القبض على هشام عشماوي في سياق الصراع الليبي
2018-10-21

د. زياد عقل
* خبير في علم الاجتماع السياسي بوحدة الدراسات المصرية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مما لا شك فيه أن القبض على الإرهابي هشام عشماوي كان أحد التطورات المهمة التي شهدها الداخل الليبي في الفترة الأخيرة. النظرة التحليلية للداخل الليبي خلال الأشهر الأخيرة تشير لحقيقتين رئيسيتين. الأولى، هي استمرار الإرادة السياسية والفعل العسكري من قبل الجيش الوطني الليبي في الشرق للاستمرار في معركته ضد الإرهاب، والثانية هي انهيار التحالفات العسكرية التي لم تكن مؤسسية في الغرب الليبي، وهي الحقيقة التي خلقت نزاعا مسلحا ميليشياتي وغير مؤسسي داخل طرابلس بين قوى عسكرية متنوعة في الآونة الأخيرة. كان عشماوي أحد الأشخاص الذين قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في كل من مصر وليبيا، وكان على عداء واضح مع الدولة المصرية التي كان يومًا ضابطًا في قواتها المسلحة. كم العمليات التي قام بها هشام عشماوي في المنطقة الغربية من مصر تدل على أن تمركزه في ليبيا كان الهدف منه هو الاقتراب من العمق المصري، وهذا بسبب موقفه من الدولة المصرية، وحالة السيولة الأمنية في الداخل الليبي خلال مرحلة ما، وضعف أمن الحدود على الجانب الليبي، وهو الرابط بين المنطقة الغربية من مصر التي شهدت غالبية عملياته.

هناك بالطبع عدد من الدلالات السياسية التي يظهرها القبض على هشام عشماوي من قبل الجيش الوطني الليبي، سواء في السياق الإقليمي المتعلق بتحالفات مكافحة الإرهاب، أو في السياق المتعلق بصراع الشرق والغرب في ظل مرحلة تعدد الشرعيات داخل ليبيا. القبض على إرهابي بخطورة هشام عشماوي، قام بعدد كبير من العمليات في المنطقة، وتنقل بين سوريا، ومصر، وليبيا، وقام بإنشاء تنظيم إرهابي خاص به يدعى "المرابطون" يدل على أن هناك تطورًا في التحالف الإقليمي في المنطقة العربية الذي يكافح الإرهاب. ففي النهاية، التنسيق بين مختلف الفاعلين في الإقليم، والمزج بين قدراتهم المعلوماتية، والاستخباراتية كان جزءًا كبيرًا من عملية القبض على هذا الإرهابي. على الجانب الآخر، هناك الكثير من الدلالات التي يمثلها القبض على هشام عشماوي فيما يتعلق بالداخل الليبي، وسياق الصراع في المرحلة الحالية.

في ظل الانقسام السياسي بين الشرق والغرب في ليبيا، والمستمر منذ عام 2014 على الرغم من كل محاولات المجتمع الدولي للتسوية السياسية ورأب الصدع بين الفرقاء في ليبيا، يُظهر القبض على هشام عشماوي من قبل الجيش الوطني الليبي فارقًا واضحًا بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، سواء من حيث القدرات العسكرية أو الاستراتيجيات المؤسسية. الشرق الليبي يشهد حالة في المرحلة الحالية من تحالف الإرادة السياسية مع القدرة على التواجد العسكري، وهو ما يسمح لشرق ليبيا بوضع استراتيجيات طويلة الأجل وتحقيق الأهداف المرجوة منها في الوقت ذاته. على الجانب الآخر، هناك معسكر في الغرب يعاني من انشقاقات متكررة في صفوفه، ولازال متورطا في نزاعات عسكرية بين قوى تنهار تحالفاتها، وبالتالي غير قادر على تحقيق أهداف سياسية أو نجاحات ميدانية. ومن ثم، هناك تطور واضح في الانقسام الليبي بدأ يتجلى في سياق الصراع، وهو الفارق بين "المؤسسية" التي تحاول الأطراف في شرق ليبيا إرساءها، سواء سياسيا أو عسكريا، وبين حالة من التفسخ والانقسام تزداد بشكل ملحوظ في غرب ليبيا.

أحد دلالات "المؤسسية" في الشرق الليبي هي استمرار نهج مكافحة الإرهاب من قبل الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر. القبض على هشام عشماوي واعتقاله لم يكن وليد اللحظة أو عملية قائمة بذاتها، بل كان جزءًا من عملية عسكرية طويلة الأمد يقوم بها الجيش الوطني الليبي من أجل القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة الشرقية ككل، وتطهير مدينة درنة من التنظيمات الإرهابية التي استوطنت فيها بشكل خاص. هذا التنسيق بين الأبعاد السياسية، والاستخباراتية، والعسكرية يدل على أن هناك تطورًا في القدرة على تنفيذ سياسات واستراتيجيات مكافحة الإرهاب في شرق ليبيا بشكل عملي. عند مقارنة هذه الحالة بالوضع في غرب ليبيا، نلاحظ أن هناك حالة من غياب القدرة على توحيد القوى العسكرية المتناحرة وإنشاء مؤسسة أمنية متماسكة تنسق مع الذراع السياسي للدولة في غرب ليبيا. هذا يعني أنه في سياق الصراع الليبي، بدأ طرف في تصميم استراتيجيات طويلة الأجل تسعى لتحقيق أهداف، مقابل طرف آخر غير قادر على احتواء خلافاته الداخلية على مختلف الأبعاد.

تظل قضية التحقيق مع هشام عشماوي أحد الأمور العالقة في سياق هذا الملف، حيث إن حجم المعلومات عن أنشطة التنظيمات الإرهابية في العالم العربي في المرحلة الحالية يٌعد أحد أهم الأمور التي من الممكن الخروج بها من التحقيق مع هذا الإرهابي. وهنا نجد أنفسنا أمام معضلة رئيسة. فمن ناحية، الاحتفاظ بهشام عشماوي من قبل الجيش الوطني الليبي يعطي له الكثير من الريادة في سياق الصراع الداخلي في ليبيا. لكن من ناحية أخرى، فإن حجم المعلومات التي يمكن الحصول عليها من عشماوي يحتاج لجهات تحقيق لديها خبرة مهنية في التعامل مع هذا النوع من القضايا. وهذا ما يجعل من جهات التحقيق المصرية هي الأكثر قدرة على الاستفادة من هذا التطور المهم، والحصول على أكبر وأدق حجم ممكن من المعلومات المتعلقة بنشاط التنظيمات الإرهابية في مناطق جنوب المتوسط وشمال أفريقيا. مسألة تسليم هشام عشماوي للسلطات المصرية محل نقاش، خاصة في ظل المكسب السياسي الذي يمثله القبض عليه للجيش الوطني الليبي، لكن على مستوى التحقيقات ومحاولة العثور علي المعلومات، يظل الجانب المصري هو الأكثر خبرة والأكثر كفاءة لأبعاد المهنية المؤسسية المتواجدة لدى جهات التحقيق في مصر.

يشهد الداخل الليبي تحالفات داخلية مع القوى الإقليمية والدولية في محاولات لتأمين المصالح وحل الصراع. القبض على هشام عشماوي بواسطة الجيش الوطني الليبي سوف يكون له عدد من الانعكاسات على طبيعة هذه التحالفات في السياق الإقليمي والدولي خلال المرحلة المقبلة. التعاون في مكافحة الإرهاب صار أحد الأبعاد الحاكمة للتحالفات الإقليمية والدولية في سياق العالم العربي، وأداء دور فاعل في هذا السياق يُعلي من الطرف الذي يقوم بهذا الدور، وهو ما ينطبق على الجيش الوطني الليبي  بعد اعتقال هشام عشماوي. الجدير بالذكر أن الربط بين الملفين سينعكس بالضرورة على مفاوضات التسوية السياسية المتعلقة بالملف الليبي، حيث إن الطرف الأكثر نجاحا في مكافحة الإرهاب، وخدمة مصالح الإقليم في توفير الأمن القومي سيكون الأوفر حظًا خلال مرحلة التفاوض السياسي. وبالتالي، من المتوقع أن يتم تأجيل عملية التفاوض السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة من أجل إقامة انتخابات في ديسمبر 2018 نظرًا لتغير موازين القوى في سياق الصراع في الداخل الليبي بعد حدث جلل كهذا.

التنسيق المصري الليبي يظل أحد العناصر الفاعلة في قضية القبض على هشام عشماوي. من غير الممكن إنكار الدور المصري في عملية إعادة بناء قدرات الجيش الوطني الليبي وإمداده بالخبرات التي تمتلكها المؤسسات الأمنية في الدولة المصرية. إيمان الدولة المصرية بضرورة إنشاء مؤسسات أمنية في ليبيا تمتلك الصلابة الكافية لمواجهة وضع الأمن الإقليمي غير المنضبط من جراء الصراع السياسي هو أحد الأبعاد ذات أهمية في نجاح عملية القبض على إرهابي بخطورة هشام عشماوي. هنا يمكننا استنتاج أن للدولة المصرية ونظامها السياسي خطاب يهدف لتحقيق الأمن القومي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعتمد بالأساس على التنسيق المشترك في مكافحة ظاهرة الإرهاب وتنظيماته الجديدة.

القبض على هشام عشماوي كان بمثابة انتصار سياسي وعسكري لمعسكر شرق ليبيا في سياق الصراع، وكان أيضًا دليلا على نجاح التنسيق الإقليمي بين القوى المختلفة في ملف مكافحة الإرهاب في المنطقة. إزاحة هشام عشماوي عن رأس التنظيم هو تفريغ للتنظيم من قياداته. وفي ظل تنظيم تراتبي كتنظيم "المرابطون"، سيكون للقبض على عشماوي العديد من التأثيرات السلبية على أداء التنظيم وتواجده. قد نشهد بلا شك عددا من العمليات الانتقامية في إطار "رد الفعل" من قبل التنظيم في ليبيا، ولكن التنظيم لن يحظى بنفس التماسك الداخلي في مرحلة ما قبل القبض على هشام عشماوي، وهذه طبيعة التنظيمات الإرهابية الصغيرة أو micro terrorist groups.

في النهاية، استطاع الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر تحقيق إنجاز سوف يساعده بالتأكيد خلال ثنايا التفاوض في المراحل المختلفة لعملية التسوية السياسية.


رابط دائم: