العنف السياسي في مصر من إسقاط مبارك إلي مواجهة مرسي
2013-3-27
هاني الأعصـر

شكلت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها مصر منذ عدة سنوات وحتى الآن مناخاً مناسباً وبيئة مواتية لظهور "العنف السياسي" والذي راحت تتصاعد حدته منذ اندلاع أحداث الاتحادية الأولى (والتي بدأت باعتداء مؤيدين للرئيس محمد مرسي علي عدد من المعارضين اعتصموا أمام القصر الجمهوري رفضاً للإعلان الدستوري الثاني الصادر في نوفمبر 2012) ، حيث تحول "العنف السياسي" من مجرد كونه سلوكاً استثنائياً ــ مارسته بعض القوى منذ 25 يناير 2011 وحتى خلال الفترة الانتقالية ــ إلي سلوك تكراري مستمر لجأت ومازالت تلجأ إليه بعض القوى الفاعلة كآلية لحسم "الصراع السياسي" الذي بات قائماً بين جماعة الأخوان المسلمين وحلفائها من ناحية، وبين السواد الأعظم من مناهضي ورافضي سياسات وممارسات الرئيس وجماعته من ناحية آخري، وهو أمر له بالضرورة تداعيات خطيرة ونتائج كارثية. من ثم بات فهم هذا السلوك أمراً حتمياً .. وهو ما تسعى هذه الورقة لتحقيقه من خلال تتبع "العنف السياسي" منذ 25 يناير وحتى الآن. أولاً: العنف السياسي و 25 يناير .. بين الإنكار والممارسة كان لاستخدام القوى السياسية لمصطلح "الثورة السلمية" ومن ثم الترويج له عبر وسائل إعلام عديدة دوراً ملموساً في إنجاح انتفاضة الخامس والعشرين من يناير 2011، فمن جهة دفع استخدام المصطلح ــ ومن ثم الترويج له ــ قطاعات كبيرة من المصريين لم تكن فاعلة سياسياً للخروج إلي الشارع والمشاركة في التظاهرات التي سرعان ما تحولت إلي انتفاضة شعبية أطاحت بنظام عتيد مثل نظام مبارك، ومن جهة آخري فوت استخدام هذا المصطلح الفرصة علي نظام مبارك في حسم الأمر لصالحه بواسطة التعامل الأمني ــ خاصة مع إعلان المؤسسة العسكرية انحيازها الكامل لمطالب الشعب المشروعة ــ ومن ثم فُرض علي النظام السابق التعامل السياسي الذي فشل فيه. ولعل التأثير القوى لاستخدام مصطلح "الثورة السلمية" أو "سلمية الثورة" هو الذي دفع النظام الحالي وحلفاءه ــ ومن قبلهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال إدارته لشئون البلاد ــ إلي استخدام نفس المصطلح كسلاح ردع في مواجهة قطاع كبير من القوى الثورية التي لجأت للعنف كآلية يواجهون بها ممارسات وعنف السلطة، وهو أمر ظهر بوضوح في خطابات المجلس العسكري ومن بعده مؤسسة الرئاسة حيث حرص كلا منهما علي نعت مستخدمي العنف السياسي إما بالمخربين الذين يحاولون تشويه صورة الثورة أو بالمنحرفين عن المسار السلمي للثورة متناسين عمداً أن انتفاضة 25 يناير لم يكن ليكتب لها النجاح لولا استخدام بعض القوى السياسية والجماعات المنظمة للعنف في حسم معركتها مع النظام وأدواته القمعية، وهو ما ظهر بوضوح في: • اعتداء جماعات الألتراس (ألتراس أهلاوي وألتراس زملكاوي) عصر يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 علي قوات الشرطة بالحجارة في محيط ميدان التحرير. • قيام بعض شباب الألتراس والقوى الثورية بافتعال ما أطلق عليه "حرب الشوارع" خلال يومي الأربعاء 26 والخميس 27 يناير 2011 كإستراتيجية لإنهاك قوى الشرطة قبل جمعة الغضب، وهي إستراتيجية كانت معلنة خلال هذه الفترة علي مواقع التواصل الاجتماعي بل كان يتم دعوة كافة المعارضين لنظام مبارك للنزول والمشاركة في تنفيذ هذه الإستراتيجية. • لجوء بعض الشباب الغاضب والثائر إلي استخدام العنف كآلية لمواجهة العنف المستخدم من قبل قوات الشرطة في مواجهة التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت يوم جمعة الغضب. • اعتداء مجموعات من المحتجين علي عدد كبير من مقار الحزب الوطني الديمقراطي وحرق بعض منها عصر يوم الجمعة 28 يناير 2011. • اعتداء مجموعات من المحتجين علي عدد كبير من أقسام ونقاط الشرطة وحرقها عصر جمعة الغضب وكان عدد أقسام الشرطة التي تم الاعتداء عليها وحرقها قد بلغ 99 قسماً ونقطة شرطة. • قيام أشخاص ــ يعتقد في انتمائهم إلي جماعات سياسية ــ بمهاجمة بعض السجون وتهريب بعض المساجين غالبيتهم من السياسيين والمتورطين في عمليات إرهابية ذات طابع دولي ، وكان ذلك في أعقاب انسحاب الشرطة عصر جمعة الغضب. • تصدي الجماهير المعتصمة بميدان التحرير للاعتداءات التي تعرضت لها من قبل مؤيدين للرئيس السابق مبارك (فيما عرف إعلامياً بموقعة الجمل) وهو استخدام صريح للعنف رغم كونه رد فعل لعنف استخدمه النظام السابق. وإذا كانت الأحداث التي سبق رصدها في السطور السابقة تؤكد في مجملها حضور العنف منذ اللحظات الأولى لانتفاضة 25 يناير، فإن التدقيق في بعضها وتحليله وربطه بالأحداث يشير إلي وجود نية مسبقة لدى بعض القوى السياسية وبعض الجماعات لاستخدام العنف في احتجاجاتهم ضد نظام مبارك كآلية لإسقاطه، أما أبرز الأحداث التي يمكن اتخاذها كمؤشرات لوجود نية مسبقة لدى القوى المستخدمة للعنف خلال انتفاضتهم لإسقاط النظام السابق فهي: • اعتداء جماعات الألتراس وبعض القوى السياسية علي قوات الشرطة وتعمد إدخالها في حرب شوارع علي مدار أيام ثلاث (من 25 إلي 27 يناير) دون مبرر إلا إنهاك قوات الشرطة كما سبق وأن ذكرنا. • الاعتداء علي 99 قسم ونقطة شرطة وعدد من مقار الحزب الوطني عصر الجمعة 28 يناير في نفس التوقيت رغم انقطاع الاتصالات يومها ، وهو ما يطرح بقوة فكرة وجود خطة معدة مسبقاً للقيام بذلك. • تصريحات عدد من أعضاء بارزين في بعض الحركات السياسية وعلي رأسهم حركة شباب 6 أبريل في تدربهم علي كيفية إسقاط النظام (1)، وهو ما تؤكده الاستراتيجيات التي ألتزمت بها هذه الحركات السياسية علي أرض الواقع وتضمنتها سلسلة "حرب اللاعنف" الصادرة عن أكاديمية التغيير(2) والتي ساهمت بقدر كبير في تدريب ناشطين مصريين علي إسقاط نظام اتفقت كافة الأطراف الفاعلة سياسياً علي ضرورة إسقاطه. ومع ذلك فلا يستطع أحد بحال من الأحوال أن يدعي استخدام السواد الأعظم من الجماهير المشاركة في انتفاضة 25 يناير لأي صورة من صور العنف في مواجهة نظام مبارك فالعكس تماماً هو الصحيح ، وذلك باستثناء رد الفعل في مواجهة العنف المستخدم ضدهم فيما عرف إعلامياً بـ "موقعة الجمل" والتي لجأ النظام السابق خلالها إلي استخدام العنف المفرط مع المتظاهرين بغرض إنهاء هذه الانتفاضة ، فما كان من المعتصمين وعلي رأسهم مجموعات الألتراس وعدد من أعضاء جماعة الأخوان المسلمين إلا الدفاع عن انتفاضتهم ورد عدوان المعتدين من مؤيدي الرئيس السابق. ثانياً: العنف السياسي بعد الجمهورية الثانية لم تمر خمسة أشهر علي انتخاب الدكتور محمد مرسي (رئيس حزب الحرية والعدالة وعضو مكتب إرشاد جماعة الأخوان المسلمين السابق) رئيساً للجمهورية إلا وتفجرت موجات من العنف السياسي الذي بات هو السمة الأميز للجمهورية الثانية، وهو أمر له تداعيات خطيرة لا تتوقف عند تهديد مشروع تحول مصر إلي الديمقراطية فحسب بل تمتد إلي تهديد كيان الدولة بكامله(3) ، الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلات عديدة حول دواعي وأسباب تنامي هذا العنف السياسي وتحوله إلي ظاهرة ..؟ ثم مدى مشروعية استخدام العنف في مواجهة نظام يستمد شرعيته من قدومه عن طريق الانتخاب؟ والمسار المتوقع لهذا العنف الذي باتت أهم سماته التنامي والتزايد المستمر؟ وأخيرا تداعيات هذا العنف وأثره علي العملية السياسية بل والدولة المصرية، ومن ثم قدرة هذا العنف علي حسم حالة الصراع السياسي التي باتت قائمة وواضحة للجميع؟ دواعي العنف وأسبابه كان الإعلان الدستوري الثاني (الصادر في نوفمبر 2012) هو الحدث الذي تفجرت في أعقابه موجات العنف السياسي التي سيطرت علي المشهد السياسي في مصر والتي بدأت باعتداء مجموعات من شباب جماعة الأخوان المسلمين وبعض مؤيدي الرئيس محمد مرسي علي معارضين اعتصموا أمام مقر رئاسة الجمهورية اعتراضاً علي إصدار هذا الإعلان الدستوري ــ بدعوى حماية الشرعية ــ الأمر الذي دعا قوى سياسية عديدة للنزول إلي الشارع والاشتباك مع مؤيدي الرئيس ورد العنف بعنف مضاد ذكر الجميع بما عرف بموقعة الجمل ، الأمر ذاته دفع مجموعات من الشباب لتكوين مجموعات قتالية كـ "البلاك بلوك" و"ألتراس ثورجي" والتي ظهرت بقوة في عدة محافظات منذ 25 يناير الماضي. ورغم ذلك فإننا لا نستطع بحال من الأحوال أن نرجع ظهور العنف السياسي في أعقاب قيام الجمهورية الثانية إلي استخدام عدد من مؤيدي الرئيس للعنف في مواجهة المعارضين فقط ــ رغم تأكيد العديد من الأدبيات علي أن العنف السياسي لا يبدأ إلا من السلطة ومؤيديها(4) ــ إذ توجد ثمة أسباب عديدة أدت بدورها لظهور العنف السياسي بل وتصدره المشهد السياسي في مصر ولعل أهم هذه الأسباب: • التغييرات التي طرأت علي طبيعة الشخصية المصرية والتي حدثت بفعل انتفاضة 25 يناير حيث تحولت الشخصية المصرية من الاستسلام والإذعان إلي التمرد والرفض والتمسك باستخدام كافة الوسائل في التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق(5). • إخفاق الخطاب السياسي للسلطة والذي تضمن تلويحاً متكرراً باستخدام العنف في مواجهة المعارضين ، الأمر الذي استفز الكثير من الفاعلين السياسيين لاستخدام العنف في مواجهة تهديدات السلطة. • مغالاة جماعة الأخوان المسلمون والرئيس محمد مرسي في الوعود الانتخابية قبيل انتخابه رئيساً للجمهورية بشكل لا يتناسب مع قدرات الرئيس أو الجماعة التي ينتمي إليها، حيث تسببت هذه المغالاة في ارتفاع سقف توقعات وطموحات قاعدة عريضة من الشعب وكثير من شباب الناشطين السياسيين، الأمر الذي كان له آثاراً سلبية عديدة ترتب عليها ظهور العنف السياسي، حيث شعرت الغالبية العظمى ممن انتخبوا الرئيس محمد مرسي أنهم قد تعرضوا لعملية خداع سياسي استهدفت الحصول علي أصواتهم فقط. ويضيف عبد الغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وعضو جبهة الإنقاذ أسباباً آخري تقف خلف ظهور العنف السياسي في مصر تتمثل في: • سعي الرئيس محمد مرسي وجماعة الأخوان نحو السيطرة علي الحكم والانفراد به وهو ما ظهر واضحاً في قرارات وممارسات عديدة مثل قرار إعادة مجلس الشعب الذي كانت المحكمة الدستورية قد أصدرت قراراً بحله، وكذلك حنث الرئيس باليمين الدستورية وذلك بإصداره إعلانين دستوريين أطاح في أولهما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلي رأسه المشير محمد حسين طنطاوي، وأطاح في ثانيهما بالنائب العام المستشار عبد المجيد محمود وعين بدلاً منه المستشار طلعت عبد الله وذلك، ثم حصن في نفس الإعلان الدستوري لجنة إعداد الدستور ومجلس الشورى من الطعن عليهما قضائياً، فضلاً عن تجاهله لحصار المحكمة الدستورية ومنع قضاتها من الدخول لمقر عملهم وحصار مدينة الإنتاج الإعلامي من قبل إسلاميين متشددين مؤيدين له ولسياساته، بل وإصراره علي تمرير مشروع دستور غير متوافق عليه من قبل كافة القوى والتيارات الوطنية، فضلاً عن تمهيد الأرض أمام الجماعة للسيطرة علي كافة سلطات الدولة وهو ما ظهر بوضوح في التشريعات التي تحاول الجماعة تمريرها بكافة الطرق والتي من أهمها قانون تنظيم التظاهر وقانون الانتخابات، وأخيراً وليس آخراً تعيين أهل الثقة من أعضاء جماعة الأخوان المسلمين في وظائف حساسة وحيوية وفي تجاهل تام لمعيار الكفاءة أو الخبرة(6). • تجاهل السلطة للمطالب المشروعة للنشطاء وقوى المعارضة، الأمر الذي جعل استخدام العنف أمراً حتمياً باعتباره الوجه الآخر للمشاركة السياسية بعدما فشل الوجه السلمي للمشاركة وتحقيق المطالب أمام عناد السلطة(7). سبب آخر يعتقد أحد أعضاء جماعة ألتراس زملكاوي بأنه السبب وراء تصاعد العنف في أعقاب قيام الجمهورية الثانية يتمثل في تصميم السلطة الجديدة علي استخدام نفس الأدوات القمعية التي كان يستخدمها النظام القديم، والتي تتمثل في جهاز الشرطة الذي عاد مجدداً لممارسه دوره في التصدي للمعارضين(8). مشروعية العنف في مواجهة شرعية النظام تفسر الأسباب السابقة ظهور وتنامي ظاهرة العنف السياسي، ومع ذلك يبقى السؤال عن مدى مشروعية استخدام هذا العنف في مواجهة نظام آتى إلي السلطة بطريق انتخابات حقيقية شاركت فيها القوى السياسية بل وقبلت نتائجها.. خاصة وأن كافة قوى المعارضة السياسية المنظمة أدانت وبقوة استخدام هذا العنف كآلية للتعبير عن الرأي أو كآلية لمواجهة ممارسات السلطة، وهي الإدانات التي جاءت استجابة من جانب القوى السياسية لدعوات السلطة بضرورة إدانة استخدام العنف ورفع الغطاء السياسي عنه. هنا نجد وجهتي نظر، حيث ترى وجهة النظر الأولى عدم مشروعية استخدام معارضي الرئيس للعنف تحت أي ظرف ويستند أصحاب هذا الرأي إلي أمرين: أولهما هو عدم جواز استخدام العنف كآلية سواء للتعبير عن الرأي أو المطالبة بالحقوق لتعارض ذلك مع الروح السلمية لانتفاضة يناير (وهو ما كنا قد أشرنا إلى عدم صحته على إطلاقه). وثانيهما هو عدم جواز اللجوء لاستخدام العنف في مواجهة نظام شرعي آتي بطريق الانتخابات، (وهنا يجدر الإشارة إلي أن موجات العنف التي اندلعت من قبل بعض معارضي الرئيس في أعقاب أحداث الاتحادية جاءت كرد فعل لاستخدام جماعة الأخوان المسلمين للعنف مع المعتصمين أمام القصر الجمهوري اعتراضاً علي إصدار الرئيس للإعلان الدستوري الثاني). أما وجهة النظر الثانية والتي بات يتبناها كثيرون علي رأسهم أعضاء جماعات "ألتراس ثورجي" و"البلاك بلوك" و "ألتراس أهلاوي وزملكاوي" فترى توفر المشروعية أمام استخدام العنف في مواجهة نظام الرئيس محمد مرسي، ويستند أصحاب هذا الرأي ــ كما يقول أحد أعضاء جماعة "البلاك بلوك" ــ إلي أن العنف الموجه ضد النظام الحاكم يستمد مشروعيته من كونه عنف موجه ضد نظام غير شرعي فقد شرعيته بعدما أنقلب علي الشرعية بإصداره إعلانين دستوريين، وفقد مشروعيته بعدما فشل في تحقيق أي وعد من الوعود التي كان قد أخذها علي نفسه قبل الوصول إلي السلطة. فضلاً عن استنفاذ معارضي النظام لكافة الوسائل السلمية في التعبير عن الرأي دون جدوى، الأمر الذي ولد مشاعر بفقدان الأمل والإحباط لدى قطاع كبير من الشباب، ومن ثم بات العنف هو الطريق الوحيد أمامهم للتعبير عن الرأي ومقاومة النظام خاصة بعدما لجأ هذا النظام ممثلاً في الرئيس مرسي إلي اللجوء للعنف في مواجهة معارضيه مستخدماً في ذلك مؤيديه وأنصاره وجهاز الأمن الذي لا يكف عن تأييده في مواجهة من يسميهم الخارجين عن السلمية(9). سبب آخر قد يستمد منه مستخدمي العنف مشروعية استخدامهم للعنف في مواجهة السلطة يتمثل في كون العنف جانب لصيق بالثورات، ومن ثم فإنه تعد في نظرهم أي محاولات للفصل بين مفهوم الثورة وبين القيام بعمل أو أعمال عديدة وممتدة للعنف هي محاولات عقيمة، وهو أمر يدعمه تصميم كثيرون علي إطلاق مصطلح "ثورة" علي أحداث 25 يناير مع الأخذ بتعريف بعض علماء السياسة لماهية الثورة (10). مسار العنف السياسي وتداعياته والقدرة علي حسم الصراع لا يتوقع بحال من الأحوال تراجع أو انحسار موجات العنف السياسي التي اندلعت منذ نوفمبر الماضي ولم تتوقف حتى الآن فالعكس تماماً هو الصحيح، ولعل المتابع للشأن المصري لن يجد أي عناء في إدراك هذا الأمر، فقد بات مضي العنف السياسي في مسار ينمو فيه يوماً بعد آخر أمراً طبيعياً ولذلك أسباب لعل أهمها: • فشل السلطة في إدارة هذه الأزمة، بل وإصرارها علي تجاهل مطالب قطاع كبير من معارضيها، في الوقت الذي لا يشعر فيه هؤلاء المعارضين بأي محاولة من جانب السلطة للعمل علي تحقيق أي مطلب من المطالب التي رفعها المصريون قبل عامين. • أن مستخدمي العنف السياسي في مصر الآن ينتمون للفئة المعروفة بـ "المجموعات خارج السيطرة" وهي مجموعات لا تخضع لأحد ولا تتحرك إلا وفقا لحساباتها الخاصة، هذا في الوقت الذي فقدت فيه القوى السياسية المعارضة سيطرتها علي الشارع السياسي(11). • التركيبة السكانية للمصريين، حيث يوجد نحو 24 مليون مصري تتراوح أعمارهم بين الـ 15 و29 عاماً وهو ما يطلق عليه "سن القتال" وهو سن يميل بطبيعته لاستخدام العنف، ومن ثم فإن احتمالات تحول أي تظاهرات أو فعاليات سياسية إلي مواجهات عنيفة تبقى مرتفعة في المجتمع المصري مقارنة بمجتمعات آخري تتميز تركيبتها السكانية بكونها أقل شباباً(12). • اتسام ظاهرة العنف السياسي بالديناميكية أو بالتبادلية، حيث أن إصرار كافة أطراف الصراع السياسي علي استخدام العنف في مواجهة الطرف الآخر يغذي بقاء العنف واستمراره بل وتزايده أيضاً. ولعل النقاط السابقة تؤكد وتدلل علي أن العنف يسير في مسار خطير حيث يميل للنمو لا التناقص، يتقدم ولا يتراجع، وهو أمر بالضرورة له تداعيات خطيرة لعل أهمها وأخطرها: • حدوث حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي بين الأطراف المتصارعة سياسياً وهو أمر يهدد الأمن القومي للدولة، بل ويهدد كيان الدولة بكامله، خاصة وأن حرب الشوارع الدائرة في بعض مدن الجمهورية بين بعض الشباب الغاضب من ناحية وقوات الشرطة أو شباب جماعة الأخوان المسلمين من الناحية الأخرى، وكذلك تهديدات بعض قيادات تيارات الإسلام السياسي بنزول أتباعهم إلي الشارع لمواجهة الشباب الغاضب بحجة الدفاع عن الشرعية باتت تشكل إرهاصات للاقتتال الشعبي. • عرقلة عملية التحول الديمقراطي الذي يعمل المصريون من أجله، حيث قد ينتهي العنف بتوحش السلطة وتحولها إلي سلطة مستبدة جديدة تعيد استخدام كافة الأدوات القمعية لتثبيت حكمها وقمع معارضيها. • أما السيناريو الثالث فهو تحول العنف السياسي إلي عنف مجتمعي ينبئ بثورة حقيقية لن تخلو من الاستخدام المفرط للعنف تجاه السلطة والمجتمع علي السواء، وهو ما قد يحدث في حال استمرار السلطة على عنادها وإصرارها علي تجاهل مطالب قوى المعارضة والتمسك بإتمام الانتخابات بهدف ترسيخ الحكم(13). ولعل عرض السيناريوهات الثلاث السابقة يبرز وبوضوح خطورة استمرار وتصاعد العنف السياسي والتي لا تكمن خطورته في نتائجه الكارثية علي المجتمع فحسب، بل أيضاً في عجزه عن حسم الصراع السياسي الدائر، ومن ثم فإن المجتمع المصري وفقا للسيناريوهات السابق عرضها سوف يدفع ثمناً باهظاً دون مقابل، ليبقي السيناريو الرابع والأخير المتمثل في تدخل المؤسسة العسكرية بغرض وقف العنف الدائر ومن ثم إنهاء حالة الصراع القائمة، لتدخل مصر فترة انتقالية جديدة تكون فيها المؤسسة العسكرية علي رأس السلطة(14)، وهو سيناريو بات ينتظره ــ بل ويتمناه ــ كثيرون خاصة من مناهضي تيار الإسلام السياسي.


رابط دائم: