افتتاحية العدد 29 من دورية بدائل "مصر ومستقبل الأزمة الليبية: تعقيدات الداخل وجهود التسوية"
2018-8-15

د. إيمان رجب
* رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تعد الأزمة في ليبيا من الأزمات التي تولدت نتيجة موجة الثورات التي شهدتها المنطقة العربية منذ نهاية 2010، والتي تعد عصية  على الحل بسبب تعثر معظم محاولات التسوية الدولية لها، رغم قصر عمرها الزمني مقارنة بأزمات أخرى في المنطقة، وتظل المقولة المتداولة في معظم اللقاءات السياسية المعنية بهذه الأزمة "لاحل عسكري ولا بديل عن التسوية السياسية".

وتعقد هذه الأزمة له بعد آخر مرتبط بأنه يصعب الرهان على طرف واحد فقط من أجل تسويتها، حيث أن الأوروبيين  غير قادرين على صناعة حل سياسي ينهي الأزمة وكذلك الأطراف الاقليمية، لاسيما في ظل تعدد مراكز القوى في داخل ليبيا.

وتعد مصر من الدول الإقليمية المؤثرة في ليبيا بسبب تأثرها المباشر باستمرار الوضع المتأزم فيها ، وما يخلقه من تحديات وتهديدات تمس أمنها القومي، ومن ذلك سعي العناصر الارهابية للتسلل عبر الحدود المشتركة من أجل تنفيذ عمليات في داخل الاراضي المصرية، وتعد حالة الإرهابي الليبي عبدالرحيم المسماري الذي ألقي القبض عليه من السلطات في نوفمبر 2017 مثالا على ذلك.

إلى جانب ذلك، ظلت ليبيا مقصدا مباشرا للمصريين الباحثين عن عمل في الخارج، ويعد تأمين فرص عمل ملائمة للمصريين هناك بعد استقرار الاوضاع فيها مصلحة رئيسية للدولة، كما أن استمرار حالة الشلل السياسي والإداري للمؤسسات الليبية التي تشكلت بموجب الاتفاقات السياسية التي تم التوصل إليها بعد سقوط نظام القذافي، يجعل عبء تأمين الحدود المشتركة يقع على مصر بصورة كبيرة، حيث لايوجد في ليبيا شريك مؤسسي يمكن الاعتماد عليه.

وفي هذا الإطار تم تخصيص هذا العدد من  دورية بدائل لمناقشة السياسات التي تتبعها الدولة المصرية في التعامل مع الأزمة الليبية في ضوء التطورات الحالية فيها، مع الاهتمام باقتراح بعض التوصيات من أجل تحقيق نوع من التقدم في تسوية الازمة هناك خلال الفترة المقبلة.

ويجادل دكتور أحمد خميس، مؤلف الدراسة بأن المدخل الرئيسي للبحث عن فرص تسوية الازمة في ليبيا هو القبيلة، التي تعد صاحبة دور محوري فيها، خاصة مع نجاحها في تشكيل تحالفات متعددة في الفترة التالية على سقوط نظام القذافي. ويرى أن اتفاق الصخيرات الذي تم التوصل اليه في 2015 قد ترتب عليه تحول في خريطة تحالفات القبيلة، وأن هذه الخريطة الجديدة من المهم استيعابها جيدا ومراعاتها في أي جهود تبذل من أجل تسوية الأزمة في ليبيا.
وفي هذا الإطار، تنقسم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء، يحلل الجزء الأول خريطة تحالفات القبيلة في ليبيا في الفترة التالية على اتفاق الصخيرات، ويناقش حجم تأثر تلك الخريطة بالقوى الإقليمية والدولية التي تتدخل في ليبيا، وكذلك تنامي نشاط تنظيم داعش الإرهابي في الجزء الشرقي من ليبيا.

ويحلل الجزء الثاني من الدراسة الجهود التي بذلتها مصر من أجل تسوية الأزمة في ليبيا ، وتهتم الدراسة بصورة محددة بأربعة أنواع من الجهود، النوع الأول هو دعم مؤسسات الدولة الليبية من خلال دعم جيش وطني موحد بقيادة خليفة حفتر و تأمين الحدود ودعم  الحرب على الإرهاب،  والنوع الثاني هو دعم المصالحة الوطنية وتسوية الخلافات بين القبائل، والنوع الثالث هو تقديم التسهيلات لليبيين في مصر، والنوع الرابع هو الجهود الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي.

ويقدم الجزء الأخير من الدراسة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الأزمة في ليبيا، وهي سيناريو استمرار الوضع الحالي، وسيناريو التسوية الكاملة للأزمة، وسيناريو تصاعد الأزمة، ويسعي لتقدير تأثيرها علي شكل الدولة الليبية، وترجح الدراسة من منظور المصلحة الاستراتيجية للدولة المصرية أهمية أن تسعي مصر لتحقيق التسوية الكاملة للأزمة من خلال التنسيق مع القوي الإقليمية والدولية المعنية.


رابط دائم: