقال عدد من القيادات الشبابية والتضييق بشكل متزايد على هذه القوى. وقد أدت هذه الصدامات المتكررة مع السطات الحاكمة إلى حدوث عدد من الصراعات والانشقاقات داخل الحركة، من أهمها الصراع بين جناح أحمد ماهر أحد مؤسسي الحركة والذي أصر على استمرار الحركة في شكلها الغير رسمي وفي خطابها الجذري ورفض تحويل الحركة إلى حزب سياسي أو جمعية أهلية. بينما طالب أعضاء آخرون بتطوير آليات العمل والشكل التنظيمي للحركة، بما يسمح بمشاركة الحركة بشكل أكثر فاعلية في العملية السياسية التي تلت أحداث ثورة 25 يناير. وقد أدت هذه الصراعات إلى خروج عدد كبير من أعضاء الحركة وانضمامهم إلى أحزاب سياسية ناشئة مما أدى إلى ضعاف دور الحركة وضعف تأثيرها على المجال السياسي في الفترة التي تلت الثورة. يتضح مما سبق أن حركة 6 ابريل باستثناء فترات قصيرة من التحالف أو التهدئة ظلت في حالة صدام شبه مستمر مع السلطات الحاكمة المتعاقبة. ويمكن فهم هذه الحالة في إطار وجود تناقض جذري بين طبيعة الحركة ومطالبها من ناحية، وبين طبيعة الدولة ومصالحها من ناحية أخرى. فبينما تصر الحركة على تبني شكل غير رسمي وآليات احتجاجية ومطالب جذرية، تري السلطات أن هذه المطالب تصب في اتجاه تفتيت وإسقاط الدولة والدفع بمصر نحو حالة من الفوضى. وتوجد قناعة لدى قطاعات واسعة من النخبة الحاكمة أن القوى الثورية وفي مقدمتها حركة 6 إبريل تعمل بشكل واع أو غير واع في خدمة قوى خارجية تناصب مصر العداء وتعمل على إضعافها وتفكيك جيشها ومؤسساتها، كما حدث في العراق وليبيا وسوريا. ويرى القائمون على الدولة وحلفائهم أن استعادة الاستقرار والأمن يتطلب القضاء على هذه الحركات وإعادة سيطرة الدولة على المجال العام، مع السماح لعدد من الأحزاب والجمعيات الموالية للدولة بالنشاط على هامش هذا المجال. تأثير حظر الحركة على المجال السياسي وعلي مستقبل الحراك الشبابي والثوري: قرار الحظر والإجراءات الأخرى التي اتخذتها السلطات ضد حركة 6 إبريل لن تؤدي بالضرورة إلى تراجع هذه الحركات، أو إلى استعادة الاستقرار وهيبة الدولة كما يتصور البعض. فحركة 6 إبريل حتى وإن اختفت بشكلها الحالي، وحتى إن تم اعتقال قادتها الحاليين قادرة على إعادة إنتاج نفسها تحت مسميات جديدة وبقيادة نشطاء آخرين طالما أن الظروف الموضوعية التي أدت لإنشائها لم تتغير. فظهور الحركات الشبابية مرتبط بارتفاع نسبة الشباب في المجتمع المصري حيث أصبح الشباب أو من هم تحت سن 35 سنة يمثلون أكثر من 60? من السكان وتتمتع هذه الفئة بنسب عالية من التعليم وبقدرات مرتفعة في استخدام أدوات الاتصال الحديثة، وفي نفس الوقت تعاني هذه الفئة من شتي أشكال الاقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما يجعلها من أكثر القطاعات قابلية للتسييس والتثوير. فانغلاق المجال السياسي وارتفاع نسب البطالة وتأخر سن الزواج جعل الحركات الاحتجاجية الشبابية مثل حركة 6 إبريل -والتي تتبني أشكالا تنظيمية مرنة وأفقية وخطاب ثوري متجاوز للأطر الأيدلوجية الصماء وآليات احتجاجية مباشرة جاذبة للشباب النشط الراغب في التغيير. خاصة وأن النخبة الحاكمة، وكذلك النخب المعارضة، فشلت في توفير أطر بديلة تسمح لهؤلاء النشطاء بالمشاركة بفعالية في المجال السياسي والاقتصادي. وبالرغم من أن حالة الاستقطاب القائمة واتساع دائرة العنف والعنف المضاد بين الدولة وجماعة الإخوان قد خلقت رأي عام معادى للحراك الثوري وللحركات الشبابية إلا أن التركيز على الحلول الأمنية والقمعية وعدم توفير بدائل سياسية واقتصادية تستوعب مطالب وطموحات الشباب سوف يؤدي بالضرورة إلى إعادة إنتاج الحراك الشبابي والثوري الذي أسست له حركة 6 إبريل.

رابط دائم: