النظريات المفسرة للعلاقة بين الرياضة "كرة القدم أساسًا" والسياسة
2018-7-5

شروق صابر
* باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سميناره العلمي السابع، في يوم 20 يونيو 2018، تحت عنوان "النظريات المفسرة للعلاقة بين الرياضة (كرة القدم أساسًا) والسياسة". وقد تحدث د. وحيد عبد المجيد، مدير المركز، عن العلاقة على المستوى الدولي، وتحدث د. زياد عقل، الخبير بوحدة الدراسات المصرية، عن العلاقة على مستوى المجتمعات والدول.

أولًا: النظريات المفسرة للعلاقة بين الرياضة والسياسة على مستوى المجتمع

في البداية طبق د. زياد عقل بعض النظريات المفسرة للعلاقة بين كرة القدم والسياسة من خلال ثلاثة أطر رئيسية وهما "الدولة، الصناعة، الجماهير".

أولًا: الدولة

بصورة عامة تعد رياضة كرة القدم أحد آليات القوة الناعمة للدول، سواء على المستوى السياسة الخارجية أو الداخلية. ويظهر ذلك بوضوح على المستوى الخارجي في حالة الصراعات والتنافس بين الدول للحصول على حق تنظيم مونديال كأس العالم لكرة القدم. في مصر يظهر بوضوح استخدام الدولة لرياضة كرة القدم كقوة ناعمة على المستوى الداخلي، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الدولة بالجماهير وعلاقتها بقطاع الشباب الذي يشكل الأغلبية العددية من جماهير كرة القدم.

ثانيًا: الصناعة

كرة القدم في مصر وفي العالم أصبحت تشكل نموذجًا صارخًا  للعولمة بنظرياتها المختلفة، والتي تعني تحويل كرة القدم إلى سلعة يتم الترويج لها وبيعها في كافة أنحاء العالم، بغض النظر عن الاختلافات اللغوية والعرقية والاقتصادية والثقافية بين شعوب ودول العالم. على سبيل المثال في مصر مثلا اعتاد المصريون مؤخرًا على دفع أموال للحصول على اشتراك في محطات تلفزيونية بهدف متابعة الدوري الإسباني أو الإنجليزي، وهذا أمر لم يكن معتادًا في السابق.

من جانب آخر أدى تغلب فكرة الصناعة على رياضة كرة القدم إلى تداعيات كبيرة على هذه الرياضة في مصر. من بينها الاستثمارات في صناعة الكرة، وبروز الاختلافات الطبقية بين اللاعبين، وتحويل الكرة إلى سلعة من خلال الإعلانات التي يقوم بها اللاعبون، كما أدت الصناعة إلى خلق تحالفات نخبوية جديدة داخل قطاع الكرة وخارجه.

ثالثًا: الجماهير

 ثم انتقل د. زياد إلى الحديث عن كيفية تنظيم جماهير كرة القدم، وعلاقة ذلك الجمهور المنظم بالدولة، ففي أواخر الستينيات كانت نظريات العمل الجماعية هي الحاكمة للتنظيم الجماهيري، والقائمة على فكرة أن هناك مجموعة من الأشخاص لديهم خلل سلوكي ما يعوقهم عن الاندماج في المجتمع، ولذلك يلجئون إلى تنظيم مجموعة ما مع بعضهم البعض، ثم ظهر التوجه النظري الذي يحلل التنظيم الجماهيري قائم على توافر موارد بشرية ومادية، ولا يعبر بالضرورة عن عدم القدرة على الاندماج، ولكنه يعبر عن توظيف وتعبئة الموارد لدى الجماهير، وهو التوجه النظري الذي قاده تشارلز تيلي. ثم اتجه التنظير في علم الحركات الاجتماعية إلى نظريات تحلل في المقام الأول البيئة التي تعمل فيها الجماهير المنظمة.

ويقع تنظيم الجماهير في مصر ما بين أزمتين. أولًا: أزمة داخلية تتعلق بهيكل التنظيم من خلال فكرة تنمية الموارد، وعدم امتلاكه أيًا من الأشكال البنيوية. ثانيًا: أزمة خارجية تتعلق بوضعه القانوني في الدولة والمشهد السياسي، وخاصة لأنه لم يقنن أوضاعه أبدًا، بل واحتوى قانون الرياضة الجديد على مواد تمنع روابط المشجعين، وصدر قبل ذلك عام 2015 حكم قضائي باعتبار حركات الألتراس روابط ممنوعة اُسست خلافًا للقانون، ومع زيادة أعداد المقبوض عليهم في قضايا تتعلق بشغب الملاعب، قامت حركة ألتراس أهلاوي بالإعلان عن حل الرابطة أملاً في خروج الأعضاء المحتجزين رهن الحبس الاحتياطي.

كما أشار إلى أن كرة القدم داخل علم الاجتماع تقوم بطرح سؤال يتمثل في "إلى أي مدى نعيش داخل البناء الرمزي للمجتمعات؟"، بكل ما يحتويه من شبكات وعلاقات شخصية وأسرية ومادية وغيره، وذلك لأنه في الواقع مجتمع يختلف عن مفهومنا الحداثي للمجتمعات، وبالتالي الكرة في النهاية تخلق نوعًا من أنواع "المجتمع التخيلي"، أو مجتمع نقوم نحن بخلقه اعتراضًا منا على شكل المجتمع الطبيعي.

ثانيًا: النظريات المفسرة للعلاقة بين الرياضة والسياسة على المستوى الدولي

انتقل العرض إلى الدكتور وحيد عبد المجيد، الذي أكد على أن أهم تلك النظريات ترتبط بالاقتصاد السياسي للعلاقات الدولية، وقد ارتبطت النظرية الأولى بمرحلة الاستعمار وهي نظرية تفسر العلاقة بين كرة القدم والظاهرة الاستعمارية. ولعل من أهم مظاهر تلك النظرية استخدام الأوروبيين للكرة لاعتقادهم بأنها وسيلة لتمدين الشعوب المستعمرة، وتطوير أنماط الحياة في مجتمعاتها، وهناك روابط بين النجاح في كرة القدم والنجاح في النشاط الاقتصادي، فالأداء الجيد في الكرة يتطلب بعض المقومات الضرورية واللازمة لنجاح النشاط الاقتصادي، فحسن انتقاء اللاعبين يقابله حسن انتقاء العاملين الأمهر في اللعبة والفرز على أساس المهارات والإمكانيات والقدرات.

واستكمل د. وحيد الحديث من خلال إشارته إلى أنه تم استخدام تلك النظرية كوسيلة لنشر القيم الرأسمالية والترويج للسلعة الرياضية والاستثمار. فعلى سبيل المثال كان عددا لا بأس به من الشركات الإنجليزية والفرنسية داخل البلدان المستعمرة -ومنها مصر - تقوم بإنشاء فرق لكرة القدم من بين موظفيها. ومن هنا تبرز أهمية بعض النوادي مثل النادي الأهلي، ونادي المصري البورسعيدي، ونادي الاتحاد في الإسكندرية، حيث كانت أول نوادي رياضية وطنية كاملة تنشأ وسط بيئة من الأندية الأجنبية، التي أقامها الإنجليز وغيرهم من الأجانب كنوع من الاستثمار.

أيضًا استخدم الأوروبيون تلك النظرية كوسيلة لتنفيس الاحتقان السياسي والاجتماعي، وهو افتراض مازال يُطرح أيضًا على المستوى الداخلي في كثير من الحالات وهو استخدام بعض الحكومات الرياضة كوسيلة لتقليل الاحتقان الجماهيري ضدها. وقد حدث في ذلك الإطار تطور يرجع إلى إنشاء الأوروبيين أندية على خطوط انقسام إثني، عرقي، لغوي، قبلي، عشائري في إفريقيا، هادفين بذلك تغذية تلك الانقسامات لمنع تبلور هوية وطنية.

ثم انتقل د. وحيد إلى الحديث عن النظرية الثانية وهي، العلاقة بين كرة القدم والتجليات السلبية للعولمة، تناولت تلك النظرية عدة جوانب خاصة بمجال العولمة. ومن المثير أن كرة القدم هي أكثر المجالات التي نجحت فيها العولمة ووصلت إلى أعلى مستوياتها دون أن تثير حساسيات وطنية، على الرغم من أن المؤسسات الدولية لكرة القدم تمارس أعلى مستويات التدخل في الشئون الداخلية للدول. حيث إن تلك اللعبة يحكمها اتحاد دولي يتحكم في كل ما يتعلق بها من أمور، دون أن يثير حساسية وطنية، وهي اللعبة التي يتم فيها اللجوء إلى حكام أجانب لتحكيم مباريات وطنية دون أن يثير ذلك الأمر أي حساسية وطنية، وهو ما لا يوجد في أي مجال آخر.

بالإضافة إلى أنها من أقل المجالات تأثرًا بالحساسيات الإثنية، والدينية، والعرقية، رغم أنه يحدث بها بعض مظاهر التعصب القومي الوطني، إلا أنه لا يخرج عن إطار لمحات بسيطة في مناخ عام من التسامح.

من جانب آخر ظهرت بعض التفسيرات في هذه النظرية التي شبهت حالة احتراف اللاعبين وبيعهم للأندية الأوروبية الكبرى بفكرة "العبودية". وهو ما اعتبره د. وحيد به قدر كبير من المبالغة وعدم الدقة.  

لكن الجانب السلبي الواضح يبدو في مظاهر عدم العدالة والمساواة في المنظومة الرياضية ككل، حيث أصبحت نموذجًا صارخًا لاستنزاف المهارات البدنية. فإن مسألة الاحتراف وبيع اللاعبين ليس فقط على مستوى كرة القدم، قد أدى الى حرمان الدول الفقيرة من تطوير أدائها الرياضي لأن أفضل لاعبيها يتم شراؤهم للعب في الأندية الأوروبية الكبرى.

.................

وعقب انتهاء العرضين الرئيسيين ناقش عدد من الحضور مجموعة من الأفكار التي تم عرضها.

الرياضة والعولمة

أشار د. حسن أبو طالب، إلى أنه في ظل انتشار العولمة لم يصبح الحديث في يومنا هذا عن الرياضة كنشاط (رياضي- اجتماعي)، ولكن أصبح الحديث عن صناعة متكاملة في ظل بيئة عالمية وعولمية لم تعد تنظر إلى الترفيه باعتباره حق للمواطنين وإنما أصبح ترفيه لمن يملك ثمن ذلك. وأن ما أشار إليه د. وحيد من مسألة عدم العدالة في شراء الأندية الأوروبية للمهارات البدنية المتميزة من الدول الفقيرة، لا يحدث فقط على المستوى العالمي ولكن يحدث أيضا على المستوى المحلي، حيث يوجد فرق ونوادي في مصر تمتلك من الأموال ما يساعدها على استقطاب وشراء اللاعبين من الفرق الأخرى الصاعدة ما ينتج عنه حدوث عملية الحرمان داخل المجتمع نفسه. وهو الأمر الذي زاد بصورة واضحة وأصبح منظمًا بعد دخول فكرة الاحتراف والاستثمار وما يعرف بـ "تسعير اللاعبين".

لكن الدكتور عمرو الشبكي رأى أنه على الرغم من هذه السلبيات ربما يمكننا الحديث عن عولمة حميدة. كما أن مسألة فشل دول الجنوب والدول الفقيرة من تحقيق إنجاز رياضي بسبب تحول الرياضة إلى استثمار وقدرة الدول الأغنى على شراء المهارات الأفضل مسألة تحتاج إلى مراجعة، وخاصة إذا ما نظرنا إلى حال منتخبات أمريكا اللاتينية لكرة القدم، فهي منتخبات تحقق انتصارات كبيرة وتعد المنافس الحقيقي لكرة القدم الأوروبية، رغم كونها في دول تعاني مشكلات الفقر واحتراف لاعبيها في أوروبا.

أما د. محمد السعيد إدريس فقد أثار تساؤلا حول اهتمام الدول الكبرى الصين والولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا برياضة كرة القدم، والتي لم تكن يومًا لعبة شعبية في هذه الدول. وهل أن في هذا الأمر إشارة أو تلويحًا بأن يكون هناك دور لتلك الرياضة في الصراع الدولي.

وفي هذا الإطار انتقل  د. أيمن عبد الوهاب بالحوار إلى نقطة جديدة وهي دور كرة القدم بين مسألتين العولمة من جانب والانتماء والهوية الوطنية من جانب آخر. حيث أكد على أن هناك بلا شك جيل جديد عولمي أكثر منه ارتباطًا بفكرة الهوية والوطنية، وهو جيل من الشباب يبتعد غالبًا عن الواقع ويشجع فرقًا دولية.

الرياضة والشعبوية

أشار أ.نبيل عبد الفتاح على أنه من الصعب إيجاد تفسير نظري متكامل لعلاقة كرة القدم بالسياسة، ولكن من الممكن إيجاد بعض الاستخدامات لكرة القدم من بعض النظم التسلطية، استخدامات سياسية سواء على مستوى تعبئة الجماهير أو صرف انتباه الجماهير عن بعض القضايا إلى قضايا أخرى، مثال الخطاب الشهير الذي ألقاه جاك شيراك بعد حصول فرنسا على كأس العالم، لدعم فكرة الاندماج الاجتماعي.

وقد أكد أ.محمد عبد القادر على فكرة الارتباط ما بين تصاعد ظاهرة "الشعبوية السياسية" في العالم وبين لعبة كرة القدم. بمعنى أن لعبة كرة القدم أصبحت أحد آليات الأنظمة الشعبوية في العالم، على سبيل المثال نجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقوم بالتغريد بتويتة يروج فيها لملف تنظيم أمريكا الشمالية لمونديال 2026 في مواجهة الملف المغربي. ونجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرغم من كونه أكثر كارهي كرة القدم في العالم، كان حريصًا على حضور فعاليات تنظيم مونديال روسيا.

الرياضة والقوة الناعمة

اتفقت د. أماني الطويل مع ما عرضه د. زياد من أهمية تفسير علاقة كرة القدم بالسياسة من خلال نظرية القوة الناعمة، حيث أكدت أن الخبرة الأفريقية تشير الى أن بعض الدول قد تستخدم فريق منتخبها كأحد أدوات القوة الناعمة في حال تأزم العلاقات بينها وبين دولة أخرى بمعنى إرسال الفريق وأمره بالهزيمة.

كما أكدت د. إيمان رجب على نفس الفكرة، وأضافت أن دولا تشتري لاعبين وتستخدم موارد كبيرة بهدف إعادة رسم صورتها في الخارج.

وهو الأمر الذي عرضه أيضا د. أيمن عبد الوهاب، وفصله في أن بعض الدول تستخدم مواردها المالية لشراء لاعبين وتجنيسهم أحيانًا أو شراء أندية بالكامل، وذلك كله يحدث في إطار توظيف تلك الموارد لامتلاك أدوات جديدة في القوة الذكية لم تكن موجودة من قبل.
الرياضة والاقتصاد

في معرض مناقشته عرج أ.محمد عبد القادر على نقطة لم تناقش بصورة واسعة في السمينار وهي علاقة الرياضة باقتصاد الدولة. وأشار إلى أن دولة مثل جنوب أفريقيا قامت بلعب دور كبير في حشد القارة الأفريقية لدعمها في الحصول على استضافة كأس العالم في بطولة عام 2010، وبعد ذلك واجهت عوائق اقتصادية كبيرة تتمثل في عدم إمكانيتها تجهيز الإستادات الرياضية لما تحتاجه من تكليفات ضخمة.

وقد أكد د. وحيد عبد المجيد في نهاية السمينار، أنه بالفعل تكثر الدراسات حول العائد الاقتصادي من استضافة كأس العالم. وأن دولة البرازيل كانت مثالًا واضحًا على الجهد الذي بذلته حكومة حزب العمال لاستضافة مونديال 2014 ولكن في النهاية أثار ذلك الأمر احتجاجات جماهيرية واسعة اعتراضًا على الإنفاق على الحدث، ولكن نحتاج لدراسة أكبر لمعرفة العائد الاقتصادي لمثل هذا الإنفاق وخاصة أن المؤشرات الأولية تقول إن قطاع السياحة البرازيلي لم يستفد من هذا الحدث.


رابط دائم: