يبدو أن إيران مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشهد استحقاقات سياسية واستراتيجية مهمة، سواء على صعيد التوازنات السياسية الداخلية، أو على مستوى التفاعلات الإقليمية والعلاقات الدولية، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الإيرانية في مايو 2017، والتي يعول فيها الرئيس روحاني على ما يعتبره "إنجازا" في الاتفاق النووي، فيما يتحفز خصومه السياسيون لاستغلال العقوبات الأمريكية من أجل إضعاف فرصه وفرض مزيد من الضغوط عليه، إلى جانب تزايد احتمالات تبني إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سياسة أكثر تشددا تجاه إيران، وربما دخولها في خلاف أو صراع مع روسيا على خليفة التباين في التعامل مع تطورات الصراع في سوريا.
هذه التحولات في مجملها كانت محط اهتمام من جانب مجلة "مختارات إيرانية" في العدد 189 (سبتمبر وأكتوبر 2016) حيث تناولتها عبر أقسامها المختلفة.
فقد جاءت افتتاحية المجلة التى قدمها الأستاذ محمد عباس ناجى (رئيس تحرير المجلة) تحت عنوان "هل تندم حكومة روحانى على الوصول للاتفاق النووى؟"، وناقش خلالها الضغوط التى تواجهها الأطراف المتعددة داخل مؤسسات الدولة الإيرانية بسبب الإجراءات التى اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
فقد توقعت حكومة الرئيس حسن روحانى أن الاتفاق النووى دائم ولن تستطيع أية إدارة أمريكية قادمة التمرد عليه، أو وضع عقبات عديدة أمام استمرار العمل به. كما أنها اعتقدت أن هذا الاتفاق سوف يساعدها أولاً على الاستمرار فى السلطة ربما لأربعة أعوام أخرى، على أساس أن تسوية الأزمة النووية سوف تدعم فرص الرئيس روحانى فى الفوز بفترة رئاسية ثانية. لكن وصول ترامب إلى السلطة، مع تزايد تأثير الحزب الجمهورى داخل الكونجرس الأمريكى، يدعم فرص حدوث تغيير بارز فى السياسة الأمريكية باتجاه قد لا يتوافق مع طموحات روحاني.
إلى جانب ذلك، بدأ بعض المسئولين الإيرانيين فى توجيه إشارات متعددة إلى أنه كان من الممكن الوصول لاتفاق نووى أفضل من المتاح حالياً. فقد اعترف بعض المسئولين الإيرانيين بأنهم نادمين على إهدار فرصة كان من الممكن أن تنجز إيران من خلالها صفقة نووية تتضمن مكاسب أكبر وتعهدات أكثر إلزاماً للأطراف الأخرى من أجل عدم الالتفاف على الاتفاق النووى أو محاولة عرقلته. كما أن فريق التفاوض النووى وحكومة الرئيس روحانى باتت تدرك أن الاتفاق النووى ربما يتحول من فرصة إلى تحد لها فى الفترة القادمة، التى سوف تشهد استحقاقاً سياسياً مهماً يتمثل فى الانتخابات الرئاسية التى سوف تجرى فى مايو 2017.
ويقدم الدكتور محمد السعيد إدريس مستشار المجلة دراسة بقسم "آفاق إيرانية" تحت عنوان "حسابات إيرانية معقدة فى الملف النووى مع إدارة ترامب". يتناول فيها المواجهة المتجددة بين إيران والولايات المتحدة حول الاتفاق النووى الإيرانى، وتداعيات تغيير الإدارة الأمريكية على إيران، حيث اعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد على خامنئى أن تمديد العقوبات الاقتصادية على إيران من جانب الولايات المتحدة يعتبر "مرحلة أكثر خطراً من مرحلة الإعلان عنها، لأن التمديد يأتى بعد التوصل إلى الاتفاق النووى". كما أن قرار إيران بالعودة الكاملة إلى ما قبل الاتفاق النووى محكوم عليه بعوامل إيرانية داخلية بعضها سياسى والآخر اقتصادى والثالث تقنى، كما تحكمه عوامل خارجية أخرى وخاصة موقف القوى الدولية الداعمة لإيران وبالذات الحليف الروسى والصين.
ويرى دكتور إدريس إن خيار الصدام الأمريكى مع إيران يجد ما يغذيه الآن ليس فقط داخل الكونجرس ولكن أيضاً الحكومة الإسرائيلية التى تسعى إلى وضع طهران أمام خيارين: إما تقديم تنازلات وبالذات بالنسبة لقدراتها الصاروخية الباليستية، وتنازلات فى الأزمات الإقليمية خاصة فى العلاقات مع سوريا وحزب الله مقابل التزام واشنطن بالاتفاق أو دفع واشنطن للانقلاب على الاتفاق والعودة إلى سياسة حافة المواجهة. وتأكيداً لهذا التوجه أفصح بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى أنه سيدعو الرئيس الأمريكى المنتخب عند لقائه معه إلى إلغاء الاتفاق النووى مع إيران. ولكن حسابات ترامب معقدة، لذلك فإن القرارات الخاصة بالاتفاق النووى ستبقى مؤجلة إلى حين شروع الإدارة الجديدة فى تفعيل ملفاتها الخارجية وخاصة فى الشرق الأوسط.
بينما يستعرض قسم "دراسات" دراسة مهمة تناولت التنافس الإيرانى التركى السعودى وأثر ذلك على أمن المنطقة ، فى حين جاءت قضية العدد تحت عنوان "المعارضة تفتح النار على المرشد الإيرانى خامنئى". ويناقش فيها الأستاذ الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن مستشار المجلة الصدام الإعلامى الذى حدث بين هاشمى رفسنجانى وأنصاره وبين المرشد الأعلى خامنئى وأنصاره.
أما القسم الخاص بـ"الشئون الداخلية" فيتضمن مقالين: قدم الأول عرضاً للجهود التي بذلها فريق التفاوض النووي ومساعيه لتمرير الاتفاق النووي والدفاع عنه داخل إيران، ودعا حكومة روحاني إلى التعلم من درس العقوبات الأمريكية لعدم تكرار ما حدث من أخطاء. بينما بحث الثانى موقف كل من الحزبين الجمهورى والديمقراطى تجاه إيران حيث رأى أن قلق الإصلاحيين من انتخاب ترامب لم يكن إلا "رهاب مصطنع".
كما ناقش الأستاذ الدكتور يحيى داود عباس فى قسم "مداخلة" دور الشعر فى الحفاظ على اللغة الفارسية.
وتركزت موضوعات القسم الخاص بـ "التفاعلات الإقليمية" على عدد من القضايا يعد أهمها ما سوف يقوم به ترامب إزاء الأكراد. كما قدم ملاحظات وأسئلة حول قانون الحشد الشعبى. وتقييم أثر مشروع "السيل التركى" على إستراتيجية موسكو وأنقرة فى سوريا. أيضاً ما قامت به إيران بشأن ترسيم الحدود البحرية التى تعد الخطوة الأهم بعد الاتفاق الإطارى الشامل. والبحث حول من الرابحون ومن الخاسرون بعد انتخابات الرئاسة اللبنانية. كما تمت مناقشة سيناريو تقسيم سوريا ومستقبل الموصل بعد انسحاب "داعش" منها.
أيضاً يتناول قسم "السياسات" الموقف الإيرانى من مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وترصد "الزاوية الاجتماعية" فى هذا العدد تقريراً بعنوان "تأثير الصراعات الإقليمية على أكراد إيران"، حيث ينناقش وضع الأكراد فى الداخل الإيرانى وتداعيات التطورات الإقليمية عليهم.
واهتم قسم "العلاقات الدولية" بتحليل نتائج الانتخابات الأمريكية على صعيد تأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران. كما قدم تقييما لمستقبل العلاقات التجارية بين بريطانيا والهند بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبى. وفرص دعم التعاون بين إيران وسلوفينيا. ونشر تقريرا بعنوان "فيدل كاسترو ونصف قرن من المواجهة الثورية ضد الولايات المتحدة".
ونظراً لما تحظى به الأغانى الشعبية والمحلية من اهتمام كبير لكونها تعبر عن البيئة المحلية خير تعبير، قدم الأستاذ الدكتور محمد نور الدين من خلال "الزاوية الثقافية" السيرة الذاتية لأستاذة الغناء الشعبى الإيرانى "سيما بينا".
واختتم العدد من خلال قسم "رؤى عربية" بتقرير بعنوان "هل تكون أفغانستان ساحة جديدة للصراع بين طهران وإيران؟"، من حيث إدراك القوتين المتنافستين لأهمية أفغانستان وتداعيات عدم استقرارها على أمن ومصالح طهران.