مصر واكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.. رؤية مستقبلية - عرض العدد 288 – كراسات استراتيجية
2018-10-21

شروق صابر
* باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تمثل اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط رصيدًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية للدولة المصرية، فمن المتوقع أن يكون لهذه الاكتشافات انعكاسات متعددة على الدولة ليس فقط من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وإنما أيضًا من الناحيتين السياسية والأمنية.

في هذا السياق، تسعى هذه الدراسة، التي أعدها الدكتور أحمد قنديل، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى الإجابة عن تساؤل رئيسي: كيف يمكن تعظيم الاستفادة من اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، من أجل تعزيز الأمن القومي للدولة المصرية؟ وكما يشير، يتفرع عن هذا التساؤل الرئيسي، عدة تساؤلات فرعية، أبرزها: ما هي أهمية هذه الاكتشافات بالنسبة لمصر ودول المنطقة والعالم؟ وما هي أهم التحديات والتهديدات التي تعرقل الاستفادة من هذه الاكتشافات؟ وكيف يمكن أن تفتح اكتشافات الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط أمام دول المنطقة آفاقًا واسعة للتخلي عن النزاعات والصراعات، من أجل تحقيق المصالح المشتركة من تنمية وتطوير وتصدير الغاز المنتج من هذه الاكتشافات؟

وقد أوضح د. قنديل، أنه من أكبر اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، هو حقل "ظهر" المصري، لما يشير إليه من فتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي، نظرًا لموقعه الجغرافي، وامتلاك مصر البنية التحتية اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي إلى العالم، سواء من خلال أنابيب الغاز أو من خلال محطات تسييل الغاز الطبيعي في مدينتي إدكو ودمياط، وبناء على ذلك، ينظر صانعو القرار في هذه الدول إلى ضرورة الاستفادة من البنية التحتية غير المستغلة حاليًا في مصر باعتبارها مفتاح الاستفادة من اكتشافات الغاز الطبيعي في المنطقة. الأمر الذي سيكون له تأثيره الكبير على الدولة، فمن الناحية الاقتصادية، سيسهم تطوير حقل "ظهر" في مغادرة مصر نادي مستوردي الغاز الطبيعي، وبالتالي عودة الاستقلالية لمصر في مجال الغاز الطبيعي. أيضًا من شأن زيادة إنتاج الغاز الطبيعي تقليل الاستيراد، مما يدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، والذي تعتمد عليه مصر في استيراد معظم احتياجاتها. كذلك، ستسهم تلك الاكتشافات في زيادة إنتاج الكهرباء وتفادي انقطاع التيار، وبالتالي توفير قاعدة صلبة لإطلاق وتنفيذ المشروعات الوطنية العملاقة، التي تعول عليها الدولة لتنشيط الاقتصاد وزيادة معدلات التنمية وخفض البطالة.

ومن شأن هذه الاكتشافات أيضًا ضخ مئات المليارات من الجنيهات على مدى الأعوام المقبلة إلى ميزانيات التعليم والصحة، هذا بجانب ما ستجعله تلك الاكتشافات من مصر كمركزًا إقليميًا للصادرات الغازية لأوروبا، من خلال تجميع غازات الحقول الأخرى في منطقة شرق المتوسط (قبرص وليبيا وربما إسرائيل)، ونقلها في شبكة واحدة إلى السوق الإيطالية، ومن ثم ربطها بشبكة الغاز الأوروبية، الأمر الذي سيساعد في جلب موارد للخزانة المصرية نتيجة رسوم العبور وغيرها، وفي تنويع مصادر الغاز المستورد من قبل أوروبا، وهو هدف أولي لدول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيعطي مصر دورًا اقتصاديًا مهمًا في كل من جنوب وشمال البحر المتوسط.

هذا بجانب ما هو متوقع من تأثيرات اجتماعية، فالغاز الطبيعي والبترول يمثلان العنصر الأساسي في تأمين الخدمات الاجتماعية، كالكهرباء والمواصلات والتدفئة والتبريد وغيرها من الحاجات المنزلية الأخرى. ومن ناحية السياسات الداخلية، ستوفر هذه الاكتشافات القدرة على توفير الطلب المحلي المتزايد على الطاقة، الأمر الذي يسهم في تعزيز الاستقرار السياسي وزيادة شعبية القيادة السياسية الحالية، كما سوف تسهم في تعزيز المكانة الدولية لمصر. فمن الناحية النظرية، تمثل هذه الاكتشافات رصيدًا سياسيًا هائلاً سوف يصب بشكل مباشر في مربع القوتين المصرية الناعمة والصلبة، ويخصم من الرصيد السياسي للمناوئين الحاليين لمصر، مثل تركيا وقطر وإسرائيل. ويبقى على صانعي القرار في مصر أن يضطلعوا بعبء تحويل هذا الجانب النظري إلى إجراءات عملية تخدم المصالح الوطنية. أما من الناحية الأمنية، فسوف تؤدي هذه الاكتشافات إلى خلق تهديدات وصراعات ومخاطر جديدة ومستحدثة، الأمر الذي قد يوفر مبررًا للتواجد العسكري من جانب القوى الكبرى في هذه المنطقة.

وقد حذر د. قنديل من أنه قد يعيق عملية تنمية وتطوير اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، العديد من التحديات والتهديدات التي قد تحد من قدرة مصر، وباقي دول منطقة شرق البحر المتوسط مستقبلاً على تحقيق المكاسب المنتظرة من الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي، أبرزها البيئة السياسية المعقدة نتيجة العديد من الصراعات المزمنة بين دول المنطقة، كالصراع العربي - الإسرائيلي، والصراع التركي - القبرصي، وعدم اكتمال النظام القانوني الحالي لاستغلال هذه الاكتشافات، فضلاً عن المصاعب الفنية، والتهديدات الأمنية، والمخاطر المالية المرتبطة بتطوير هذه الموارد، فاستمرار حالة الحرب السائدة في علاقة إسرائيل مع لبنان وسوريا، وعدم وجود ترسيم معترف به دوليًا للحدود البحرية الإسرائيلية مع مصر ولبنان، وبالطبع فلسطين المحتلة، يضع علامات استفهام كبرى حول فرص وإمكانيات التعاون الإقليمي بشأن هذه الاكتشافات.

وقد وضع د. قنديل في نهاية الدراسة توصيات من شأنها أن تساعد الدولة المصرية على تحقيق عدة أهداف، لعل من أبرزها زيادة فرص التعاون الإقليمي للاستفادة المثلى من هذه الاكتشافات، وتنشيط الدور المصري في منطقة شرق البحر المتوسط، وزيادة ورفع قدرات الدولة المصرية، من أجل التعامل الفعال والكفء مع اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط.


رابط دائم: