إصلاح الاتحاد الأفريقي
2018-2-26
عرض: جهاد عمر

عقدت وحدة الدراسات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ورشة عمل بعنوان "إصلاح الاتحاد الأفريقي" فى 15 فبراير 2018. استضافت الورشة السفير عبد الحميد بو زاهر، ممثَّل الاتحاد الأفريقي لدى جامعة الدول العربية للحديث حول آليات إصلاح منظمة الاتحاد الأفريقي والمعوِّقات التي تُحد كثيرا من قدرة المنظمة على تنفيذ البنود الطموحة التي تضمَّنتها أجندة الاتحاد 2063. كما شارك في أعمال الورشة من خارج المركز السيد السفير نادر فتحي العليم، والسفيرة إجلال محمد عبد الحليم.

استهلَّت دكتورة أماني الطويل، رئيسة الوحدة الدولية والخبيرة بالشئون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ورشة العمل بتسليط الضوء على اهتمام المركز بالتفاعل مع منظمة الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن تناول أبرز التحديِّات التي تواجهها عملية إدخال بنود أجندة 2063 حيز التنفيذ، والتي تتمثَّل بشكل رئيسي في نقص التمويل، إلى جانب تعقيدات المشهد الأمني الراهن واستمرار الصراعات الدموية في كثير من الدول الأفريقية.

وطرحت دكتورة أماني الطويل إشكالية رئيسة تكمن في التوجُّه الحالي نحو "لا مركزية" الاتحاد الأفريقي، والذي يرمي إلى تمكين التجمعات الإقليمية الفرعية بمختلف أقاليم القارة بما يمكِّنها من الاضطلاع بتنفيذ أهداف الاتحاد الأفريقي بدرجة أكثر من الكفاءة والفاعلية، فضلاً عن تعزيز التنسيق بين الجانبيْن بما يعزِّز من استقلالية القارة الأفريقية ويخلصها من أسر التبعية للقوى خارجية.

في هذا السياق أكد السفير عبد الحميد بو زاهر أن أجندة 2063، التي تبنَّاها الاتحاد في عام 2013، إنما تمثِّل منهاج عمل أكثر عصرية وتجانس ومرونة. وقد تجلَّى فيها دخول الاتحاد الأفريقي مرحلة النضج في صياغة الأهداف ووضع آليات محددة يمكن من خلالها الإسراع ببلوغ تلك الأهداف الطموحة.

أجندة 2063: منهاج عمل أكثر عصرية وتجانسا

أشار بو زاهر إلى أنه ثمة إرادة جادة لدى الاتحاد لتنظيم البيت الأفريقي من الداخل والأطر القانونية والتشريعية بما يُيسِّر من إنجاز الأهداف المحددة لأجندة 2063، والتي تهدف إلى دعم المحاولات الرامية إلى اندماج القارة وصولاً إلى أعلى درجات التكامل والوحدة الأفريقية.

وثمة قدرة متزايدة لدى الاتحاد الأفريقي على صياغة أجندات عمل تركن إلى مبدأ التخصص وتقسيم العمل، فضلا عمَّا يتبنَّاه الاتحاد من منهاجية عمل باتت تتسم بأنها أكثر تجانساً ومرونة تقوم على تكليف رؤساء دول بعينهم لإعداد تقارير دورية في العديد من القضايا التي باتت تحظى بزخم حقيقي، ويعاونهم في إعداد تلك التقارير ما تزخر به القارة من طاقات بشرية وكوادر متخصصة.

وقد شهدت القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي، التي عُقِدت في يناير 2018 تحت عنوان "محاربة الفساد"، تقديم جملة من التقارير التي كُلِّف بها عدد من الرؤساء الأفارقة آنفا، وأبرزها، على سبيل المثال لا الحصر، التقرير الذي تقدَّم به رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما حول تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وكذا تقرير رئيس غينيا ألفا كوندي حول الطاقة المتجددة. وتولَّت الجزائر لجنة "الحرب ضد الإرهاب والتطرف العنيف". وهذه التقارير وغيرها قد تمثِّل موضوعات للنقاش في القمم الأفريقية القادمة.

التعبئة الشاملة لبلوغ أهداف الاتحاد الأفريقي

أوضح السفير بو زاهر أنَّ هناك حالة من التعبئة الشاملة يشهدها الاتحاد الأفريقي في الوقت الراهن بغية تعزيز قدرات الاتحاد على بلوغ ما وضعه من أهداف ضمن أجندة عمل 2063. وثمة محاور عدة لهذه الحال من التعبئة، لعل من بينها تفعيل الدور الذي تضطلع به لجنة الحكماء بالاتحاد الأفريقي بما يُعلي من مبدأ الحوار بين الفرقاء للوصول إلى حلول وسط، والتنسيق بين الاتحاد والمنظمات الدولية والشركاء الدوليين. هذا فضلا عن هندسة مجلس السلم والأمن الأفريقي بما يُمكِّن من تفعيل دوره في تسوية الصراعات بالقارة.

وتثير مسألة هندسة مجلس السلم والأمن الأفريقي إشكاليتيْن تتمثَّلان في ضرورة نهوض المجتمع الدولي ممثلَّاً في الأمم المتحدة بدوره في دعم مجلس السلم من الناحية التمويلية، فضلا عن تقديم الدعم فيما يتعلق بتبادل الخبرات في مجال تأهيل وتدريب القوات الأفريقية. أما الإشكالية الثانية فتنصرف إلى كيفية مواءمة الاتحاد الأفريقي بين الاستمرار في الحصول على الدعم والتمويل الخارجي لقواته من جهة والمحافظة على الاستقلال والسيادة الأفريقية من جهة أخرى.

وفي هذا الصدد، أشار بو زاهر إلى لواء الشمال التابع للاتحاد الأفريقي والمعني بالتدخُّل حال وقوع الأزمات؛ فهو لا زال قيد المناقشة، ولا يوجد له مقر حتى اللحظة الراهنة. وتضطلع مصر والجزائر بتقديم الدعم والتسهيلات لوحدات اللواء وقواته. الجزائر، على سبيل المثال، خصًّصت قاعدة جيجل البحرية القابعة في شرق الجزائر لدعم لواء الشمال.   

وهناك خطط طموحة يجري العمل داخل أروقة الاتحاد الأفريقي لتحقيقها؛ إذ سيشهد العام الجاري قمة استثنائية للوصول إلى اتفاق حول إطلاق منطقة للتجارة الحرة في أفريقيا. وهناك سعي حثيث لإصدار جواز السفر الأفريقي وإلغاء التأشيرات بين الدول الأفريقية فضلا عن الإعلان عن مبادرة "إسكات صوت الرصاص في أفريقيا" لإنهاء الصراعات الأفريقية، وذلك بحلول عام 2020.

إصلاح الاتحاد الأفريقي: رؤية كاجامي 

في معرض الحديث عن إصلاح الاتحاد الأفريقي، أشار السفير بو زاهر إلى الرؤية التي عرضها الرئيس الرواندي بول كاجامي حول إصلاح وتحسين أداء منظمة الاتحاد الأفريقي إبَّان القمة الأفريقية، التي عُقِدت في رواندا عام 2015، وهي أطروحة تتسم بالكثير من الابتكار والتطوُّر والجرأة. وقد انطلقت رؤية كاجامي من فكرة أساسية هي "أفريقيا تتكلم بصوت واحد"؛ إذ رأى كاجامي ضرورة أن تُخوَّل كافة الصلاحيات لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بما يمكِّنه من متابعة أداء الدول الأفريقية في تنفيذ ما يتم الاتفاق بشأنه من قرارات.

ووفقا لتقرير كاجامي، هناك حاجة ملحِّة لتعزيز التنسيق بين مفوضي الاتحاد الأفريقي والتجمعات الإقليمية الفرعية، ومن المتوقع في هذا الشأن أن تكون هناك قمة بين الجانبيْن العام الجاري (2018). كما تضمَّن التقرير اقتراحا بوجود فرع للمفوضية في التجمعات الإقليمية الفرعية، ويكون منوطا به تعزيز التنسيق بين الاتحاد الأفريقي وهذه التجمعات.

وعقب انتهاء عرض سيادة السفير عبد الحميد بو زاهر، فتحت الدكتورة أمانى الطويل باب المناقشة، والتي بدأت بتساؤل طرحه الأستاذ هاشم العوادي، رئيس المركز العراقي للدراسات الأفريقية، حول مدى تأثير التحديات الخارجية على الخطط الطموحة والقرارات التي يتخذها الاتحاد الأفريقي، وعمَّا إذا كانت القارة الأفريقية قد استطاعت الفكاك من أسر تبعية القوى الكبرى.

وتساءلت الدكتورة أميرة عبد الحليم، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسراتيجية، حول إمكانية وجود مشروعات على هامش الاتحاد الأفريقي لتدر مزيدا من الموارد المالية بما يكفل تنفيذ البرامج بفاعلية، ويقلِّل من الاعتماد على الخارج في التمويل. كما تساءت أيضا عن الضامن الذي يُلْزم كل دولة عضو بالاتحاد بتنفيذ قراراته.

وطرح الدكتور عادل عبد الصادق، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تساؤليْن حول كيفية تفعيل دور الاتحاد الأفريقي في تسوية أزمات القارة، لا سيما الأزمة الدائرة حاليا بين مصر وإثيوبيا فيما يتصل ببناء سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على الحصة المائية المصرية من مياه النيل. أما التساؤل الثاني، فكان حول إمكانية تشكيل آلية لفرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، التي تلتهم ثروات القارة ومقدَّراتها بلا رقيب، لزيادة ميزانية الاتحاد الأفريقي بما يمكِّنه من تنفيذ البرامج والخطط الموضوعة بقدرٍ كبير من الكفاءة والفاعلية.

وتساءل أحمد عسكر، الباحث المساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حول مبادرة إسكات صوت الرصاص في أفريقيا وهل سيكون ثمة التزام على الدول الأفريقية لتطبيق مثل هذه المبادرة والالتزام بالخيار السلمي في تسوية الصراعات الأفريقية.

وتساءل بهاء محمود، الباحث المساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حول لجنة النظراء التابعة للاتحاد الأفريقي، وهل هناك مؤشرات يمكن من خلالها رصد تطوَّر أداء اللجنة فيما يتعلَّق بالحوكمة والحكم الرشيد؟

وتساءلت، صباح سالم، الصحفية بالأهرام إبدو، حول إمكانية تنفيذ اتفاقية حرية التنقل بين الدول الأفريقية في ظل تحديِّات بتدفق إرهابي داعش من سوريا والعراق إلى إقليم الساحل الأفريقي.

واختتم السفير عبد الحميد بو زاهر ورشة العمل بالتأكيد على أنه ثمة تحديات أساسية تواجه تنفيذ أهداف الاتحاد الأفريقي وبرامجه لا سيما فيما يتصل بانتشار الصراعات الأفريقية وتفاقمها في عدد من الدول الأفريقية، وكذا قضية التمويل والخروج من فكاك التبعية للخارج. لكن تبقى هناك بارقة أمل تتمثَّل في الإرادة الفولاذية للدول الأعضاء في الخلاص من التبعية للقوى الكبرى سياسيا واقتصاديا. ولا أدل على ذلك من النجاح الذي حقَّقه الاتحاد في خفض نسب الاعتماد على الخارج لتمويل نشاطاته من 74% في عام 2015 إلى 59% في عام 2018.    


رابط دائم: