المناطق الحرة في مصر... قراءة نقدية
2017-12-19

د. إيمان مرعى
* خبير ورئيس تحرير دورية رؤى مصرية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

تعد المناطق الحرة نمطًا استثماريًا متميزًا ضمن أنظمة الاستثمار المتعددة لمساهمتها بفاعلية في جذب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، وذلك باعتبارها آلية مهمة من آليات زيادة الصادرات، ومضاعفة الناتج القومي، وسبيل لإيجاد فرص عمل جديدة نظرًا لما تتمتع به هذه المناطق من مزايا عديدة أهمها؛ الارتباط المباشر بالعالم الخارجي عبر أراضي مكتملة المرافق والبنية الأساسية تتميز بخصوصية التعامل داخلها من حيث النواحي الجمركية، والاستيرادية، والنقدية، وغيرها.

وفي مصر تشكل المناطق الحرة أحد المقومات الرئيسة التي يرتكز عليها الاقتصاد المصري لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، نظرًا للفوائد التي يمكن أن تعود على الاقتصاد القومي من هذه المناطق إذا ما أُحسن استغلالها. وعلى الرغم من ظهور مناطق حرة جديدة وتحقيق عدد من هذه المناطق لنجاح كبير، بيد أن المناطق الحرة المصرية تتعرض للعديد من التحديات بالنظر إلى المشكلات التي تواجه عملها، ومن ثم تقلل العائد منها كاحتمال تحول بعض هذه المناطق من التصدير إلى خارج الدولة إلى تهريب السلع إلى الداخل مما يضر بالإنتاج المحلي المماثل، بالإضافة إلى إمكانية حرمان الصناعات الوطنية من الكوادر الفنية المدربة.

وقد أثارت المزايا التي تتمتع بها تلك المناطق جدلًا واسعًا، حيث يرى البعض أن المشروعات التي تقام بنظام المناطق الحرة تستغل المعاملة الجمركية التفضيلية، رغم أنها لم تسهم بالشكل المطلوب في تحفيز الصادرات المصرية. فخلال الفترة من2011 / 2012 إلى 2015 / 2016 أسهمت المناطق الحرة بنحو 10.3 مليار دولار من الصادرات السلعية، و5.9 مليار دولار من الصادرات الخدمية. ومن ناحية أخرى، كان نصيب تلك المناطق من إجمالي الواردات حوالي 8.45 مليار دولار. ومن ثم يبدو أن التركيز على الحوافز الضريبية لتشجيع الاستثمار بحاجة إلى مراجعة، فبعض الدراسات الحديثة أثبتت أن المردود الاستثماري للإنفاق على تطوير البنية التحتية والخدمات العامة له قدرة أعلى على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من الحوافز الضريبية التقليدية.

في هذا السياق –أي قضية المناطق الحرة- وبالنظر إلى ما يدور بشأنها من جدل، تتناول هذه الدراسة طبيعة المناطق الحرة، والأطر القانونية التي تحكم وتنظم عملها في مصر، والوقوف على أهم المعوقات التي تواجه إدارة تلك المناطق بهدف تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف، وفرص وتحديات تحسين وتفعيل أداء وكفاءة هذه المناطق.

أولًا: نشأة وتطور فكرة المناطق الحرة تاريخيًّا

ترجع فكرة إنشاء مناطق التجارة الحرة تاريخيًّا إلى نحو ألفي عام مضت، أي منذ عصر الإمبراطورية الرومانية، حيث كانت تطبق فكرة إعادة الشحن، والتخزين، وإعادة التصدير للبضائع العابرة لحدود الإمبراطورية. وقد اعتمدت الدول الواقعة في حوض البحر المتوسط على النشاط التجاري من خلال استخدام نظام المناطق الحرة، ومن أمثلة تلك المناطق "منطقة جبل طارق" والتي أنشئت عام 1704، و"منطقة سنغافورة" والتي أنشئت عام 1819، ومنطقة "هونج كونج" والتي أنشئت عام 1842. وقد عملت هذه المناطق على ممارسة أنشطة إعادة التصدير، وتموين السفن. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأت فكرة الموانئ الحرة تنمو بسرعة في أوروبا.

وعرفت مصر فكرة المناطق الحرة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر عندما كانت مدينة الإسكندرية مركزا للتجارة الواردة من أوروبا وآسيا وبالعكس. وفي العصر الحديث أقيمت أول منطقة حرة في مصر في عام 1902 عندما أبرمت الحكومة المصرية اتفاقًا مع شركة قناة السويس تم بمقتضاه إنشاء منطقة حرة برية بحرية ملحقة ببورسعيد لخدمة أغراض الشركة وتوسيع، وصيانة الميناء. وبمقتضى الاتفاق منحت الشركة إعفاءات جمركية لكافة البضائع الواردة إلى المنطقة.

ويتضح جليا أن فكرة المناطق الحرة تطورت في العالم من حيث الموقع، حيث كانت في السابق تتخذ مواقعها بالقرب من أو داخل الموانئ البحرية ثم أصبحت تتخذ مواقعها بالقرب من الموانئ الجوية أو داخل البلاد بهدف تعمير المناطق النائية. وتطورت من حيث نوعية النشاط  والغرض، من مجرد منطقة تُمنح فيها المشروعات التجارية بعض الامتيازات بغرض تنشيط التجارة العابرة، إلى مناطق تُمارس فيها عمليات مختلفة من التخزين والتصنيع البسيط إلى التصنيع الثقيل، فضلا عن أنشطة الخدمات. كذلك كان إنشاء هذه المناطق في البداية بغرض خدمة المصالح الأجنبية للدول الاستعمارية أكثر من كونها أداة من أدوات التنمية الاجتماعية الاقتصادية في الدول النامية. كما شهدت تطورا كبيرا من حيث المساحة، فبينما كانت تُقام في السابق على مساحات محدودة أصبحت تقام حاليا على مساحات شاسعة، بل أصبحت تشمل مدنا أو موانئ بأكملها، وبهذا اتخذت المناطق الحرة شكلها الحديث في الآونة الأخيرة فأصبحت مناطق تصدير صناعية. كذلك شهد حجم الامتيازات والإعفاءات التي تحصل عليها هذه المناطق تطورا كبيرا، فرغبة من الدول في جذب رؤوس الأموال للعمل بالمناطق الحرة أصبحت اليوم تتسابق في منح الامتيازات والإعفاءات المختلفة للاستثمار في المناطق الحرة.[1]

ثانيا: مفهوم المناطق الحرة

تعكس الدراسات المتعلقة بالمناطق الحرة عدم توفر إجماع على تسمية واحدة لهذه المناطق، حيث يميل البعض إلى استخدام مفهوم "المناطق الحرة"، ويميل آخرون إلى استخدام مفهوم "المناطق الجمركية الحرة"، بينما يستخدم آخرون "مناطق العبور"، يستخدم فريق آخر مصطلح المنطقة الاقتصادية الخاصة. ويختلف مفهوم المناطق الحرة عن بعض المفاهيم الأخرى قريبة الشبه مثل: "الأسواق الحرة"، و"مناطق التجارة الحرة"، و"الأنظمة الجمركية" الأخرى كنظام الدورباك، و"الإعفاء المؤقت" وغيرها من النظم التي تعمل على تنشيط التجارة الدولية ولكنها في طبيعتها تختلف عن المناطق الحرة.

ويرجع اختلاف الباحثين بشأن تحديد وضبط مفهوم المناطق الحرة إلى اتساع وتطور أنشطة المناطق الحرة، وتعدد وتنوع أهدافها بتعدد واختلاف الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من هذه المناطق. أيضا لم تضع القوانين والتشريعات التي نظمت العمل في المناطق الحرة تعريفا محددا وإنما وضعت مجموعة من القواعد والأسس للعمل بها داخل تلك المناطق.

ويعرفها البنك الدولي بأنها "مناطق تقام على مساحات من 10 إلى 300 هكتار مخصصة للصناعات التصديرية، وتعمل هذه الصناعات من خلال سياسات وبيئة تتميز بالحرية والشفافية"[2].

أما المنظمة العالمية للمناطق الحرة للصناعات التصديرية فتعرفها بأنها "كل القطاعات المسموح لها من طرف الحكومات مثل: الموانئ الحرة، المناطق التجارية الحرة، المناطق الجمركية الحرة، المناطق الصناعية الحرة، أو كل نموذج آخر للمناطق بما فيها تلك التي تتوجه للتجارة الخارجية"[3].

وفي هذا السياق، يمكن تحديد عدد من العناصر أو السمات الأساسية الواجب توافرها لتحديد المقصود بالمنطقة الحرة، وهي[4]:

- المساحة الجغرافية (جزء من أرض الدولة): فلابد من تحديد مساحة المنطقة جغرافيا وذلك الجزء من أرض الدولة الذي سيتم عليه مباشرة المشروعات للأنشطة المصرح بها داخل حدود تلك المنطقة. وغالبا ما تكون تلك المساحة بالقرب من أو بداخل أحد المواني البحرية أو الجوية أو المنافذ البرية للدولة، بمعني ارتباطها ببعض التسهيلات من خطوط الاتصال اللازمة من سكك حديدية أو خطوط جوية أو خطوط ملاحية دولية.

- عزل المنطقة الحرة عن الحدود أو الإقليم الجمركي للدولة: ويكون ذلك بإحاطة المنطقة بالأسوار، وأن تكون بطبيعتها محاطة بعوازل طبيعية (من مياه نهر أو جبال...إلخ)، حيث يُعامل ذلك الجزء كما لو كان خارجا عن إقليم الدولة وذلك من الناحية الجمركية أو من ناحية تطبيق بعض القواعد القانونية الخاصة عليه، فتعامل البضائع الواردة من المنطقة الحرة لداخل البلاد كما لو كانت مستوردة من الخارج تماما، وبالمثل صادرات الدولة المضيفة إلى المنطقة الحرة كأنها مصدرة إلى الخارج.

- الخضوع لسيادة الدولة المضيفة: بمعنى تطبيقالقواعد القانونية المعمول بها في الدولة المضيفة على المشروعات التي تقام داخل تلك المنطقة. وتختلف القواعد المنظمة للعمل داخل حدود تلك المناطق من حيث شدتها أو حجمها تبعا للسياسة التي تتبعها الدولة المضيفة حيال هذه المشروعات، وتبعا لنوع السلع والأنشطة التي يصرح بمباشرتها داخلها.

- الإعفاءات الضريبية والجمركية والإجرائية: يتم إعفاء واردات المشروعات المقامة داخل حدود المنطقة من الإجراءات الجمركية العادية، ومن الرسوم والضرائب الجمركية على الواردات والصادرات الخاصة بها. فيمكن لهذه المشروعات استيراد احتياجاتها من كافة أنواع السلع، فيما عدا الممنوع تداولها، وذلك بدون أداء الضرائب والرسوم الجمركية عليها، وبدون الخضوع للإجراءات الجمركية العادية أو للقيود الاستيرادية والتصديرية المتبعة في البلد المضيف. ويختلف حجم تلك الإعفاءات من دولة لأخرى.

- تحديد الأنشطة المصرح بمزاولتها داخل حدود تلك المناطق: يتم تحديد نوعية الأنشطة المصرح بها، من أنشطة تجارية أو صناعية أو تجارية وصناعية معا، وكذلك تحديد بعض النوعيات من مشروعات الخدمات اللازمة لسد احتياجات المشروعات المقامة داخل المنطقة، من مشروعات النقل، والتأمين، والشحن، والتفريغ ... إلخ.

- إعداد الموقع وتجهيزه بالمرافق العامة: لقيام المشروعات بمباشرة أنشطتها مثل: الكهرباء، والمياه، والصرف، والطرق، والاتصالات السلكية واللاسلكية.

وبصفة عامة، فإن المنطقة الحرة هي جزء من أراضي الدولة تدخل ضمن حدودها سياسيا، وتحدد مساحتها الجغرافية صراحة، وتعزل عن باقي أقاليم الدولة من خلال إقامة الأسوار العازلة حولها. وقد تقام في منطقة تكون بطبيعتها الجغرافية معزولة عن بقية الدولة عن طريق المياه أو الجبال، وهي تخضع لسيادة الدولة وسلطتها وتطبق عليها قوانين الدولة نفسها وينظم العمل بها قانون خاص . والسمة الرئيسة للمناطق الحرة هي قيام الدولة المضيفة بعدم تطبيق الضرائب أو القيود التجارية على المعاملات التجارية داخل وخارج المنطقة وعلى الأنشطة التي تجري داخلها .

ثالثا: أنماط المناطق الحرة في مصر

تنقسم المناطق الحرة إلى نمطين أساسيين هما: المناطق الحرة العامة، والمناطق الحرة الخاصة

1- المناطق الحرة العامة[5]: هي منطقة تخضع لسيادة الدولة، وتقع في أغلب الأحيان على أحد منافذها البحرية أو البرية أو الجوية، ويتم تحديدها بالأسوار لفصلها عن باقي إقليم الدولة. وتضم المنطقة العامة مجموعة من المشروعات الاستثمارية التي تقام للاستفادة من حوافز ومزايا الاستثمار في هذه المنطقة، وتقوم الدولة بتوفير البنية الأساسية اللازمة لممارسة النشاط داخل هذه المنطقة.

ويوجد في مصر 9 مناطق حرة عامة تتوزع جغرافيا على: الإسكندرية (العامرية) والقاهرة (مدينة نصر)، وبورسعيد، والسويس، والإسماعيلية، ودمياط، والمنطقة الإعلامية بمدينة 6 أكتوبر، وشبين الكوم (محافظة المنوفية)، ومنطقة قفط الحرة (محافظة قنا). والمناطق الحرة العامة المصرية مناطق غير متخصصة باستثناء المنطقة الإعلامية، حيث إن المنطقة الحرة الواحدة تضم عددا من مشروعات التخزين، والمشروعات الصناعية، والخدمية، والتمويلية دون أن تقتصر على نشاط واحد.

ووفق آخر البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لعام 2017 يبلغ عدد المشروعات بالمناطق الحرة العامة 905 مشروع، بإجمالي رؤوس أموال تبلغ 6.044 مليار دولار، وبتكاليف استثمارية تبلغ 14.9 مليار دولار، وأسهمت في توفير 98989 ألف فرصة عمل.

ومن نماذج المناطق الحرة العامة "المنطقة الحرة العامة بالسويس"[6]، التي أنشئت في إبريل 1975، على ثلاثة مواقع هي: منطقة بورتوفيق الملاصقة لميناء السويس البحري، ومنطقتي الأدبية، ومنطقة عتاقة على طريق السويس- السخنة، بهدف توفير بيئة أعمال متكاملة مع الاستفادة من شبكة متنوعة من المشروعات التي تقدم خدمات التوريد، والتصدير، والخدمات اللوجستية.

وتبلغ المساحة الإجمالية للمناطق الحرة العامة بالسويس 1217 كم مربع وبلغت نسبة الإشغال حتى عام 2017 نحو 65%، بمتوسط رأس مال 4 مليون دولار لكل مشروع. وبلغ متوسط الصادرات السنوية نحو 2 مليون دولار، ومتوسط فرص العمل حوالي 45 ألف فرصة عمل. وتستفيد هذه المناطق من الموقع الاستراتيجي المهم باعتبارها ميناء بحري وتجاري يطل على شمال خليج السويس. كما تعتبر مدينة السويس المنفذ الجنوبي لقناة السويس، ما يعكس توافر بنية أساسية ومرافق جيدة.

ويبلغ إجمالي عدد المشروعات العاملة بالمنطقة الحرة بالسويس 189 مشروعا (171 عامة، 18 خاصة) موزعة على النحو التالي: صناعي (75)، وتخزيني (25)، وخدمي (89). وقد بلغ إجمالي حجم نشاط المشروعات خلال عام 2017 حوالي 1019.2 مليون دولار مقارنة بالعام 2016 والذي بلغ نحو 1499 مليون دولار. كما بلغ إجمالي الصادرات الخدمية 564 مليون دولار أي بنسبة 55% من إجمالي صادرات المنطقة، في حين بلغت في عام 2016 نحو 448 مليون دولار أي بنسبة 30% من إجمالي صادرات المنطقة. بينما بلغ إجمالي الصادرات السلعية نحو455.2 أي بنسبة 45%، موزعة إلى إجمالي صادرات النشاط الصناعي والذي يبلغ 102.4 مليون دولار أي بنسبة 22% من إجمالي الصادرات السلعية، وإجمالي صادرات النشاط التخزيني 31.7 مليون دولار بنسبة 7%، وإجمالي صادرات النشاط الخدمي 321.0 مليون دولار بنسبة 71% مقارنة بعام 2016 والذي بلغ نحو1051 أي بنسبة 70%  موزعة إلى إجمالي صادرات النشاط الصناعي بنحو 124 بنسبة 12%، وإجمالي صادرات النشاط التخزيني حوالي 26 مليون دولار بنسبة 3%، وإجمالي صادرات النشاط الخدمي 901 مليون دولار بنسبة 86% من حجم النشاط[7].

أيضاً بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية نحو 65.8% من إجمالي الاستثمارات. وقد كانت أعلى جنسيات رؤوس الأموال استثمارا الهند بنسبة 17.8% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، يليها الصين بنسبة 13.5%، ثم موريشيوس بنسبة 13%. وهو ما يوضحه الجدول التالي[8]:

 

جدول رقم (1): الاستثمارات الأجنبية لعدد من الدول بالمنطقة الحرة العامة بالسويس في إبريل 2017

جنسيات رؤوس الأموال الأجنبية

الاستثمارات بالمليون $

% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية

الهند

41.3

17.8 %

الصين

31.1

13.5 %

موريشيوس

30.0

13.0 %

اليابان

28.4

12.3 %

تركيا

12.0

5.2 %

الهند

41.3

17.8 %

الإجمالي

152.2

65.8 %

المصدر:الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، قطاع المناطق الحرة، المنطقة الحرة العامة بالسويس، 2017.

وتتمثل أهم المشروعات بالمنطقة في "المصرية- الهندية" لإنتاج البولي استر برأس مال 57 مليون دولار، وموانئ دبي العالمية للسخنة برأس مال 50 مليون دولار، وجلاكسي للكيماويات برأس مال 30 مليون دولار.

وقد بلغ إجمالي فرص العمل التي توفرها مشروعات المناطق الحرة بالسويس حوالي 9353 بنسبة 80% من إجمالي فرص العمل التي يتم توفيرها موزعة إلى: فرص العمل التي توفرها مشروعات المناطق الحرة العامة 5634  بنسبة 62 % من إجمالي فرص العمل التي يتم توفيرها، وفرص العمل التي توفرها مشرعات المناطق الحرة الخاصة 3469 بنسبة 38% من إجمالي فرص العمل.

2- المناطق الحرة الخاصة: وتقتصر على مشروع واحد فقط إذا كانت طبيعة المشروع تستلزم ذلك  كأن يكون موقع المشروع مؤثرا بالنسبة لاقتصادياته (كالقرب من مصادر المواد الخام) أو يكون الموقع متفق مع طبيعة النشاط كمشروعات النقل البحري أو صوامع الإسمنت، أو أن تكون المساحة اللازمة لإقامة المشروع كبيرة بحيث لا يمكن توفيرها في إحدي المناطق الحرة العامة، أو أن ينتج عن المشروع تلوث بالبيئة المحيطة مما يقتضي إقامته في منطقة خاصة، أو أن يسهم المشروع في تنمية منطقة عمرانية جديدة طبقا لخطة الدولة. ويتمتع المشروع المقام بهذا النظام بنفس المزايا والحوافز والضمانات التي تتمتع بها المشروعات المقامة في المناطق العامة، ويكون الإشراف الإداري عليها من أقرب منطقة حرة عامة، ويمكن لأي مشروع أن يتحول للعمل بنظام المناطق الحرة الخاصة وذلك بشرط أن يكون المشروع قد بدأ نشاطه بالفعل وألا تقل صادراته عن 50% من إنتاجه[9].

وتشير البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار لعام  2017 إلى أن إجمالي عدد مشروعات المناطق الحرة الخاصة بلغ نحو 209 مشروعات، بإجمالي رؤوس أموال 5 مليارات دولار، وتكاليف استثمارية 11.3 مليار دولار. وقد أسهمت في توفير فرص عمل 82859 عامل.

رابعا: الإطار القانوني المنظم لعمل المناطق الحرة

لم تنتظم المناطق الحرة في تشريع قانوني إلا في عام 1952، حيث صدر القانون رقم 306 والذي نظم إقامة المناطق الحرة في مصر. وكان الهدف من هذا القانون تخفيف القيود الموضوعة على التجارة الخارجية، وتشجيع تجارة الترانزيت، وقيام بعض الصناعات مع عدم إخضاعها لقيود الإجراءات الجمركية إلا في أضيق الحدود. وفي عام 1963 صدر قانون الجمارك رقم 66 مشتملا على جزء خاص - الباب الرابع منه - بتنظيم المناطق الحرة، ثم صدر القانون رقم 51 لسنة 1966 بشأن تنظيم المنطقة الحرة في بورسعيد إلا أن تطبيقه توقف بسبب ظروف حرب 1967.

ومنذ بداية السبعينيات من القرن العشرين سعت الحكومة المصرية لاجتذاب رأس المال الأجنبي والعربي وتشجيعه على الاستثمار داخل مصر. في هذا الإطار، صدر قانون الاستثمار رقم 65 لسنة 1971 والمسمى بقانون "استثمار رأس المال العربي والمناطق الحرة"، وأنشئت هيئة تتولى شئون الاستثمار في مصر، وأكدت الدولة من خلال هذا القانون احترامها  الكامل لحقوق الملكية الفردية، وعدم قيامها بأي نوع من التأميم أو المصادرة أو فرض الحراسة على الملكيات الأجنبية. وقد سمح هذا القانون بإقامة نوعين من المناطق الحرة هما: المناطق الحرة العامة، والمناطق الحرة الخاصة[10].

وفي عام 1974 قامت الدولة بإصدار القانون رقم 43 في شأن رأس المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، ثم تلته مجموعة من التعديلات والقوانين التي كانت تسعى كلها وراء هدف أساسي ألا وهو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، حيث تم إدخال مجموعة تعديلات على القانون 43 لسنة 1974 وذلك بموجب القانون رقم 32 لسنة 1977، وظل القانون 43 – وتعديلاته- يحكم مناخ الاستثمار في مصر حتى تم إصدار القانون رقم 230 لسنة 1989 والمسمى بقانون الاستثمار، ثم قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997. وتم إضافة باب رابع له تحت مسمى تيسير إجراءات الاستثمار وذلك بالقانون رقم 13 لسنة 2004. ووفقا لهذه القوانين يتم إقامة المشروعات الاستثمارية من خلال نظامين لكل منهما شروطه وفلسفته التي تشجع وتجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، وهذان النظامان هما: نظام الاستثمار داخل البلاد، ونظام المناطق الحرة[11].

ويمكن القول إن التعديلات التي أدخلت على قانون الاستثمار رقم 8 لعام 1997(القانون 14 لعام 2004) جعلت "الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة" الجهة الوحيدة التي يرجع لها المستثمر للحصول على الموافقة على مشروعاته المقترحة. وتتنوع الخدمات التي تقدمها الهيئة ما بين تسجيل الشركات، والمساعدة في تحديد المواقع والشركاء، وكذلك المساعدة في توفير العقود وتراخيص الملكية.

وعلى الرغم من تعدد القوانين والتعديلات التي أدخلت عليها،إلا أن الاستثمار في المناطق الحرة بمصر يتمتع بالعديد من المزايا والحوافز أهمها: عدم وجود قيود على جنسية رأس المال، وحرية اختيار الشكل القانوني للمشروع، وكذلك حرية تحديد أسعار المنتجات، ونسبة الأرباح، بالإضافة إلى إعفاء الأصول الرأسمالية، ومستلزمات الإنتاج والصادرات والواردات من الضرائب الجمركية، وضريبة المبيعات، وغيرها من الضرائب والرسوم. كما تُمنح المشروعات القائمة بالمناطق الحرة عدد من الضمانات أبرزها: عدم جواز تأميمها أو مصادرتها أو التحفظ عليها أو نزع ملكية عقاراتها من غير الطريق القضائي.

وأخيرا، صدر قانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017، والذي شهد حالة من الجدل حول الإبقاء على المناطق الحرة أو إلغائها[12]. بيد أن المناقشات النهائية انتهت إلى ضرورة الإبقاء عليها باعتبارها أحد أهم مصادر الدخل، مع ضرورة فرض المزيد من الرقابة للقضاء على الخسائر التي يمكن أن تنتج عن التهريب بتلك المناطق. وينظم الباب الرابع الخاص بـ"المناطق الاستثمارية والتكنولوجية والحرة " من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد عمل هذه المناطق، حيث يكون إنشاء المنطقة الحرة التي تشمل مدينة بأكملها بقانون. ولمجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص وبعد موافقة مجلس إدارة الهيئة، إنشاء مناطق حرة عامة لإقامة المشروعات التي يرخص بها، أيا كان شكلها القانوني، والتي تهدف بالأساس إلى التصدير خارج البلاد. ويجب أن يتضمن القرار الصادر بإنشاء المنطقة الحرة بيانا بموقعها وحدودها. ويتولى إدارة المنطقة الحرة العامة مجلس إدارة يصدر بتشكيله وتعيين رئيسه قرار من الرئيس التنفيذي للهيئة باعتماد من الوزير المختص. كما يجوز لمجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص الموافقة على إنشاء مناطق حرة خاصة تقتصر كل منها على مشروع أو أكثر في أنشطة مماثلة متى اقتضت طبيعتها ذلك. وتنظم اللائحة التنفيذية سائر أوضاع العمل بالمناطق الحرة الخاصة بما يضمن حسن قيامها بأعمالها. كما شمل الباب الرابع الموافقة على التعديلات في أنظمة الشركات وأشكالها القانونية، واقتراح الحلول للمشكلات التي تواجه مشروعات المناطق الحرة وتذليل الصعوبات أمامها بما يكفل تنفيذ سياسة الهيئة في تشجيع وجذب الاستثمارات.

كما أن الموافقة على إقامة مشروعات المناطق الحرة الخاصة تتضمن وجود موقع ملائم لنشاط المشروع داخل المناطق الحرة العامة، وأن يكون الموقع المطلوب للمنطقة الحرة الخاصة هو العامل المؤثر بالنسبة لاقتصاديات المشروع. كما يتطلب مشروع المنطقة الحرة الخاصة اتخاذ شكل شركة مساهمة أو شركة ذات مسئولية محدودة، وألا يقل رأس المال المصدر للمشروع عن عشرة مليون دولار، وألا تقل تكاليفه الاستثمارية عن عشرين مليون دولار أو ما يعادله بالعملات الحرة. وتتضمن شروط المنطقة الحرة الخاصة ألا تقل العمالة الدائمة بالمشروعات الصناعية عن خمسمائة عامل، وألا تقل مساحة المشروع عن عشرين ألف متر مربع، وألا تقل نسبة المكون المحلي عن 30%، وألا تقل نسبة التصدير إلى خارج البلاد عن 80%، ويجوز الاستثناء من هذه النسبة في حالة المشروعات الاستراتيجية ذات الأهمية الخاصة. وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات نقل البضائع وتأمينها من بدء تفريغها حتى وصولها إلى المناطق الحرة وبالعكس. ويكون الاستيراد من المناطق الحرة إلى داخل البلاد طبقا للقواعد العامة للاستيراد من الخارج.

ومن أهم الامتيازات التي وفرها القانون إعفاء المشروعات من الضرائب الجمركية والضريبة العامة على المبيعات وغيرها من الرسوم، حيث لا تخضع هذه المشروعات إلا لرسم سنوي في حدود 1% من قيمة السلع الداخلة للمنطقة أو الخارجة منها لحساب المشروع، أو 3% من القيمة المضافة التي يحققها المشروع في حالة المشروعات الخدمية. ويسمح القانون للمشروعات العاملة بتحويل أرباحها أو إعادة خروج رأس المال الأصلي للمشروع دون قيود.

إن التعديلات المتعاقبة للقانون 8 لسنة 1997 بضمانات وحوافز الاستثمار، وصولا إلى قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 تثير تساؤلا حول مدى تحقيق الاستقرار التشريعي المطلوب. حيث إن نقص التشريعات الجيدة لم يكن المشكلة الأساسية للبيئة الاستثمارية في مصر. وإنما كان المعوق  الرئيسي – ولا زال – هو أدوات التطبيق التي لا تترجم القوانين السارية على أرض الواقع على النحو المطلوب. كما أن أداء الشباك الواحد- ولاحقا النافذة الاستثمارية- لن يتحسن بمجرد تغيير اسمه إلى "مركز خدمات المستثمرين" وإنما يحتاج الأمر إلى تفعيل قدرته على متابعة خدماته للمستثمرين بالسرعة المطلوبة.

خامسا: مؤشرات أداء المناطق الحرة في مصر

تطورت المناطق الحرة في مصر منذ نهاية السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، حيث شهدت إقبالا على إقامة مشروعات التخزين والنقل البحري إلى جانب بعض المشروعات الصناعية، خاصة في مجال النسيج والملابس الجاهزة. وكانت مشروعات التخزين توجه معظم صادراتها إلى السوق المحلي حيث كانت توفر احتياجات البلاد من السلع والخدمات الحيوية التي تستوردها مثل: حديد التسليح والأخشاب، والإسمنت، والمواد الطفلة التي تحتاج إليها الشركات العاملة في مجال التنقيب عن البترول. وقد كان هذا الاتجاه مقبولا في بداية الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي على اعتبار أن عبء توفير هذه السلع والخامات كان يقع على عاتق الدولة[13].

ومنذ منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات من القرن العشرين انتهجت هيئة الاستثمار والمناطق الحرة سياسة الحد من مشروعات التخزين، والترويج لإقامة مشروعات التجميع والتصنيع والتي تهدف إلى تصدير منتجاتها أو نسبة منها إلى خارج البلاد. وقد شهدت هذه المرحلة إقامة صناعات هندسية، وغذائية، وكيماوية ودوائية.

1- دور المناطق الحرة في زيادة الصادرات[14]: كان الهدف وراء معاملة المناطق الحرة في مصر– العامة والخاصة- معاملة جمركية مختلفة عن باقي أجزاء الدولة، هو إزالة المعوقات التي قد تعترض سبيل المستثمرين، وتسهيل عملية استيراد السلع وتصنيعها ثم إعادة تصديرها مرة أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى خلق قيمة مضافة عالية وزيادة الصادرات، ومن ثم يسهم في زيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي. وقد بلغت قيمة الصادرات السلعية الإجمالية حتى مارس2017 حوالي 2027 مليار دولار. بيد أن نسبة كبيرة من تلك الصادرات قد استهدفت السوق المحلي وليس الأسواق الخارجية، نظراً لسهولة واتساع السوق من ناحية، ولعدم الإلمام الكافي بالأسواق الخارجية، ولضعف القدرة على المنافسة من ناحية أخرى. وهو الأمر الذي قد يؤثر على المنتجات المحلية، حيث يعرضها لخطر المنافسة غير المتكافئة مع منتجات المناطق الحرة مما يعني أن  أحد أهم الأهداف التي أنشئت من أجلها المناطق الحرة لم يتحقق.

2- دور المناطق الحرة في جذب الاستثمارات الأجنبية: يعكس توزيع الاستثمارات في المشروعات المقامة بنظام المناطق الحرة حدوث تحول كبير في الأهمية النسبية لجنسيات رؤوس الأموال المستثمرة في هذه المناطق، فخلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين احتلت رؤوس الأموال العربية موقع الصدارة، تلتها رؤوس الأموال المصرية ثم الأجنبية، وبحلول عام 2000 أصبحت الاستثمارات المصرية تحتل المرتبة الأولى، ثم الاستثمارات الأجنبية، وفي المرتبة الثالثة تأتي الاستثمارات العربية. ويرجع انخفاض نسبة المساهمات العربية في المشروعات المقامة في المناطق الحرة بالمقارنة بعقد الثمانينيات وفترة منتصف التسعينيات من القرن العشرين إلى تركز أغلب الاستثمارات العربية في مشروعات تخزينية والتي انخفضت نتيجة التزام الهيئة بعدم إعطاء الموافقة على مشروعات تخزين جديدة ما لم تكن قادرة على التصدير إلى الخارج. وفي عام 2017 بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة حوالي 2 مليار دولار. ويعكس تراجع نسب المساهمات العربية والأجنبية في المشروعات المقامة داخل المناطق الحرة في مصر انخفاض جاذبية هذه المناطق بالنسبة للاستثمارات الأجنبية عموما والعربية بصفة خاصة، وهو الأمر الذي قد يعزي أساسا إلى تزايد أعداد المناطق الحرة على مستوى العالم، وتزايد حدة المنافسة بينها لاجتذاب الاستثمارات العالمية.

3- دور المناطق الحرة في جذب التكنولوجيات الحديثة: تعمل المناطق الحرة كنوافذ للتكنولوجيا وذلك من خلال جذب تكنولوجيات متقدمة، واستخدام أساليب إنتاج حديثة. ولا يوجد معيار محدد ووحيد لتحديد مدي نجاح المناطق الحرة في جذب التكنولوجيات الحديثة ولكن يمكن القول إنه كلما زاد عدد المشروعات الصناعية كلما زادت فرص استقدام التكنولوجيات المتقدمة، وكلما كانت المنتجات عالية التخصص دل ذلك على استخدام تكنولوجيا متقدمة. ويعد تزايد نسبة المشروعات الصناعية إلى المشروعات الأخرى شرطا ضروريا وليس شرطا كافيا لجذب التكنولوجيا المتقدمة. بعبارة أخرى، يجب أن تعمل نسبة لا بأس بها من هذه المشروعات في مجالات التكنولوجيا العالية. فبينما أدخلت مصر أنشطة الشركات التمويلية، والسياحية، والخدمية كالنقل البحري، قامت المنطقة الحرة في "جبل علي" في دولة الإمارات العربية المتحدة بإدخال خدمات السوق الإلكترونية للتجارة باستخدام تكنولوجيا الإنترنت وخدمات الإعلام والمصارف[15].

4- دور المناطق الحرة في استيعاب العمالة: تمثل المناطق الحرة أحد الحلول التي يمكن الاعتماد عليها في تقليل معدلات البطالة في الدول التي تعاني من هذه المشكلة؛ فالمناطق الحرة بما تضمنه من مشروعات تكون قادرة على استيعاب قدر من العمالة التي تنضم لسوق العمل سنويا. وقد حققت المناطق الحرة العامة والخاصة في مصر نسبة 62% من المستهدف من فرص العمل.

 

جدول رقم (2): الموقف الراهن لأداء المناطق الحرة في مصر

البيان

2017 / 2018

عدد المناطق الحرة العامة

9 مناطق

عدد المشروعات (عامة، وخاصة)

1114 مشروع

رؤوس أموال مشروعات المناطق الحرة

11 مليار دولار

الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI

2 مليار دولار

التكاليف الاستثمارية

26 مليار دولار

فرص العمل

182 ألف عامل

الصادرات السلعية الإجمالية

2027 مليون دولار

الصادرات الخدمية

1885 مليون دولار

الصادرات الخارجية

1051 مليون دولار

الرسوم المحصلة

44.2 مليون دولار

المصدر: الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، قطاع المناطق الحرة، 2017.

بدا واضحا أن المناطق الحرة المصرية تتعرض للعديد من التحديات بالنظر إلى المشكلات التي تواجه عملها، ومن ثم تقلل العائد منها ، حيث يصاحب عمل هذه المناطق بعض السلبيات ، أهمها: إمكان حدوث تحول في بعض هذه المناطق الحرة من التصدير للخارج إلى تهريب السلع للداخل، مما يؤدي إلى الإضرار بالإنتاج المحلي المماثل ، إلى جانب إمكانية سيطرة رؤوس الأموال من جنسية معينة على المشروعات داخلها، وقيامها بممارسة ضغوط على الحكومة الوطنية . من ذلك أيضا استخدام هذه المناطق كمعبر لتهريب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج بسبب وجود حرية تامة لتحويلات الأرباح إلى الخارج في هذه المناطق ، بالإضافة إلى غياب جهاز رقابي فعال على المناطق الحرة. كما ترتب على حرية الشركات الأجنبية في إدارة العمالة بالمنطقة الحرة تغيير في هيكل العمالة السائد في المجتمع وفقا لاحتياجاتها الخاصة، حيث يتزايد اعتماد مشروعات المناطق الحرة على العمالة المؤقتة على اعتبار أنه نظام عمالة مرن يستجيب للتغيرات في الطلب على العمالة ، مما أدى إلى حرمان الصناعات الوطنية من الكوادر الفنية المدربة .

ختاما يمكن القول إن خبرة المناطق الحرة تؤكد أن فرص نجاح هذه المناطق يرتبط بعوامل عديدة، فبالإضافة إلى شروط الاستقرار الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي بالدولة المضيفة، لابد من توافر أطر قانونية وتشريعية دقيقة وواضحة في التطبيق . ولتفعيل دور المناطق الحرة وزيادة كفاءتها يُراعى تحديد الهدف من إقامة هذه المناطق بدقة ووضوح، وتحديد مجالات النشاط التي يُصرح بالعمل فيها لهذه المشروعات في ضوء الهدف من إقامة المناطق الحرة والخطة العامة للدولة. هذا إلى جانب وضع الأسس السليمة لدراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعات المنطقة، واختيار كفاءات إدارية قادرة على اتخاذ القرارات السليمة فيما يخص إدارة المنطقة، مع مراعاة الحوافز والضمانات التي تقدمها الدول الأخرى للمنافسة في جذب الاستثمارات الأجنبية. أضف إلى ذلك ضرورة تكامل التشريعات المنظمة للعمل بالدولة من قوانين الاستثمار الأجنبي والضرائب مع التشريعات المنظمة للعمل بالمنطقة الحرة حتى لا تحدث ازدواجية فيما بينها وحتى يتوافر المناخ الاستثماري الملائم للمشروعات المزمع اجتذابها للمنطقة،  بالإضافة إلى أهمية التواصل والتعاون وتبادل الخبرات بين المناطق الحرة العربية والأجنبية .، فضلا عن ضرورة توافر قاعدة معلوماتية للمستثمرين للإلمام بالمعلومات الخاصة بفرص الاستثمار في مصر .


[1] د. جمال السحراوي، المناطق الحرة في العالم .. دراسة مقارنة، قطاع المناطق الحرة بالهيئة العامة للاستثمار القاهرة: د.ن، 1980، ص 10.

[2] World Bank, "Export Processing Zones Policy and Research Series",Washington,DC,1992,P.2.

[3] المنظمة العالمية لمناطق التصدير الحرة  World Economic Processing Zones Association 

[4] أحمد نبيل محمد الجداوي، "دور المناطق الحرة في التنمية الاقتصادية العالمية والتجارة الدولية"، ورقة عمل مقدمة في الملتقى العربي الثاني حول إدارة المناطق الحرة: أثر اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والدولية على أنشطة المناطق الحرة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، القاهرة 14-18 مايو 2006، ص ص 7-12.

[5] الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، مركز المعلومات والتوثيق، التقرير الإحصائي السنوي، 2015ص 72.

[7] الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، قطاع المناطق الحرة، المنطقة الحرة بالسويس، 2017،.

[8] المرجع السابق.

[9] وزارة الإعلام، الهيئة العامة للاستعلامات، الاستثمار في مصر محور التنمية، القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، يناير 2003.

[10] رأفت فخري رزق، دليل المستثمر للمشروعات المشتركة في شركات استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، القاهرة: د.ن، 1980، ص ص 20-25.

[11] القانون رقم 13 لسنة 2014.

[12] قانون الاستثمار الجديد رقم 72 لسنة 2017.

[13] د. محمودي مراد، التطورات العالمية في الاقتصاد الدولي.. النظرية العامة للمناطق الاقتصادية الحرة (القاهرة:دار الكتاب الحديث، 2002) ص ص31-33.

 [14]معهد التخطيط القومي، "دور المناطق الحرة في تنمية الصادرات"، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية، رقم (104) أكتوبر 1996، ص 3.

[15] حمدي برغوث، دراسة تحليلية للمناطق الحرة بجمهورية مصر العربية: مع التركيز على النقل والصناعة، الإسكوا، مايو 2001.


رابط دائم: