إسرائيل: انتخابات رابعة وخوف من احتمالات انتخابات خامسة
2021-3-15

سعيد عكاشة
* خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في 24 ديسمبر 2018 تم تفكيك التحالف اليميني الذي كان يقوده بنيامين ناتانياهو زعيم الليكود ورئيس الحكومة لمدة تسعة سنوات متتالية. ومنذ هذا التاريخ لم تنعم إسرائيل بحكومة مستقرة، حيث اضطرت لإجراء ثلاثة جولات انتخابية أسفرت آخرها (مارس 2020) عن ائتلاف هش تم تشكيله بين الليكود وحزب كاحول لافن بزعامة بيني جانتس في أبريل من العام نفسه، ولم يصمد هذا الائتلاف سوى ثمانية أشهر (تم فضه وحل الكنيست في ديسمبر 2020)، وتدخل إسرائيل في الأسبوع القادم إلى الانتخابات العامة الرابعة وهى تتوجس من احتمال أن تبقى الأزمة على حالها لتقود إلى جولة انتخابية خامسة في خلال عامين ونصف فقط.

أزمة فريدة

لا يمكن تفادي وصف الوضع الذي تعيشه إسرائيل في العامين الأخيرين بأنه أزمة فريدة من نوعها. ففي العالم كله تسقط الحكومات عندما تفشل في تحقيق توقعات المواطنين الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية، ولكن في إسرائيل يريدون إسقاط شخص واحد تمتعت إسرائيل خلال تسعة سنوات متتالية من توليه رئاسة الحكومة بأوضاع اقتصادية وأمنية هى الأفضل منذ أربعين عاماً!!. والسبب يكمن في خوف قطاع مهم من الإسرائيليين من أن تتحول بلادهم من دولة ديمقراطية تعرف معنى أهمية مبدأ تداول السلطة، إلى نظام حكم سلطوي Authoritarian، حيث توجد حكومة تتميز بدرجة عالية من الكفاءة والقوة ولكن في ظل غياب  للإجراءات المتعلقة بالموافقة الشعبية أو حماية حقوق الأفراد.

ويساند هذه المخاوف من جانب أحزاب المعارضة، حتى تلك المحسوبة على جبهة اليمين، أن ناتانياهو يواجه اتهامات وصلت إلى المحاكم بارتكاب جرائم رشوة وسوء استغلال النفوذ، دون أن تؤثر على قدرته في الاستمرار في منصبه!!

الخوف على الديمقراطية ربما يحرك قطاعاً من الرأى العام الإسرائيلي ويفسر تركز الانتخابات الثلاثة الماضية حول هدف واحد وهو الإطاحة بناتانياهو، ولكنه يبقى غير كافٍ لشرح أسباب الوضع الحالى برمته. فالأزمة التي تمر بها جبهة اليمين منذ نحو عامين تفسر بشكل أكبر عجز ناتانياهو عن تشكيل ائتلاف حكومي مستقر، فهذه الجبهة التي كانت تتشكل من حزب الليكود، والأحزاب الحريدية (شاس، يهودة هتوراه) وحزب إسرائيل بيتينو، وحزب يمينا، تعاني من انقسامات حادة أدت إلى خروج شبه نهائي لحزب إسرائيل بيتينو بزعامة أفيغدور ليبرمان منها، وإلى انقسام خطير في الليكود نفسه بعد انشقاق جدعون ساعر (الرجل الثاني في الليكود بعد ناتانياهو) وتشكيله لحزب جديد باسم تكفاه حداشاه (أمل جديد)، وظهور أحزاب يمينية صغيرة أكثر تشدداً تسعى لخوض الانتخابات منفردة، رغم أنها قد لا تتمكن من تجاوز نسبة الحسم، وبالتالى فهي تخصم من أصوات جبهة اليمين دون أن تتمكن من الحصول على أية مقاعد في الكنيست، مثلما حدث لحزب البيت اليهودي بزعامة رافي بيرتس في الانتخابات السابقة.

وقد أسفر تفكك جبهة اليمين تلك عن عجز ناتانياهو عن تأمين 61 نائباً في الكنيست كانت ستمكنه من تشكيل الائتلاف في الانتخابات الثلاثة الماضية. وعلى الجانب الآخر كان ظهور بيني جانتس على الساحة السياسية في العام الماضي وعقده تحالفاً مع حزب يش عتيد بزعامة يائير لبيد تحت مسمى تحالف كاحول لافن سبباً في تقوية جبهة أحزاب الوسط التي أصبحت المنافس الأكبر لناتانياهو وتمكنت خلال الانتخابات الثلاثة الماضية من أن تشكل تكتلاً منع ناتانياهو أيضاً من الحصول على شركاء- يعوضونه عن فقد بعض أحزاب اليمين- لتشكيل حكومة مستقرة، وحتى عندما نجح ناتانياهو في إقناع جانتس بالمشاركة في ائتلاف في أبريل من العام الماضي، سرعان ما تعرض هذا الائتلاف للانهيار في ديسمبر من العام نفسه، لتجد إسرائيل نفسها في مواجهة انتخابات رابعة.

توازنات هشة

في الانتخابات الرابعة تلك، يخوض 39 حزباً وقائمة انتخابية السباق، الذي تبين استطلاعات الرأى التي أجريت خلال الشهرين الماضيين أنه سيأتي بنتائج مشابهة لما حدث في الانتخابات الثلاثة الماضية، فالليكود يحصل في كل هذه الاستطلاعات على المركز الأول بقوة تتراوح بين 27 إلى 29 مقعداً، وتجمع أغلب هذه الاستطلاعات على أن حزب يش عتيد سيحل في المرتبة الثانية، فيما ستبقى قوة الأحزاب الحريدية على حالها، ولتسهيل حساب التوقعات سنتخذ من آخر هذه الاستطلاعات، والذي أجرى في 12 مارس الحالي، مؤشراً مبدئياً على النتائج المتوقعة في الانتخابات. فقد جاءت النتائج في هذا الاستطلاع على النحو التالي:  الليكود 29 مقعداً، يش عتيد 19، يمينا 12، تكفاه حدشاه 11، القائمة العربية المشتركة 8، شاس 8، يهدوت هتوراة 7، يسرائيل بيتنو 7، العمل 6، كحول لفان 5، ميرتس 4، الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش (حزب منشق عن حزب يمينا) 4، راعم (تكتل من أحزاب عربية) 4 مقاعد.

يوضح هذا الاستطلاع أن جبهة أحزاب اليمين بقيادة ناتانياهو (الليكود، يمينا، شاس، يهودة هتوراه، الصهيونية الدينية) يمكن أن تحصد 60 مقعداً، وهو عدد لا يكفي لتشكيل الائتلاف الذي يحتاج إلى 61 مقعداً على الأقل، وحتى لو أمكن لناتانياهو جذب بعض النواب من أحزاب يمينية أخرى ولكنها معادية له بشكل شخصي، مثل تكفاه حدشاه أو يسرائيل بيتينو، فإن الائتلاف سيكون معتمداً على أغلبية هشة بمقعد أو مقعدين على أقصى تقدير، ويمكن أن يتعرض للسقوط إذا ما حدثت أزمة على خلفية السياسات الاقتصادية - الاجتماعية أو بسبب الأجندة الأمنية. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن استطلاعات الرأى في إسرائيل تفشل منذ سنوات في التنبؤ الدقيق بخريطة توزيع مقاعد الكنيست، فيمكن ألا يحصل تكتل اليمين الموالى لناتانياهو على الـ60 مقعداً التي يشير إليها الاستطلاع السابق، وبالتالي قد يفقد هذا التكتل مقعداً أو مقعدين ليكرس الفشل نفسه الذي واجهته إسرائيل في الانتخابات الثلاثة الماضية، خاصة أن الأحزاب العربية التي لا تقبل الأحزاب الصهيونية سواء من اليمين أو اليسار أو الوسط، إشراكها في الائتلاف الحاكم، تمنع عملياً المعسكر المعادي لناتانياهو من تشكيل ائتلاف تحت أى شرط من الشروط.

تحول مفاجئ

وهكذا لن يكون هناك أفق سوى لانتخابات خامسة، أو أن يحدث تحول مفاجئ في موقف حزب إسرائيل بيتينو الذي كان في جبهة اليمين وخرج منها عام 2018. ورغم أن أفيغدور ليبرمان زعيم هذا الحزب اليميني المتشدد في علمانيته، كان قد أعلن مراراً رفضه العودة لمعسكر ناتانياهو الذي يضم ألد خصومه من الأحزاب الدينية (حزبى شاس ويهودة هتوراه)، إلا أنه صرح مؤخراً بضرورة تفادي الذهاب إلى انتخابات خامسة، ودعا إلى منح تشكيل الائتلاف بعد الانتخابات الرابعة للتكتل الذي يملك فرصة حقيقية في تشكيل الحكومة. ويعني هذا التصريح أن ليبرمان، الذي لا يرغب في رؤية ائتلاف يقوده حزب يش عتيد ومعه حزب تكفاه حدشاه وتشارك فيه أحزاب يسارية مثل ميريتس والعمل ومدعوم من الخارج بنواب الأحزاب العربية، ربما يكون مستعداً للعودة إلى تكتل اليمين برئاسة ناتانياهو، ولكن ذلك سيكون مفاجأة وخطوة غير محسوبة من جانبه، خاصة وهو يرى المصير الذي لحق بزعيم حزب كاحول لافن بيني جانتس الذي تسببت مشاركته في ائتلاف حاكم مع ناتانياهو خلال العام الماضي في إفقاده المصداقية أمام ناخبيه بعد أن كان قد وعدهم بألا يقبل بأى مشاركة مع ناتانياهو، وبسبب مناقضته لتعهداته تلك أصبح حزبه مهدداً بعدم تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة أو الحصول على ما بين 4 أو 5 مقاعد فقط بعد أن كان يمتلك 14 نائباً في الكنيست الأخير.

وبعيدا عن رهن إمكانية تفادي إسرائيل لانتخابات خامسة بتحول مفاجئ وغير مؤكد في موقف حزب إسرائيل بيتينو وزعيمه ليبرمان، فإن عوامل أخرى قد تلعب دوراً في حدوث مفاجأة من نوع آخر، وهى أن يحطم ناتانياهو توقعات مراكز الاستطلاع ويحصد عدداً كبيراً من المقاعد لصالح حزبه الليكود، ويتمكن من تشكيل الحكومة من أحزاب اليمين الموالية له ومن دون الحاجة إلى عودة ليبرمان إلى جبهته.

وهذا الاحتمال لو حدث سيكون وراءه ليس فقط عدم رغبة الناخب الإسرائيلي في الذهاب إلى انتخابات خامسة، بل الأهم أن أغلب الناخبين الإسرائيليين يعربون في استطلاعات الرأى عن ثقتهم في ناتانياهو كرئيس لأى حكومة مقبلة، في ظل خوفهم من وقوع مواجهة عسكرية مع إيران على خلفية سعى الأخيرة لامتلاك السلاح النووي وتهديدها باستخدامه ضد إسرائيل. ويعتقد الناخب الإسرائيلي أن ناتانياهو هو الزعيم الوحيد القادر علي إدارة أى أزمة أمنية قد تقع مستقبلاً بسبب أى مواجهة عسكرية محتملة مع إيران أو أى خصوم آخرين، فيما يصعب تصور أن يكون أى رئيس آخر للوزراء لديه نفس الثقة بالذات وكل الخبرات لإدارة مثل هذه الأزمات. وما يمنح هذا التصور مصداقية، أن أكبر مواجهة عسكرية رتبت خسائر جسيمة لإسرائيل وقعت في عام 2006 مع حزب الله في ظل رئاسة ايهود أولمرت الذي خلف ارئيل شارون (بعد إصابته بسكته دماغية) ولم يكن (أى أولمرت) يمتلك لا خبرات شارون ولا ثقة الجمهور به، فجاء أداءه ضعيفاً ومرتبكاً في معركة رآها الشعب الإسرائيلي مواجهة غير مباشرة مع إيران.

ختاماً، تدخل إسرائيل الانتخابات العامة بعد أيام قليلة وكل الاحتمالات واردة، ولكن سيظل ناتانياهو هو الرقم الصعب سواء عاد بائتلاف يميني متماسك، أو استمر في قيادة حكومة انتقالية تتولى إدارة انتخابات خامسة، أو حتى اضطر تحت اتهامات الفساد والمحاكمة إلى الخروج من الحلبة السياسية خلال هذا العام، فإسرائيل بدون ناتانياهو تواجه مخاوف من أن تكون الديمقراطية والشفافية القانونية سبباً في تعرضها لخطر أمني وسياسي جسيم.


رابط دائم: