رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك يزور مؤسسة الأهرام، ويجري حوارا مع قيادات المؤسسة وخبراء مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
2021-3-23

استضاف مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، في 11 مارس الجاري 2021، رئيس وزراء السودان حوارا مهما مع د. عبدالله حمدوك، رئيس الحكومة السودانية، وعدد من الوزراء السودانيين. حضر اللقاء، بالإضافة إلى خبراء المركز، كل من الأستاذ عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، والأستاذ علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام اليومي، والأستاذ/ عزت إبراهيم رئيس تحرير الأهرام ويكلي، والأستاذة نيفين كامل، رئيس تحرير الأهرام إبدو.

بدأ اللقاء بكلمة ترحيب من الأستاذ عبدالمحسن سلامة، حيث أكد أن تاريخ البلدين يزيد من قدرة الشعبين على إقامة علاقات مستقبلية راسخة ومتينة، وقائمة على المصالح المشتركة، ويدعم من ذلك عواطفنا العميقة، وعلاقات النسب والمصاهرة والاندماج بين شعبي مصر والسودان، مشيرا إلى أن البلدين في أمس الحاجة إلى التنسيق المستمر ووحدة المواقف، وهو ما يتطلب بلورة فكر جديد والعمل بشكل مختلف.

وسلط سلامة الضوء على الجهود الحثيثة والصادقة لأبناء السودان لبناء دولة جديدة وقوية تستجيب لحالة التنوع السوداني الثرية، تسهم في بناء الاستقرار الإقليمي، وبناء جسور التفاهم والتسامح في القارة الإفريقية. وأضاف سلامة أن مؤسسة الأهرام ومركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية استضافا في فترات مختلفة الحوارات الوطنية مع الرموز السودانية، الرسمية وغير الرسمية، ومن كل ألوان الطيف السياسي. وتمنى سلامة للحكومة والشعب السوداني التوفيق في عملية بناء سلام مستدام ونجاح النهضة الاقتصادية.

وأوضح الأستاذ/ علاء ثابت أن العلاقات المصرية- السودانية عادت إلى مسارها الصحيح، وهو ما عكسته الزيارات المتتالية المتبادلة بين قيادات البلدين، مشيرا إلى أن حرص رئيس الوزراء على زيارة الأهرام يعكس العلاقات المتينة والضاربة بجذورها في التاريخ بين الشعبين المصري والسوداني. وأضاف أن وحدة مصر والسودان راسخة في وجدان الشعبين، وتستعصى على محاولات الهدم، فما تجمعه الجغرافيا والتاريخ لا يفرقه شيء.

كما وجه ثابت الشكر لرئيس الوزراء السوداني على حفاوة الاستقبال في العاصمة الخرطوم وتقدير الأهرام بإجراء حوار شامل رغم ما كان يواجه البلاد من مشكلات وتحديات، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للتعرف على المشهد السوداني عن قرب، والتطورات التي لحقت ببعض القضايا، وهو ما جرى قبل عام، مؤكدا ضرورة أن يكون هذا اللقاء مقدمة لمزيد من الحوارات.

عقب كلمات الترحيب بدأت أعمال ورشة العمل التي أدارها د. محمد فايز فرحات، مدير المركز.

انتقال معقد

أشار حمدوك إلى أن السودان شهد في نهاية عام 2018 والثلث الأول من عام 2019 تغيرا عميقا ونوعيا، ساهمت فيه كل طوائف وقطاعات الشعب السوداني، ومن مناطقه الجغرافية المختلفة. لكن هذا الانتقال لازال يتضمن تعقيدات كثيرة جدا، إذا ما قورن بما حدث في أكتوبر 1964 وأبريل 1985. وأشار أن ما تشهده السودان مؤخرا هو عدة انتقالات تجري في وقت واحد: انتقال من الحرب إلى السلام بدعم مصري مهم، ومن الشمولية إلى الديمقراطية، ومن حالة التشظي والاحتراب الإثني والإقليمي والقبلي إلى حالة الوطن الواحد الذي يستوعب كل السودانيين، والانتقال من حالة اقتصاد منهار وأزمات معيشية متفاقمة إلى محاولة بناء اقتصاد الرخاء الذي يساعد على رفع المعاناة عن المواطنين.

أولويات خمس للحكومة السودانية

أشار حمدوك إلى الحكومة السودانية الحالية هي حكومة ذات تمثيل عريض، وتأتي كنتيجة لاستحقاقات سلام جوبا الموقع في أكتوبر 2020، وأن هذه الحكومة وضعت خمس أولويات أساسية، هي: الأولوية الأولى، هي معالجة الوضع الاقتصادي المتدهور. الأولوية الثانية هي استكمال عملية بناء السلام، حيث تم انجاز سلام المرحلة الأولى في أكتوبر 2020، ويتبقى سلام المرحلة الثانية مع باقي الفصائل التي لازالت خارج عملية السلام. الأولوية الثالثة، هي إصلاح الأجهزة الأمنية. الأولوية الرابعة هي إقامة علاقات خارجية متوازنة تخاطب مصلحة السودان، وبهدف إقامة سودان متصالح مع نفسه ومع جيرانه، وتضمن تحول السودان إلى قوة سلام في المنطقة. الأولوية الأخيرة هي معالجة قضايا الانتقال المعقدة، واستكمال هياكل الانتقال من المجلس التشريعي الانتقالي، وبناء وإقامة المفوضيات، وتحضير السودان للوفاء باستحقاقات المرحلة الانتقالية، وانتهاء بإجراء الانتخابات للسماح للشعب السوداني باختيار الحر لمن يمثله. وأشار حمدوك هنا إلى أن رؤية الحكومة الحالية للمرحلة الانتقالية تقوم على السير على محورين، هما التنمية والسياسة جنبا إلى جنب، وذلك بعدما تم إهمال المحور التنموي لعقود طويلة لمصلحة المحور السياسي فقط، وهو ما أوصل السودان إلى ما هو عليه الآن.

وأوضح حمدوك أن تلك الأولويات قصيرة الأمد بُنيت على أساس رؤى استراتيجية بعيدة الأمد أطلق عليها "أحزمة التنمية"، والتي حددها في خمسة أحزمة، تبدأ بما اسماه "حزام التمازج" ويشمل دولة جنوب السودان، وذلك بعيدا عما كان يُطلق عليه في الماضي حزام "التماس" الذي رأى أنه كان يحمل تعبيرا سلبيا في العلاقة مع دولة الجنوب. وأشار حمدوك إلى أن هذا الحزام يسعى إلى تعزيز التنمية المشتركة مع دولة جنوب السودان من خلال استغلال الثروات المعدنية والزراعية الهائلة، بهدف تأسيس علاقة استراتيجية تقوم على الندية مع دولة جنوب السودان واحترام إرادة الأشقاء في الجنوب. الحزام الثاني هو حزام "الصمغ العربي"، ثم حزام" الأنهار"، وأخيرا حزام شرق السودان عبر البحر الأحمر.

وأوضح أن الفترة الانتقالية الحالية هي أول عملية انتقالية في السودان تعالج قضايا السلام والحرب. وفي رد على سؤال حول ما إذا كان سيتم تمديد الفترة الانتقالية، قال: إن طول عمر الفترة الانتقالية قد  يعرض العملية الانتقالية نفسها لمشكلات، لكنه استدرك: إذا استطعنا خلال 39 شهرا من عمر الفترة الانتقالية تحقيق السلام سيكون ذلك إنجاز كبير، لأن السلام نفسه يساعد في تحصين الانتقال.

العلاقات المصرية - السودانية

تحت هذا العنوان أكد حمدوك على ضرورة خروج العلاقات المصرية- السودانية من خطاب علاقات الأخوة التاريخية للتركيز على بناء مصالح جديدة وشراكات حقيقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيرا إلى أنه إذ استطعنا بناء توافق حول هذه القضايا يمكن أن تتحول مصر والسودان إلى "منارة" في العالم العربي والأفريقي، وهو ما يتطلب رؤية جديدة تخاطب كل هذه القضايا. وأشار حمدوك في هذا السياق إلى عدد من القضايا:

1- القضايا العربية الأفريقية، أشار حمدوك إلى أنه جزء من جيل تفتحت عيناه على الدور الرائد لمصر في دعم حركات التحرر الأفريقي، لكن هذا الدور تراجع خلال الفترة الأخيرة، وأكد على ضرورة إعادة دور مصر في هذه الساحة من خلال دور جديد لها يتعامل مع التحديات الجديدة، خاصة في مجالات المعرفة والتكنولوجيا، وهذا ممكن وهناك بوادر مهمة لهذا الدور.

2- معالجة "المسكوت عنه" في العلاقات المصرية - السودانية، أشار حمدوك تحت هذا العنوان إلى عدد من الأمثلة، منها:

- الصور النمطية المتبادلة، حيث أشار إلى أن إحدى إشكاليات العلاقات المصرية- السودانية تتعلق بالصور الذهنية والمدركات السلبية المتبادلة، وهو ما يتطلب مسار جديد في العلاقات يتعامل مع تلك الإشكالية بشفافية وصراحة، خاصة في ظل معلومات مغلوطة متبادلة بين الجانبين. وأشار إلى أن المشتركات التي تجمع مصر والسودان والشعبين أكثر بكثير مما تفرقهما.

- تصور كل طرف للتاريخ، حيث أشار إلى المصريين لديهم تصور لهذا التاريخ، والسودانيين لديهم تصور أيضا له، ولابد من بدء نقاش حول هذه المسألة.

وطُرحت في هذا السياق عدد من الأفكار لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، أهمها ما يلي:

- استغلال الأجواء الراهنة لخلق فرص جديدة في العلاقات بين البلدين، وأشار حمدوك إلى نموذج وباء كوفيد-19 الذي أسهم في تهيئة مناخ جديد لتعزيز التعاون المصري- السوداني- السعودي في مجال الأمن الغذائي على نحو يعزز التكامل العربي- العربي والتكامل العربي- الإفريقي كخيار بديل للاستيراد من دول مثل نيوزيلاندا وأستراليا والبرازيل.

- تجديد الدور المصري في القارة الإفريقية ككل وليس في السودان فقط، لأن السياق الحالي مغاير لما قامت به مصر بدور في دعم واحتواء حركات التحرر الوطني في افريقيا، لاسيما أن مصر تقدم حاليا نموذجا تنمويا مهما يمكن الاستعانة به وبأدوار للقطاع الخاص المصري في السودان.

- فتح مسار ثان في العلاقات المصرية- السودانية، أو تدشين مجلس أو حوار استراتيجي مشترك، تقوده النخبة من باحثين وصحفيين وإعلاميين، تدفع في اتجاه تطوير محاور تلك العلاقات في مجالات مختلفة وقضايا متنوعة من ناحية، وتجسير مشكلة "سوء الإدراك" من ناحية ثانية، على نحو يعزز بناء علاقات مستدامة ومتوازنة بين الجانبين.

- التركيز على قطاعات مثل الطاقة والزراعة والنقل كرافعة للمشروعات المشتركة بين البلدين، مثل مشروع الربط الكهربائي والسكك الحديدية.


 


 


 


 



رابط دائم: