أفريقيا وثورات الربيع العربي
2012-3-31

د. أميرة محمد عبد الحليم
* خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

كان الشمال الأفريقي ولسنوات طويلة بعيد عن الصحوات السياسية التي تنتاب دولاً كثيرة في القارة الأفريقية وخاصة منذ أن بدأت هذه الدول في التحول نحو تبنى التعددية السياسية وتداول السلطة عبر آلية الانتخابات، وعلى الرغم من أن الحالة الجزائرية في تداول السلطة قد مثلت نوعا من الخروج عن حالة العزلة القصرية للشمال الأفريقي عن اللحاق بركب التطور الديمقراطي إلا أن تطورات عملية التحول الديمقراطي في الجزائر قد أدت في كثير من مراحلها إلى نتائج كارثية ولم تقدم نموذجا لتداول السلطة بصورة سلمية . أما باقي دول الشمال الأفريقي فقد استمرت في الخضوع إلى نماذج من الديمقراطية الشكلية لا تهدف إلى تداول السلطة بقدر ما تهدف إلى تقديم صورة (وهمية ) للمانحين الغربيين عن وجود ممارسة ديمقراطية ، وان هذه الممارسة أقرت استمرار النخب الحاكمة لعقود في السلطة . ومع تفجر الانتفاضات الشعبية في ثلاث دول في الشمال الأفريقي ونجاح هذه الانتفاضات في إسقاط الأنظمة الحاكمة، تباينت ردود الفعل في الأقاليم الأفريقية الأربعة الأخرى حول ما يحدث في الشمال الأفريقي ، وما ستطرحه الثورات العربية من تأثيرات على الواقع الأفريقي ، حيث جاءت ردود الفعل على المستوى الشعبي وخاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة أكثر وضوحا وتأييدا لهذه الثورات ، في حين ظل معظم القادة الأفارقة مترددين في دعم هذه الثورات ، بل قام بعض هؤلاء القادة باستخدام إجراءات قمعية لمنع انتقال عدوى الثورات العربية إلى دولهم . كما حظت الثورة الليبية على اهتمام أفريقي كبير سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي بالمقارنة بالثورتين التونسية والمصرية . حيث وضعت ثورات الشمال الأفريقي دول القارة ومنظماتها في اختبارات حقيقية تتراوح ما بين تقييم العمل الجماعي الأفريقي المشترك ، إلى مواقف الحكام الأفارقة إزاء مطالب تداول السلطة وما يرتبط بها من مطالب تحسين مستويات المعيشة وتحقيق الاستقرار . ردود الفعل الرسمية اتسمت المواقف الرسمية الأفريقية من الثورات العربية بالارتباك الشديد سواء فيما يتعلق بالحكام الأفارقة أو الاتحاد الأفريقي ، فقد نظر معظم القادة الأفارقة لهذه الثورات باعتبارها أحد التهديدات لأنظمتهم الحاكمة والتي استمر بعضها لأكثر من عقدين من الزمن دون تغيير ، لذلك أعلن بعض القادة رفضه للتغيير الثوري وفقا للنمط المصري مثل الرئيس الأوغندي يورى موسيفنى الذي تولى السلطة في بلاده منذ عام 1986 ، وحظرت السلطات في اريتريا نشر أخبار الثورتين التونسية والمصرية في وسائل الإعلام الرسمية تفاديا لاندلاع ثورة مماثلة . في حين ذهب مسئولون في زيمبابوي إلى القول بأن الولايات المتحدة هي التي أسقطت الرئيس مبارك،إشارة لمعارضة الولايات المتحدة الشديدة لرئيس زيمبابوي روبرت موجابى الذي يحكم زيمبابوي منذ عام 1980 ، وقام النظام هناك باعتقال ما يقرب من 45 ناشطا واتهمهم بالخيانة ومحاولة قلب نظام الحكم لأنهم كانوا يشاهدون أشرطة فيديو حول الثورة المصرية ويبحثون المعاني الضمنية لهذه الأحداث، كما حذر رئيس وزراء زيمبابوي، مورجان تسفانجيراى، من أن بلاده قد تشهد احتجاجات حاشدة أيضا على غرار الثورة المصرية . أما الاتحاد الأفريقي فقد جاءت مواقفه تجاه الثورات العربية كاشفه عن مشكلات كبيرة تعانى منها المنظمة القارية أهمها سيطرة القادة المستبدين على أجهزة الاتحاد . فعلى الرغم من أن قمة الاتحاد الأفريقي السادسة عشر انعقدت في أعقاب اندلاع الثورتين التونسية والمصرية في يناير 2011 إلا أن القادة الأفارقة تجاهلوا مناقشة فعاليات الثورتين ونتائجهما مما جعل البعض يطلق على الاتحاد انه "نادي للمستبدين"، وعلى نحو مغاير أعطى قادة الاتحاد الأفريقي أهمية خاصة للثورة الليبية منذ بدايتها نظرا لخصوصية العلاقات الليبية الأفريقية من ناحية، وتطورات الثورة الليبية التي أدت إلى تدخل قوات عسكرية أجنبية في أراضى دولة أفريقية وما أثاره هذا الأمر من حساسيات بالغة لدى الأفارقة . فقد أصدر الاتحاد الأفريقي بيان بعد أسبوع من اندلاع المواجهات أدان فيه أسلوب القمع العنيف ضد المتظاهرين، واتخذ مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد قرارا في 12 مارس برفض التدخل العسكري الدولي، وتشكيل لجنة من خمسة رؤساء أفارقة للعمل مع جميع الأطراف بما فيهم ليبيا من أجل حوار شامل حول الإصلاحات المطلوبة، كما عقد الاتحاد الأفريقي قمة طارئة في أديس أبابا في 25 مارس، وتركزت أنشطة القمة السابعة عشر للاتحاد في مالابو بغينيا الاستوائية في يوليو 2011 على محاولة الوصول إلى حل للأزمة في ليبيا . وعلى الرغم من أن الدول الأفريقية الثلاثة الأعضاء في مجلس الأمن قد وافقوا على قرار مجلس الأمن رقم 1973 بفرض منطقة حظر طيران على ليبيا لحماية المدنيين، إلا أن دولا أفريقية أخرى عارضت القرار مثل زيمبابوي والسودان باعتباره يتناقض مع مبادئ وأهداف واستراتيجيات مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي كما رفضت الجارتين مصر وتونس المشاركة في التحالف الدولي . حيث بدى أن الدوائر الرسمية الأفريقية قد اعتمدت في تحديد تصوراتها عن تطورات الأوضاع في ليبيا بعد 17 فبراير على مجموعة من الاعتبارات؛ أهمها أن ليبيا القذافي تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من ترسيخ وجودها ومكانتها داخل القارة في ظل الإهمال العربي لقضايا القارة والقوة الاقتصادية التي يستند إليها القذافى، وفى الوقت الذي تخلت فيه الأنظمة العربية عن نظامه وهو يواجه الحصار السياسي في أزمة لوكربى دعمت الدول الأفريقية القذافى بعد أن استطاع استقطاب قطاعات واسعة من الجماهير الأفريقية التي انجذبت إلى مقولاته المناوئة للغرب، فانسحب القذافى من الجامعة العربية ليوجه كل ثقله إلى القارة الأفريقية . واستخدم كل موارده المتاحة سواء السلاح أو المال لتقديم الدعم للقوى الثورية في القارة فقد دعم حزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا ، وقدم الدعم لروبرت موجابى في زيمبابوي في نضاله ضد الاستعمار. كما احتفظ بعلاقات صداقة شخصية متينة مع الرؤساء والزعماء التقليديين في القارة، مكنته من التأثير على القرارات السياسية في القارة، وشاركت ليبيا في حماية بعض الأنظمة والانقلابات العسكرية، كما قامت بتسليح بعض الفصائل المتمردة. ولعب دور رئيسيا في إقامة الاتحاد الأفريقي وإقامة تجمع الساحل والصحراء واعتمد على مجموعة من المؤسسات الاستثمارية ومصرفية ومنظمات خيرية، أهمها مؤسسة القذافي التي ترأسها نجله سيف الإسلام، ومؤسسة " لافيكو " التي تضم 25 مصرفاً وشركة استثمارية موزعة على المنطقة الممتدة من العاصمة الأوغندية كمبالا شرقاً إلى العاصمة الغانية أكرا غرباً. كما ظهرت مخاوف أفريقية كبيرة من التدخل العسكري الخارجي في ليبيا وما يحمله من تداعيات قد لا تستطيع الدول الأفريقية التعامل معها وخاصة أن هذه الدول تمتلك خبرات عميقة في التعامل مع القوى الدولية وقت الأزمات، حيث تشير هذه الخبرات أن تحركات هذه القوى لا تأتى إلا عبر "المصالح" وبعيدا عن "المبادئ"، وإن تذرعت هذه القوى بالتدخل والمشاركة لأهداف إنسانية أو قيمية. وفى أعقاب مقتل القذافى انتشرت في القارة انتقادات واسعة حيث نظر الكثير من الأفارقة على أن مقتله يمثل فصل حزين آخر في رواية طويلة لتدخل القوى الغربية في الشئون الأفريقية . إلا أن قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة التي انعقدت في يناير الماضي قد تضمنت ملامح جديدة معبرة عن رياح التغيير الثوري الذي أصاب القارة الأفريقية وأطاح بثلاثة من الحكام المستبدين فيها فاختلفت فعاليات هذه القمة عن سابقتها وخاصة مع ظهور أربعة من القادة الجدد المنتخبين ديمقراطيا في كل من تونس ، وزامبيا وليبيريا ونيجيريا مما اعتبره الكثيرون تطورا تاريخيا للملف الديمقراطي في الاتحاد الأفريقي . ردود الفعل الشعبية انتقلت عدوى الانتفاضات الشعبية سريعا إلى دول كثيرة في القارة الأفريقية، حاول المواطنون في هذه الدول إسقاط أنظمتهم الحاكمة في نوع من المحاكاة لثورات الربيع العربي، فاندلعت احتجاجات استخدم فيها المتظاهرون شعارات مشابهه لشعارات الانتفاضات العربية، خاصة في تونس ومصر. فقد أضرم أحد الشبان النار في نفسه في موريتانيا، ووصلت حمي الاحتجاجات ضد الحكومة إلي شمال السودان أيضا، وتحديدا في الخرطوم، في الأبيض غربا، وفي كسلا شرقا. واندلعت احتجاجات في أوغندا في أبريل الماضي على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذاء والوقود وزيادة التضخم في الوقت الذي نجح يورى موسيفنى الذي يحكم البلاد منذ عام 1986فى الاستمرار في السلطة . وقد رفضت محكمة في زيمبابوي في مارس 2011، الإفراج بكفالة عن مستخدم لموقع "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي عبر الانترنت متهم بالتآمر علي خلفية تعليق كتبه علي صفحة رئيس الوزراء مورجان تسفانجيراي، وإعرابه عن تأييده للاحتجاجات في مصر والتي أدت إلى تنحي الرئيس السابق حسني مبارك. وشهدت مالاوي في يوليو 2011 قتل ما لا يقل عن 18 شخصاً في اشتباكات بين متظاهرين وشرطة البلاد أثناء أعمال شغب في ثلاث مدن احتجاجاً علي حكم الرئيس بنجو وا موثاريكا. كما واجه الرئيس البوركيني بليس كومباورى منذ 20 فبراير الماضي مظاهرات احتجاجية تعتبر أعنف المظاهرات علي الإطلاق منذ توليه السلطة في 15 أكتوبر عام 1987،وقد بدأت المسيرة إثر وفاة طالب تعرض لضرب وتعذيب على يد الشرطة خلال اعتقاله في مركز للشرطة المحلية بعد تقديم شكوى ضده، هذا، يبدو مثل الضحية الشاب التونسي محمد البوعزيزى. وفي الجابون فقد أعطى نجاح الشارع المصري والتونسي الأفكار للمعارضة الجابونية لإعادة تشكيل خطابها السياسي خاصة المعارض "اندريه مبا أوبامي" الذي تحدى الرئيس علي بونجو، وقد عين نفسه رئيسا لحكومة مكونة من (18) وزيرا وذلك بعد مرور (18) شهرا من الانتخابات الرئاسية. ويدّعي السيد اندريه مبا أوبامي الانتصار علي منافسه علي بونجو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر 2009 بعد وفاة الرئيس عمر بونجو. ودعت المعارضة في أنجولا إلى تجمع حاشد في ليلة 6-7 مارس 2011 في ساحة الاستقلال في العاصمة لواندا، وبقية مدن البلاد للمطالبة برحيل الرئيس خوسيه ادواردو دوس سانتوس, ووزرائه ورفاقه الفاسدين. حيث يحكم الرئيس دوس سانتوس البلاد منذ 1979. أما الدول الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة فإن تأثيرات الثورات العربية كان لديها أوضح وخاصة السنغال التي تعيش أجواء ثورة بعد سعى الرئيس عبدا لله واد البالغ من العمر 85 سنة إلى الترشح لولاية رئاسية ثالثة ، وإلقائه القبض على معارضيه . فقد خرج آلاف السنغاليين في مظاهرات حاشدة بدأت في مارس 2011 بالعاصمة داكار احتجاجا علي الأوضاع المعيشية الصعبة، ورفضا لمشروع الرئيس عبد الله واد لتغيير قانون الانتخاب ليضمن نجاحه بولاية ثالثة في الانتخابات المقبلة في شهر فبراير 2012 وتنصيب ابنه نائبا له، ومن خلال هذه القضية المحددة، تبلورت مطالب ذات سقف عال تعبر عن غضب على مرحلة بأكملها من حكم الرئيس السنغالي عبد الله واد شهدت زيادة الفساد، وإفقار مضاعف للشعب، وانقطاع متواصل غير مسبوق للكهرباء، وتوجيه التنمية لمصلحة طبقة حاكمة مصغرة تستغل السلطة، وأخيراً مشروع قانون يهدد إرثهم الديموقراطى. وسجلت المظاهرات في السنغال حضورا قويا للشباب، ومن هذه القوى مجموعة أطلقت علي نفسها اسم "كفاية" أو " سئمنا " تأسست في يناير 2011 كرد فعل على الإحباط المتراكم من انقطاع التيار الكهربائي المستمر في السنغال. وانحدرت هذه المجموعة من ضواحي داكار، تحديداً من خلال مجموعة موسيقي الراب تُدعى زكير جيز مع أغنيتها " كفاية سئمنا "، وأنشأت المجموعة موقع علي الانترنت استخدمته في حشد الشباب في يوم 19 مارس 2011، في ساحة الأوبليسك بداكار، وطرحت المجموعة هدفا جديدا هو منح صوت للشباب تحسبا لانتخابات 2012 الرئاسية. وشعارهم الجديد كان: "بطاقتي للاقتراع، صوتي". وهكذا حولت المجموعة استياءها الناتج عن انقطاع التيار الكهربائي إلي حركة تعبئة شبابية، تهاجم البطالة الجماعية، ووحشية الشرطة والفساد، ولكن قبل كل شيء، تحاول أن تجعل الناس جزءاً منها. كما تميزت مظاهرات معارضي النظام في السنغال بتبني لمحات ورموز اتسمت بها ثورتا تونس ومصر، فقد اختار مالك مؤسسة "والفجر" الإعلامية أن يطلق اسم "ميدان التحرير" علي ساحة الاستقلال وسط العاصمة داكار التي اختارها هو ورفاقه من أنصار المعارضة كمكان للتظاهر، وكانت داكار قد شهدت سلسلة من عمليات الانتحار حرقا أمام - القصر الرئاسي. واختار المتظاهرون والناشطون ساحات عامة للتمركز والتعبير عن مطالبهم، والبقاء فيها حتى تحقيق هذه المطالب. فشهدت ساحة الاستقلال مظاهرة استعداداً لما سموه "خميس الغضب". وناشد المتظاهرون الجيش بتحمل مسئولياته خلال الثورة كما حدث في مصر فحمل أفراد "الحركة الشبابية من أجل الديمقراطية والاشتراكية" يافطات خلال المظاهرات كُتب عليها "الجيش مع الشعب". والأهم من ذلك كله، هو الإرادة الجماعية الجديدة، بالأخص الشبابية، للتغيير بأيديهم. وهي إرادة جديدة لأنها المرة الأولي في تاريخ السنغال الحديث التي تشهد فيها العاصمة احتجاجات عارمة كالتي وقعت، ففي 15 أبريل 2011، انطلقت حملة وطنية شبابية تحت اسم "داس فانال" (التي تعني "لحماية أنفسنا")، تهدف إلي تشجيع الشباب علي التصويت دون أي تعهد بالولاء لحزب معين، وتشمل أيضاً هذه الإرادة تحديد مطالب واضحة. فمن البدء كانت شعاراتهم ذات سقف عالٍ، علي مثال زواد، ارحل وكفاية سئمنا ولا للمساس بالدستور وسيكون لدينا بنغازي الخاصة بنا وغيرها. كما خرج ثلاثون ألف من جيبوتي في يوم الجمعة 18 فبراير 2011، احتجاجا علي حكم الرئيس عمر جيلة الذي ألغي عام 2010، فقرة دستورية تسمح له بالحكم لولايتين، ليسمح له بالترشح للمرة الثالثة للانتخابات المزمع إجراؤها في أبريل 2012. محددات المواقف الأفريقية لقد عبرت المواقف الأفريقية المختلفة من الثورات العربية عن وجود مجموعة من الاعتبارات التي استندت إليها هذه المواقف، فمن ناحية مرت دول القارة الأفريقية خلال العقدين الماضيين بتجربة مريرة لتغيير الأنظمة الحاكمة حيث صاحبت هذه التجربة موجات من الفوضى وعدم الاستقرار التي انتشرت في دول كثيرة من القارة مخلفة ورائها ظواهر أمنية وسياسية وإنسانية بالغة الخطورة ، ومن ثم اتسمت محاولات الفهم الأفريقي لطبيعة الثورات العربية بالبطء الشديد . ومن ناحية أخرى فإن المبادئ الجماعية الحاكمة لدول القارة ترفض التغيرات غير الدستورية ، ولا تعترف دولها بالحكومات التي تأتى عبر تغيرات غير دستورية فقد تضمن ميثاق الاتحاد الأفريقي مبدأين هامين هما: عدم الاعتراف بالنظم التي تأتي عبر انقلابات عسكرية، وحق التدخل في أية دولة عضو في الاتحاد إذا نشأ موقف خطير فيها، مثل الاضطرابات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومن ناحية ثالثة يسيطر علي الاتحاد الإفريقي نخبة من الزعماء الذين ظلوا لأكثر من عقدين في حكم دولهم، مثل مليس زيناوى رئيس إثيوبيا الذي تولي السلطة عام 1991 ويوري موسيفيني رئيس أوغندا منذ عام 1986، والرئيس ثيودورو مباسوغو في غينيا الاستوائية الذي يمسك بزمام السلطة منذ انقلابه العسكري عام 1979. كما تشمل قائمة أقدم الحكام في أفريقيا الرئيس بول بيا في الكاميرون الذي يحكم البلاد منذ عام 1982، وملك سوازيلاند مسواتى الذي تولي السلطة عام 1987. هذا بالإضافة إلى المخاوف الأفريقية من تداعيات الربيع العربي على الواقع الأفريقي وخاصة فيما يتعلق بالمساعدات الدولية حيث يخشى الأفارقة من احتمالات أن يتبع الربيع العربي شتاء أفريقي بتحول المساعدات الدولية في اتجاه الدول التي مرت بتجربة الانتفاضات والثورات مؤخرا بدلا من تقديمها للدول الفقيرة في أفريقيا . وقد شهدت قمة مجموعة الثماني G8 التي عقدت في مايو 2011، تقديم هذه المجموعة لمساعدات ضخمة للدول التي تشهد تغيرات ديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الوقت الذي عكست هذه القمة كشف حساب سلبي لأداء المجموعة في مجال الوفاء بتعهداتها للدول الأفريقية جنوب الصحراء، حيث أشارت الأرقام إلي وجود فجوة تقدر بنحو 19 مليار دولار. وبرغم هذه المحددات التي قد تعيق انسياب الثورات الشعبية في الدول الأفريقية إلا أن فرص اندلاع هذه الثورات أصبح أكبر بكثير نظرا للأوضاع المعيشية والإنسانية التي تعانى منها قطاعات واسعة من الشعوب في القارة ، ومن ثم فإن احتمالات الثورة على النظم الحاكمة أكبر في هذه الدول عنها في دول الشمال الأفريقي ، وعدوى الثورات لا يمكن إيقافها في ظل الفساد المنتشر بين النخب الحاكمة التي تسلك طرقا مختلفة للاستمرار في السلطة سواء بإجراء تعديلات دستورية أو تزوير الانتخابات أو القضاء على المعارضين وجماعتهم الإثنية، في ظل وجود أكثر من حالة لتوريث الحكم خلال السنوات الأخيرة كان من أشهرها الكونغو الديمقراطية والجابون وتوجو، وإغداق النخب الحاكمة للأموال علي أفراد المؤسسات العسكرية لنيل دعمها في مواجهة مطالب التغيير. في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الدولية تسير وفق ما تتطلع إليه الجماهير الثائرة لأنها تعلم جيدا أن هؤلاء هم من سيخرج من بينهم قادة هذه الدول. إلا أن نجاح الثورات في إسقاط الأنظمة المستبدة في أفريقيا يعتمد على الإرادة الشعبية التي لا تزال تواجهها العديد من العقبات أهمها علو الو لاءات ما دون الوطنية على الولاء الوطني وما يتبع ذلك من كثرة خطوط الانقسام داخل المجتمعات الأفريقية، فقد شهدت القارة الأفريقية إجراء أكثر من 20 عملية انتخابية في عام الثورات العربية عام 2011 ، وعلى الرغم من التغييرات الهائلة التي أحدثتها الشعوب في دول الثورات إلا أن دولا قليلة جدا في أفريقيا تمكنت من تغيير النخب الحاكمة مثل تونس وليبيريا وزامبيا ونيجيريا، في حين لم تمر العملية الانتخابية في عدد آخر من الدول الأفريقية إلا على جثث القتلى والمصابين نتيجة رفض النخب الحاكمة ترك السلطة كحالة الرئيس لوران باجبو في ساحل العاج . وينتظر الجميع فعاليات الانتخابات في السنغال التي ستعقد خلال شهر فبراير 2012 وما ستطرحه من إمكانية الإطاحة بالرئيس عبد الله واد. دروس من الثورات العربية لقد قدمت ثورات الربيع العربي وخاصة الشمال الأفريقي دروسا مهمة لشعوب أفريقيا فعلمتها كيف تتخطى الانقسامات الإثنية والطائفية التي مزقتها لسنوات وسمحت لقوى الاستبداد الداخلية والخارجية بالسيطرة على موارد القارة والتحكم في مصائر أبنائها . وقد نقلت هذه التحركات أو ما أطلق عليه الموجه الرابعة للديمقراطية للحكام الأفارقة رسالة مفادها أن عصر الاستئثار بالسلطة مدى الحياة قد انتهى وان الشرعية الشعبية أصبحت بديل لكل الشرعيات الواهية التي استندت إليها النخب الحاكمة في أفريقيا خلال تاريخ هذه القارة منذ حصول دولها على الاستقلال خلال عقد الستينيات. كما فرضت هذه الثورات مراجعة للتجاوزات السياسية لنظم الحكم في أفريقيا، حيث اعتمدت هذه النظم في ترسيخ سيطرتها على السلطة بالربط بين المنصب السياسي العام وتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع وهى الظاهرة التي أطلق عليها (جان فرانسوا بيار) سياسة ملء البطون The Politics of The Belly والتي أدت إلى تحول النخب الحاكمة إلى فئة اجتماعية متمايزة في سياق الانقسامات المجتمعية . وقدمت الثورات العربية تقييم للعمل الأفريقي المشترك ودوره في تحقيق الاستقرار في القارة من خلال الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الفرعية الأخرى، حيث عبرت هذه الثورات عن ضرورة تطوير أجهزة الاتحاد الأفريقي للقضاء على البيروقراطية و الاستجابة البطيئة للأحداث في القارة الأفريقية ومحاولة بناء سياسة خارجية محكمة لهذه المنظمة. كما تفرض هذه الثورات على كافة القوى الدولية المرتبطة بالقارة وفي مقدمتها شركاء التنمية ومنظمات العون الخارجي كالأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مراجعة سياساتها في القارة ، وقد يؤدى هذا الأمر إلى طرح مناهج جديدة للتعاون بين الجانبين تقوم على الحفاظ على حقوق ومصالح الشعوب الأفريقية .


رابط دائم: