تشهد الاستانة عاصمة كازاخستان اليوم 23 يناير 2017 فعاليات مؤتمر دولى – إقليمى حول الأزمة السورية وتسويات مرحلة ما بعد سقوط حلب؛ وقد سبق المؤتمر إعلان كل من روسيا وتركيا وإيران عن التوصل لصيغة لوقف إطلاق النار بين طرفى الصراع السورى تمهيدا لعودة مسار جنيف التفاوضى خلال فبراير القادم.
تعددت الرؤى بشأن الأهداف التى يسعى المؤتمر لتحقيقها وبشأن الأطراف والقوى المشاركة فيه؛ فبالنسبة للأهداف يسعى المشاركون إلى تثبيت عملية وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة التى أصبحت سارية المفعول منذ 29 ديسمبر 2016، والعمل على توسيع دائرة الانضمام للهدنة أمام فصائل مسلحة أخرى من فصائل المعارضة السورية باستثناء تلك التى تصنفها الأمم المتحدة ضمن قوائم الإرهاب، ووضع الخطوط العامة لمسار العملية التفاوضية القادمة، كما من المتوقع أن يناقش المؤتمر مقترحا مهما بشأن "وضع ضمانات دولية جادة " تكفل استمرار الهدنة ومراقبتها عبر آلية دولية تقضى بإرسال مراقبيين دوليين وقوات أممية لمراقبة مسار وقف إطلاق النار، ومن المتوقع أن تكون هوية تلك القوات محل جدل بين المشاركين؛ فثمة تكهنات بأن تُشكل تلك القوات من القوى الدولية والإقليمية المعنية مباشرة بالصراع السورى؛ باعتبارها تمتلك آليات للضغط المباشر على طرفى الصراع ما يمكنها من معالجة خروقات الهدنة بصورة أكثر فعالية.
وعلى مستوى الحضور؛ تشارك الحكومة السورية بوفد دبلوماسى عسكرى، فى المقابل تشارك الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السياسية، كما تشارك المعارضة المسلحة العاملة على الأرض مشاركة مباشرة، وبالتحديد تلك التى كانت تتمتع بمساندة تركيا ولا تندرج ضمن قوائم الإرهاب، وتأتى تلك المشاركة بعد موافقة روسيا فى سياق حالة التقارب والتفاهم التركية الروسية، وكنتيجة لاجتماع بعض قادة فصائل المعارضة المسلحة مع خبراء روس فى أنقرة، وكذلك من باب كون تلك الفصائل هى المؤثرة فعليا فى الوضع الميدانى. وقد رفضت بعض قوى المعارضة المسلحة المشاركة نتيجة استمرار خرق قوات النظام لاتفاق الهدنة فى وادى بردى بريف دمشق وبعض مناطق محافظة إدلب. وفى إطار تمثيل الأكراد السوريين رفضت أنقرة مشاركة ممثلى حزب الاتحاد الديمقراطى السورى وذراعه العسكرية قوات وحدات حماية الشعوب الكردية، بينما وافقت على مشاركة ممثلى المجلس الوطنى الكردى مستغلة حالة الخلاف بين الحزبين المذكورين، وضمنت فى الوقت نفسه عدم احتجاج الولايات المتحدة على عدم تمثيل الأكراد باعتبارها الداعم الأكبر لهذا المكون فى منطقة المشرق العربى.
أما بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية؛ فهناك روسيا التى رغبت فى ترجمة الانتصارات العسكرية لمعركة حلب سياسيا ببدء مسار تفاوضى جديد بين كافة الأطراف يضمن مكتسباتها فى سوريا، ويضمن كذلك ترشيد الدور الإيرانى الجامح وتقليص نفوذه، وتؤيد بشدة مقترح وجود قوات لمراقبة الهدنة ضمن خطة أممية. كما توجد تركيا التى غيرت موقفها بخروجها من المعسكر الداعم للمعارضة مقابل مصالحها مع روسيا، والتى يمكن تلخيصها فى مقايضة مساندتها للمعارضة السورية المسلحة بعملية درع الفرات فى شمال سوريا ضد الأكراد تحديدا، وقبولها المقاربة الروسية تجاه تسوية تتم عبر توزيع الأدوار وتقاسم المصالح والنفوذ على الأرض.
كذلك تشارك إيران صاحبة التأثير الأقوى على النظام السورى وتمتلك ميليشيات شيعية على أرض الصراع الميدانى، وقد عارضت اتفاق الهدنة الأخير فى بادئ الأمر لتوجسها بشأن وجود تفاهمات روسية تركية غير معلنة تجاه سوريا، مبررة هذا التوجس بموافقة روسيا على توغل القوات التركية فى الشمال السورى عبر عملية درع الفرات واقترابها من مدينة الباب، وهو ما يقلق إيران لأنه سيكرس من النفوذ التركى العسكرى بالداخل السورى، الأمر الذى سيكبح من عملية الاستحواذ الإيرانى الكامل على النفوذ والسيطرة فى سوريا.
وفى السياق نفسه دعت موسكو الإدارة الأمريكية الجديدة للمشاركة فى المؤتمر، الأمر الذى لاقى اعتراضا إيرانيا شديدا، على خلفية تصريحات الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب بشأن سياسات إيران وبشأن الاتفاق النووى؛ حيث أكدت طهران حرصها على الإطار الثلاثى لرعاية المفاوضات بين النظام والمعارضة فى المرحلة الحالية، كما عارضت دعوة دول الخليج وتحديدا السعودية للمؤتمر. ثمة توقعات بأن لا يقدم المؤتمر جديدا بشأن بناء مسار سلمى للأزمة السورية لشدة التعقيدات العسكرية على الأرض، وهى توقعات لا تنفى وجود خرق إيجابى يتمثل فى تقارب وجهات النظر بين تركيا وروسيا، وما قد ينتج عنه من انعكاسات على المعالجة السياسية المأمولة، وعلى تعاطيات الشريك الإيرانى ودوره فى تلك المعالجات، لاسيما فى ظل الحرص الروسى التركى على إنجاح الهدنة، والخروج باتفاق مبادئ يمهد لمسارات تفاوضية مقبلة فى جنيف.