"المونديال" عرض العدد 69 من فصلية "أحوال مصرية"
2018-7-2

مهاب عادل حسن
* باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ظلت مشاركة مصر في المونديال حلمًا يراود أذهان المصريين لما يُقارب الثلاثة عقود، إلى أن تحقق هذا الحلم بمشاركة مصر في مونديال روسيا 2018، على نحو فرض معه ضرورة توسيع دائرة النقاش حول معالجة موضوع المونديال ليشمل كافة الأبعاد والتشابكات السياسية والاجتماعية والثقافية، في إطار الاهتمام بالسياسات العامة، وباعتباره مناسبة يتمحور حولها الجماهير، بالشكل الذي يُمكّن من تطوير السياسات القائمة وتعظيم أوجه الاستفادة من المشاركة بما يخالف المشاركتين السابقتين 1934)، 1990).

في هذا السياق، سعت مجلة "أحوال مصرية" في هذا العدد إلى الإجابة على التساؤل حول كيفية امتلاك سياسة رياضية واضحة قادرة على مواجهة الاختلالات العميقة والممتدة التي ترتبط بالرياضة؟، وذلك من خلال زوايا معالجة متنوعة، تشمل جوانب الاستثمار في الرياضة وتوسيع البنية التحتية، وكيفية الارتقاء بمنظومة التسويق وتطوير التجربة الاحترافية، بالإضافة إلى معالجة الجوانب التشريعية المنظمة للرياضة، عبر تقوية الأطر المؤسسية وتحديث اللوائح المنظم. وهذه الجوانب في مجملها تفرض رؤية للتعامل مع كرة القدم كصناعة واستثمار وأداة من أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية، ومدخل للترويج السياحي، وليس فقط مجرد لعبة تشجعها الجماهير.

وقد أشار د. أيمن السيد عبد الوهاب، رئيس تحرير المجلة، في افتتاحيته، إلى إن الوصول إلى المونديال، كان وراءه جهد وتخطيط وعمل كبير، إلا أن تحقق حلم المشاركة فرض حالة من عدم الوضوح في الأهداف والتخطيط غير المكتمل، وبدا الشك والخوف يرتبطان بـ"المنقذ" محمد صلاح وتحميله مسئوليات أكبر في النتائج بقدر أكبر من البحث في تعظيم أوجه الاستفادة من الوصول للمونديال ليس على مستوى الرياضة وكرة القدم فقط، ولكن على مستوى الدولة المصرية. مؤكدًا أن استثمار المشاركة في المونديال، يجب ألا يرتبط فقط بحلم الوصول، وحالة محمد صلاح، بل بصناعة منظومة متكاملة للرياضة تستوعب الشباب، وتدمجهم ضمن باقي أدوات المجتمع والدولة في المجال العام، وتنظم تفاعلاتهم بعيدًا عن أفكار وتعصب روابط الأولتراس، وتعمق هويتهم وانتماءهم وتخرجهم من مأزق الاغتراب. وليصبح الارتباط بحالة محمد صلاح كنموذج وقدوة نتاجًا لتلك المنظومة والبيئة الداعمة للمواهب وبناء القدرات، وليس نتاجًا لظروف استثنائية وحالات فردية. مشددًا على ضرورة تقييم تجربة المشاركة في المونديال من منظور استخلاص الدروس، وأن تمثل نتائج التقييم إطار عمل حاكمًا للتخطيط المستقبلي لسياستنا الرياضية ومنظومة تكاملها مع باقي السياسات العامة.

بينما أوضح د. وحيد عبد المجيد، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في استعراضه البعد العولمي لظاهرة الرياضة وفي مقدمتها لعبة كرة القدم، إنها بدأت تأخذ طابعها العالمى المبكر فى مرحلة بلوغ الظاهرة الاستعمارية كأحد المنعطفات المهمة فى تاريخها، حيث أن هناك علاقة بين كل من الظاهرة الاستعمارية، والنظام الرأسمالى، من ناحية، وانتشار كرة القدم وإضفاء طابع عالمى مبكر عليها، من ناحية ثانية، مؤكدًا أن توسع نطاق "بيزنس" كرة القدم على هذا النحو ما كان ممكنًا إلا لطابعها العالمى الذى اكتسبته مبكرًا، وجعلها أحد أهم الأنشطة التى أسهمت فى التحول نحو العولمة فى العقود الأخيرة، ولارتباطها بالنظام الرأسمالى العالمى منذ البداية، حيث أن شروط الأداء الجيد فيها تشبه إلى حد كبير متطلبات النجاح الاقتصادى فى هذا النظام من تخطيط، وتنظيم، وتدريب، وانضباط، واستثمار.

كما أكّد الأستاذ يوسف الورداني، أن أهم معالم السياسة العامة للدولة في مجال الرياضة، التي أرساها قانون الرياضة الجديد، وعززتها التوجهات العامة للدولة تتمثل في تعدد الفاعلين في مجال الرياضة مع التركيز على إعطاء الأولوية لتفعيل دور الهيئات الرياضية، بالإضافة إلى تنويع مصادر التمويل المخصص للاستثمار في النشاط الرياضي، وكذلك الحرص على تدعيم البنية الأساسية في مجال الرياضة، وتغيير النظرة تجاه الرياضة باعتبارها أحد عناصر القوة الناعمة المصرية، هذا إلى جانب العمل على تحقيق التوازن بين اعتبارات السيادة والالتزام بالمواثيق الدولية الحاكمة لعمل الرياضة.

وحول تطوير منظومة الاحتراف، أشار د. محمد عزب العرب، إلى أن نجاح اللاعب في الدوري المصري لا يعني نجاحه في الاحتراف، بل إن كثيرًا من مشاهير الدوري المحلي، بل في قطبي الكرة المصرية، فشلوا في الاحتراف، وهو ما يرتبط بمنظومة من العوامل، التي تتمثل في القدرات الفردية، والثقافة الاحترافية، والمرحلة العمرية، والحواجز النفسية، والقدرة على الاندماج، والإدارة التسويقية.

بينما أبرز د. زياد عقل، مفهوم الاحترافية من منظور الارتباط بين ثقافة التشجيع واحترافية كرة القدم، مؤكدًا إن ثقافة تشجيع كرة القدم في مصر مازالت تتحكم فيها العواطف، وتظل بعيدة كل البعد عن استيعاب مفهوم الاحترافية في كرة القدم. فعلى الرغم من تنظيم الجماهير في كيانات جمعية، إلا أن ذلك لم يفصل بين لاعب الكرة الذى تعشقه الجماهير من منطلق العصبية والانتماء، وبين لاعب الكرة الذى تحكمه التعاقدات والبنود القانونية، وهو ما يجعل ثقافة تشجيع كرة القدم في المجتمع المصري، ثقافة تم تأسيسها على أسس الهواية، مدفوعة بعواطف الجماهير، وتستمد شرعيتها من شغفهم.

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وأوجه الاستفادة من الاستثمار في النشاط الكروي، وخاصة على صعيد تنافس الدول على تنظيم كأس العالم، أوضح الباحث حسين سليمان، أن المكاسب الاقتصادية ليست هي ما تسعى البلدان المتنافسة على تنظيم كأس العالم لتحقيقه، وقد تكون للاعتبارات السياسية الغلبة في هذا السياق، وذلك لتحقيق انتصارات في تنافس عالمي يرتبط بالمكانة الدولية وطبيعة العلاقات الخارجية بين البلدان، أو لتصدير الفوز بهذا الاستحقاق للداخل بوصفه إنجازًا نجحت الدولة في انتزاعه، بما يزيد من شعبية السياسيين في السلطة.

وعلى صعيد الارتقاء بمنظومة التسويق الرياضي للبطولات الرياضية، أوضح د. محمد عبد القادر، أن التسويق الرياضى يعد مجالًا جديدًا نسبيًا على المستوى المحلى، وشهد خلال السنوات الأخيرة نموًا مضطردًا مع نمو اقتصاديات الرياضة المحلية والتحول التدريجى للمنظومة الاحترافية التى لم تكتمل بعد، مشيرًا إلى أن التسويق يأخذ صورا وأشكال متعددة على غرار تسويق الخدمات، وتسويق الأحداث المتخصصة، وتسويق البطولات والمباريات، مؤكدًا على ضرورة أن تسعى مصر جاهدة إلى استضافة الأحداث الرياضية الكبرى على المستوى الإقليمى والدولى لما لهذه الأحداث من ثقل وأهمية، مع مراعاة البعد المالى والتكلفة المادية لتلك الاستضافة، ومراعاة الجاهزية المسبقة للحدث قبل التقدم للحصول على حق التنظيم.

من ناحية أخرى، استعرض د. وليد عبد المقصود، فرص وأفاق الترويج الثقافي لمشاركة مصر في الفعاليات والأحداث الرياضية المهمة، وذلك عبر تطوير استراتيجية ثقافية ممتدة تُبنىَ على الرصيد الموجود أو الذى يتواصل تحققه باستمرار، نتاج حالات فردية أو جماعية ولكنها متفرقة على مدار الأماكن أو الأزمنة، مشددًا على ضرورة ألا يتسم هذا البناء بالعفوية وألا يكون محكومًا بمنطق اللحظة والحسابات الآنية، بل يجب أن يكون مخططًا بشكل جيد وعبر منهج موضوعي وعلمي وله غايات وأهداف قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى، وثالثة بعيدة المدى، مع وجود خريطة طريق بها معيار زمنى لتحقيق كل من هذه الغايات والأهداف، بالإضافة إلى تقييم ما تحقق والدروس المستفادة من التجارب السابقة لتعظيم النتائج الإيجابية.

من زاوية أخرى، يُبرز الأستاذ سيد الخمار الجانب العلمي للرياضة، وذلك عبر النظريات العلمية التي ركزت على التوظيف العلمي في تطوير منظومة الرياضة وفي مقدمتها الفرد. ومن هذه النظريات "الخلايا الجذعية المعرفية"، وذلك عبر حوار مع د. محمد حسن الشرقاوي، صاحب النظرية، والذي أكّد أن إعادة تكوين الوعاء المعرفي الرياضي بشكل مختلف، وإعادة البناء للانطلاق عالميًّا على مختلف الأصعدة، بالتمسك بالهوية والحضارة المصرية التي بناها الأجداد، يأتي من خلال محاضرات نظرية وتدريب عملي للمجتمع من أجل بناء هذا الوعاء، وتطبيقه بشكل سليم على مختلف المجالات، وهو ما يحتاج إلى قادة ناجحين حتى تتكامل حلقات بناء هذا العلم والمعرفة.


رابط دائم: