الإخوان وسيناريو شافيز.. الخلط بين الواقع والمأمول !
2013-8-30

كرم سعيد
* باحث متخصص في الشأن التركي- مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام

 يحاول البعض فى مصر استدعاء النموذج الشافيزى الذى شهدته كراكاس حينما أطاح الجيش بالرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز. وإذا كان التماثل قائم في أن كل من الرئيس مرسى وصل مثله مثل شافيز إلى المقعد الرئاسى عبر اقتراع ديمقراطى مباشر، إلا أن الاختلاف الرئيسي هو أن الأخير قد حظى بدعم شعبى وقدرة على المناورة السياسية فى مواجهة خصومه، بينما لم يكن للأول نصيب سواء من الكاريزما الشخصية أو القدرة على الحركة السياسية السريعة في استجابتها لما يطرأ من تطورات على الساحة السياسية الوطنية. صحيح أن جماعة الإخوان تعرضت لهجوم إعلامى مستمر طوال العام الذى خلى ناهيك عن معارضة لا يربطها الكثير سوى معارضتها للجماعة، إلا أنه بالمقابل كان لتواضع إمكانات قادة الجماعة واعتقادهم أن امكاناتهم الدعوية قادرة على تعويضهم سياسيا، ناهيك عن الاعتماد على شركاء من الجماعات الإسلامية التى تميل إلى استخدام العنف والتكتيكات الأصولية المتشددة نال من صدقية الجماعة، وساهم فى تشويه الصورة النمطية لجماعة "الإخوان فى الوعى الجمعى المصرى، لاسيما حين تصدر عاصم عبد الماجد وطارق الزمر وغيرهما صدارة منصات رابعة العدوية والنهضة. وفى الوقت الذى سعى فيه الرئيس شافيز إلى تشييد بناء دستورى يلبى طموحات المواطنين الفنزويليين على تباين خلفياتهم وتعارض مرجعياتهم الأيديولوجية والسياسية، لجأت جماعة الإخوان إلى الانفراد بالرأى والدفع فى اتجاه أسلمة قوانين ومواد دستورية. بل وحيثما كان ذلك مطلوبا من وجهة نظرهم، فقد اتجه الرئيس مرسى وجماعته بالأساس نحو إقامة بناء دستورى لا يراعى ظروف البيئة المحيطة أو تهدئة المناخ المشحون، ففرضت الجماعة استناداً إلى أغلبيتها العددية فى الجمعية التأسيسية مواد دستورية أثارت سخط الشارع، وألهبت حماس المعارضة. فى هذا السياق العام يفتح الباب مجدداً على مصراعيه، خصوصا بعد إزالة اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر حول ذات السؤال الذى تكرر فى أعقاب عزل الرئيس محمد مرسى، وهو هل يمكن حدوث تحرك عسكرى، أو انقلاب مضاد يعيد مرسى إلى مقعده كما عاد شافيز بعد انقلاب خائب في أبريل 2002 لم يدم أكثر من يومين؟ الواقع أن القراءة الدقيقة للحالتين تشير إلى تباينات شديدة بينهما، وتباعد لا تخطئه عين، ولا حتى عين التيار الإسلامى نفسه فى مصر، من حيث الطبيعة الجوهرية للتجربتين داخليا وخارجيا على السواء. فداخليا يبدو واضحا تمتع الجيش المصرى بقدر عال من التماسك والولاء لقيادته، ولذلك انقشعت سريعاً كافة الأقاويل والشائعات التي تم ترويجها بشأن انقسام الجيش وانشقاق عدد من عناصره، ففى تصريح له أكد الفريق أحمد وصفى قائد الجيش الثانى الميدانى على "وحدة القوات المسلحة بجميع فصائلها وتضامنها مع الشعب المصرى "وأضاف أن "القوات المسلحة على قلب رجل واحد بداية من الفريق أول عبد الفتاح السيسي وحتى أحدث مجند ومهمتهم هي حماية أمن الوطن والمواطنين." أما وضع المؤسسة العسكرية في فنزويلا فقد كان مغايرا تماماً، إذ انقسم الجيش الفنزويلى فى شأن خلع تشافيز، ففي الوقت الذي تحالف فيه عدد من الجنرلات الفنزويليين مع قوى المال والإعلام آنذاك لتهييج الشارع الذى تم الالتفاف عليه وخداعه لإزاحة الرئيس شافيز (كان بارزاً هنا ما بثته شاشات التلفزيون من تصريحات بعض ضباط الجيش بأنهم لم يعودوا يعترفون بالرئيس شافيز رئيساً للدولة). في المقابل نجد أن بعض الجنرالات سحبوا تأييدهم علنا للرئيس بيدور كارمونا الذى خلف شافيز، والدعوة والمطالبة بتقديمه لاستقالته فورا. وأيضا نجد على الصعيد الداخلي أن القاهرة كانت قد شهدت احتقاناً غير مسبوق، ووصل المشهد السياسي إلى ذروة التأزم بعدما سارعت الجماعة في محاولة تفصيل المشهد السياسى على مقاس طموحاتها السياسية، وبدا ذلك بداية في الإعلان الدستورى الصادر فى نوفمبر 2012، ثم فى الإصرار على الإبقاء على حكومة هشام قنديل الضعيفة والنائب العام المعين بطريقة غير دستورية، جنباً إلى جنب التدخل من وراء ستار لمكتب الإرشاد فى إدارة المشهد السياسى المصرى. وهذا الواقع يبدو مختلفا إذا ما قورن بحالة الرئيس شافيز آنذاك الذي أعلن منذ أيامه الأولى في الحكم عن تدشين خطة بوليفار 2000 والتي ارتكزت بالأساس على برنامج رعاية اجتماعية ضخم لمكافحة الفقر وللتنمية المدنية، وكذلك دستور جديد. كما أنه فى ذات الوقت الذي سعى فيه إلى وضع مؤسسات الدولة بشكل تدريجي تحت سيطرته الشخصية بدلا من القفز عليها جملة واحدة، كثف من سعيه الحثيث نحو تسجيل المواطنين في المناطق الفقيرة التي استفادت من برنامج بوليفار في الجداول الانتخابية حيث كان أغلبية المواطنين الفقراء غير مسجلين أساسا. ورغم أن الرئيس مرسى حاول استدراك أخطائه فى خطابه الأخير عبر الموافقة على حل الحكومة والإطاحة بالنائب العام (الذي كان القضاء قد أصدر حكمه بالفعل بعدم أحقيته في المنصب)، وغيرها من مطالب الشارع والمعارضة السياسية، إلا أن ذلك لم يفلح في تهدئة الاحتقانات السياسية التي تصاعدت لدرجة لم تعد فكرة الاحتشاد الداخلي ودعوات الحوار مع فصائل المعارضة وحتى مؤسسات الدولة التى دخل معها فى حرب ضروس قادرة على إيقاف ما حدث في 30 يونيو، و3 يوليو 2013. ولذلك نجد أنه بينما استطاعت الحشود الجماهيرية المعارضة لمرسى في إقصائه خارج ملعب السلطة، نجد أن نظيرتها فى فنزويلا قد نجحت في إعادة شافيز إلىذا مقعد الحكم، وهو تطور يصعب حدوثه اليوم فى مصر نظراً للرفض الشعبى لعودة مرسى فضلا عن صعوبة تراجع المؤسسة العسكرية الموحدة خلف قيادتها الحالية عن دعم الموجة الثورية الثانية التى شهدتها البلاد فى 30 يونيو. فى سياق متصل يبدو الحديث عن إمكانية استيراد نموذج شافيز خرافة، لاسيما إذا أخذنا فى الاعتبار العامل الخارجى، فبينما حظي الرئيس شافيز آنذاك بقبول قوى دولية معتبرة خاصة في الجوار الإقليمي المباشر، حتى وإن عارضته الولايات المتحدة وحلفائها مبكراً، نجد أن الرئيس مرسى منذ قدومه للسلطة قد ووجه بحالة حذر من الخارج، حيث أصاب الضعف العلاقات المصرية الخليجية وهي قوى إقليمية مهمة لمصر خاصة في ظل وضعها الاقتصادي المأزوم. في الوقت ذاته كانت العلاقات مع القوى الغربية وخاصة دول الاتحاد الأوروبي قد اتسمت بقدر كبير من الحذر بينما لم تراوح العلاقة مع أفريقيا مكانها، بل ربما تعقدت هذه العلاقات أكثر مما كانت عليه خاصة بعد شروع أثيوبيا في بناء سد النهضة، والتعامل الركيك والغير محسوب من قبل مؤسسة الرئاسة مع الأزمة، وبدا ذلك في إذاعة مناقشات ما عرف بالحوار الوطني حول أزمة السد على الهواء، دون أن تحرك الرئاسة ساكناً أو تتخذ إجراءًا بشأن محاسبة من تورط في هذه الكارثة. صحيح أن الرئيس مرسى نجح في تحريك المياه الراكدة في بحر العلاقات المصرية الأسيوية واللاتينية بعد زيارته لكل من باكستان والهند ثم البرازيل إلا أن المردود الاستراتيجى والاقتصادى لهذه الزيارات كان إما فى طور التبلور أو هامشي إلى حد بعيد. خلف ما سبق تبقى حالة الانقسام المجتمعى التى تمثل العنوان الأبرز فى القاهرة حجر عثرة أمام استحالة تكرار النموذج الفنزويلى، ففي مقابل حشد لقوى معارضة لإقصاء الرئيس مرسى تضم معظم قوى التيار الإسلامي بشكل رئيسي، تسعى حشود أخرى أكبر إلى طى صفحته والتأسيس لمرحلة جديدة، على عكس حالة شافيز الذى كانت هناك أغلبية شعبية واضحة معارضة لعزله، وهو ما دفع المؤسسة العسكرية إلى التجاوب مع الإرادة الشعبية. القصد أن النموذج الفنزويلي الذى خلقته إرادة شعبية موحدة يختلف جملة وتفصيلاً عن الحالة المصرية، وأن بدت بعض أوجه التشابه هنا أو هناك. لذلك فإن تواتر أحاديث المناهضين لعزل الرئيس مرسى حول امكانية استلهام نموذج شافيز 2002 يبقى قائما من منظور "الواقع والمأمول"، لكنه من الناحية العملية يمكن التعامل معه باعتباره خرافة تجافى معطيات الواقع وتخاصم العقل والمنطق. لذلك قد يكون من الأجدى للجماعة الإسراع نحو المصالحة الوطنية ولم الشمل بدلاً من استهلاك الوقت والجهد في نموذج بات من الواضح أنه لا ينطبق على الحالة المصرية. ولا شك أن تحقيق المصالحة ربما يضمن فرصة لبقاء الجماعة حاضرة فى المشهد، وربما يعيد إليها بعض نفوذها المفقود، لاسيما وأن عمليات العنف التى شهدتها البلاد طوال الأيام التى خلت لم تنجح سوى في تكريس صورة ذهنية سلبية عن الجماعة. خلاصة القول أن الأزمة المصرية تتطلب حل سياسى يحقق التوافق بين الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية، بديلا عن نبرات التهديد بجر مصر باتجاه النموذج الجزائرى أو الفنزويلى التي تلوكها ألسنة بعض المنتمين للتيار الإسلامي وخاصة من الإخوان المسلمين، وبديلا أيضا عن نبرات الاقصاء السياسي التي يتم تداولها بين بعض القوى السياسية المعارضة لهذا التيار.


رابط دائم: