الدبلوماسية البيئية: دراسة في نشأة المفهوم وتطوره حتى كوفيد - 19
2021-1-5

انعكست التغيرات في النظام الدولي وزيادة التفاعل بين وحداته على قضايا الدبلوماسية، فلم تعد الدبلوماسية تقتصر على إيفاد المبعوثين لتعزيز العلاقات أو إدارة الخلافات. ولم تعد تلك القضايا تقتصر على حماية المصالح السياسية، بل ظهرت قضايا مهمة أخرى مثل حماية المصالح الاقتصادية، ودرء التهديدات الاجتماعية ذات الأبعاد الأمنية مثل قضية الهجرة غير النظامية، وفرضت قضايا أخرى نفسها بقوة على أجندة السياسة الدولية لطبيعتها العابرة للحدود وهي المشكلات البيئية المرتبطة بالتدهور البيئي حول العالم.

وعندما وجد ممثلو الدول والحكومات ضرورة للجلوس والتفاوض بشأن أساليب التخفيف والتكيف نشأت الدبلوماسية البيئية. ولقد طورت الدبلوماسية البيئية منهج التعاون الدولي، فتطور القانون الدولي ووجدنا اتفاقيات دولية لها صفة «الإلزامية» (والشمول)، وقد حدث ذلك فقط في اتفاقية بيئية، وتحديدا اتفاقية باريس للمناخ 2015، حيث تلتزم (جميع) أطرافها بتقديم خططها الوطنية بشأن حجم الانبعاثات دوريا، وهنا تطور مفهوم الدبلوماسية البيئية إلى دبلوماسية المناخ.

تؤثر الدبلوماسية البيئية وقضاياها على السياسات الداخلية كما تؤثر على الخارجية، فلم تخل منافسات الانتخابات الأمريكية عام 2020 من «دعايا بيئية»، فبمقارنة رؤى وتوجهات المرشحين الديمقراطي والجمهوري، بايدن وترامب، سيظهر حجم الخلاف بشأن القضايا البيئية فعلى حين روج بايدن لفكرة تحويل بلاده لدولة تعتمد كليا على توليد الطاقة من مصادر نظيفة خلال ثلاثين عاما، استند ترامب على تشجيعه التوسع فى عمليات التنقيب في ألاسكا وغيرها من الأراضي الأمريكية. وبالتأكيد سيؤثر تنفيذ تلك التوجهات على السياسة الخارجية الأمريكية ثم الدبلوماسية البيئية عالميا.

ولا تعد مصر استثناء فيما يتعلق بأهمية الدبلوماسية البيئية، فالعديد من القضايا المحورية للسياسة الخارجية المصرية تشتمل على بعد بيئي مهم، والارتكاز عليه يمكن أن يعين صانع القرار على تعظيم مكاسب الدولة المصرية، فمشروع سد النهضة في إثيوبيا يحمل تنفيذه -أو الفشل في تنفيذه- آثارا بيئية ضخمة على النظام البيئي الإثيوبي ثم الإفريقي، بما يؤثر على حقوق الأجيال ويمس «الاستدامة» التي اتفق المجتمع الدولي على حمايتها في أجندته المعتمدة عام 2015.

ويضاف لمشكلة سد النهضة مشكلة الألغام المزروعة بالصحراء الغربية، ولها أيضا بعد بيئي واضح على ضوء الخسائر البشرية والطبيعية نتيجة انفجاراتها المستمرة وكذلك «تعطيلها» لحق مصر في البناء والتنمية في الصحراء الغربية، يضاف إلى ذلك الملف النووي الإيراني، وغيرها من القضايا التي تحمل بعدا بيئيا لا يمكن إغفاله في أثناء تناول مصر تلك القضايا دوليا، بل يمكن تدويلها على أنها «جريمة بيئية» يمكن لصانع القرار الدفاع عن حقوق الدولة المصرية من خلال ملاحقتها.

ولقد جاءت أزمة كوفيد- 19 لتصنف كأزمة وبائية بيئية نتجت عن الاختلال الشديد في النظام البيئي. وقد لفتت تلك الأزمة الوبائية النظر لأهمية الدبلوماسية البيئية لأنها أوجدت ضرورة للتنسيق بين الدول والمنظمات في أثناء محاولات مواجهة تلك الأزمة سواء من خلال تعاون بحثى للتوصل لمصل أو التضامن بين الدول لتوفير وتبادل الخبرات والاحتياجات اللازمة للوقاية والعلاج، وبالتالي فقد خلقت الأزمة قناعة (دولية) بضرورة «ضم» جميع الفاعلين من دول ومؤسسات دولية وغير حكومية وأفراد: علماء ومبادرين، والتعاون فيما بينهم لبحث سبل الوقاية ومنع ظهور أوبئة جديدة وهو أمر لن يتحقق دون العمل على مواجهة المشكلات البيئية، بعد أن ثبت علميا أن التدهور البيئي كان سببا لأزمة كوفيد- 19، وهو ما سيفتح المجال -مستقبلا- لتطور جديد ومهم بشأن الدبلوماسية البيئية.


رابط دائم: