أمل مختار

خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تناول الدكتور عبد العليم محمد المستشار العلمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى السيمنار العلمى للمركز والذى عقد يوم 16 يناير 2013 قضية "تحليل الخطاب"، وجاء عرض د.

عبد العليم منقسما إلى قسمين، الأول عرض نظرى لمفهوم الخطاب بشكل عام ومفهوم الخطاب السياسى على وجه الخصوص، ومناهج دراسة الخطاب السياسى.

أما القسم الثانى فعرض لبعض ملامح الخطاب الساداتى فى مراحله المختلفة.

القسم النظرى:

قدم الدكتور عبد العليم تعريفا لمفهوم الخطاب السياسى باعتباره "مجموعة من الأفكار والمبادئ والتصورات النظرية التى تحدد المثال المطلوب تحقيقه فى الواقع، وتربط الماضى بالحاضر وتربط الحاضر بالمستقبل، وتحقق المشروع السياسى للزعيم أو للتيار الحاكم".

وأضاف أن إنتاج الخطاب السياسى فى مجتمع ما يخضع لجملة من الشروط الاجتماعية والتاريخية تتحدد بدرجة تطور المجتمع ومكوناته الثقافية.

كما ان الخطاب السياسى بشكل عام دائما ما يعمل على التبرير وليس على عرض الأسباب الحقيقية للمشكلة.

ويقع الخطاب السياسى ضمن نظام أيديولوجى أكبر، فهو جزء من الأيديولوجيا، وهو الجزء الظاهر منها، فى حين أن الجزء الخفى هو الممارسات.

وفى الواقع لدينا مشكلة تعريف للأيديولوجيا، حيث يمكن اعتبار أن الايديولوجيا تقع فى المسافة بين الواقع الحقيقى المتيقن وتصورنا عن الواقع.

كما يمكن القول بأنها خليط من الزائف والحقيقى، من المحافظة والتغيير، ولكن النسبة التى تتفاعل فيها هذه العناصر داخل المؤسسة الأيديولوجية تختلف من مرحلة تاريخية لأخرى بحيث أنه فى مرحلة محددة تبدو نسبة العناصر الحقيقية إلى العناصر التبريرية كبيرة وهذا يحدث فى الفترة الثورية.

أما فى مرحلة أخرى تبدو العناصر المحافظة والتبريرية بالنسبة للعناصر الحقيقية أكبر، ويحدث هذا فى فترة الحكم أو عندما يصل أصحاب هذه الأيديولوجيا إلى أن يكونوا هم الطبقة الحاكمة.

وبشكل عام تتوقف غلبة العناصر المعرفية الثورية على الأخرى المحافظة التبريرية وفقا لموقع الطبقة أو الجماعة التى تحمل الأيديولوجيا.

ففى وقت تطلعها إلى الحكم والسلطة ومواجهة النظام القديم تسود العناصر المعرفية حيث أنها بحاجة إلى تغيير ثورى وتكون هذه اللحظة هى لحظة تمثيل هذه الطبقة لمصالح المجتمع ككل.

بينما فى مرحلة وصول تلك الطبقة إلى الحكم تميل إلى العناصر المحافظة والتشويهية الكامنة فى أعماق أيديولوجيتها وذلك من أجل تكريس الواقع وتبريره.

وهذا ما فعلته البرجوازية والتى بدأت بأفكار ثورية وتحيز لمصلحة العمال ضد الاقطاع، ولكن بعد الوصول إلى الحكم والاستقرار تحولت الثورة إلى الطابع المحافظ وتحول الخطاب من الحماسة والثورة إلى التبرير وتقنين الواقع.

ثم انتقل بعد ذلك د.

عبد العليم للحديث عن مناهج دراسة الخطاب السياسى، وذكر عدد من تلك المناهج ومنها:

أولا: منهج تحليل المضمون


يقوم المنهج على أساس قراءة كامل الخطاب محل التحليل ثم تشكيل انطباع كامل عنه، ثم بعد ذلك تحديد المفاهيم أو الفئات الاساسية من داخل النص نفسه، ثم بعد ذلك تأتى مرحلة التحليل الكمى أو عدد تكرار هذه المفاهيم، ثم فى النهاية يقوم المحلل باستخلاص النتائج عبر الحصر الكمى واستخلاص الدلالات.

والمشكلة الأساسية في هذا المنهج هو أنه يأخذ فقط بظاهر النص ولا يأخذ فى الاعتبار الظروف المحيطة بانتاج الخطاب أو بخبرات أو تحيزات منتج الخطاب.

من ناحية اخرى فإن الملاحظة المباشرة ليست بالضرورة صادقة وبالتالى الاعتماد عليها قد لا يؤدى إلى نتائج سليمة.

ثانيا: التأمل النقدى:

وهى طريقة تعتمد على القراءة التأملية للخطاب دون منهج محدد للتحليل، حيث تستند هذه الطريقة على فكرة "غنى النص" بمعنى ان النص يتضمن ثروة فكرية فى حد ذاته ينبغى الكشف عنها واظهارها.


ثالثا: المناهج المستوحاه من الألسنية:


1) حقل دلالة النص

يعتمد على أساس تحديد المفهوم الرئيسى فى النص ثم تحديد المفاهيم الأخرى التى تقترب منه أو تتعارض معه، بهدف كشف شبكة العلاقات المفاهميمية فى الخطاب.

2) تحليل مسار البرهنة

وتستهدف هذه الطريقة تحديد الدلائل التى يستشهد بها المتحدث للتدليل على صدق ما يقوله للتأثير على المتلقى، وقد تكون هذه الدلائل تاريخية أو دينية أو علمية.

3) حقل الدلالة المرجعية


يتم طبقا لهذه الطريقة حصر الدلالات المرجعية للمفاهيم التى اختيرت لتكون موضوع التحليل، وتتنوع هذه المرجعيات ما بين أسماء علم، مواقع جغرافية أو تاريخية أو دلالات مرجعية دينية.

وفى نهاية عرض المناهج المختلفة المختصة بدراسة وتحليل الخطاب السياسى، إنتهى الدكتور عبد العليم إلى اعتماد المنهج الاجتماعى التاريخى المقارن لدراسة الخطاب الساداتى، وهذا المنهج يعتمد على أربعة عناصر أساسية تشكل وحدة جدلية واحدة وهذه العناصر هى: الإجراءات، المفهوم، التاريخ، وأخيرا التمييز بين مظهر الأيديولوجيا وجوهرها.
ملامح من الخطاب الساداتى:

احتوت الدراسة التى قام بها الدكتور عبدالعليم للخطاب الساداتي والتى طبعت فى سلسلة كتاب الأهالي بعد ذلك في عام 1990 على تحليل دقيق للخطاب الساداتى فى كافة مراحله بداية من المرحلة الانتقالية والتى جاءت عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولى الرئيس السادات الحكم فى 1970 واستمرت حتى تحقيق نصر اكتوبر فى 1973، ثم بعد ذلك مرحلة الانفتاح الاقتصادى ثم مرحلة التحول نحو السلام.

كما أن الدراسة قدمت عرضا سخيا ودقيقا لملامح عديدة للخطاب الساداتى، إلا أن العرض الذى قدمه الدكتور عبدالعليم ولقصر الوقت اقتصر على بعض مفاهيم ما أسماه نظام المعرفة الساداتى، وقد كان من هذه المفاهيم:

1.

مفهوم العائلة الدولة:

احتفظ الرئيس السادات فى خطب المرحلة الأولى (المرحلة الانتقالية) لحكمه بالاستهلال الناصرى الشهير "أيها الاخوة المواطنون" تلك الاستهلالة التى كانت تحمل معنى الاحترام والتوقير الرمزى للشعب المصرى وترسيخ مفهوم المواطنة بعد تاريخ طويل من الاستبداد والحكم الاجنبى للمصريين.

لكن بعد حرب اكتوبر، والتى اعتبرت أهم مصدر من مصادر شرعية السادات، فلم يعد مجرد خلف عرضي للزعيم جمال عبد الناصر، ولكنه خلف قوى له رصيد تاريخى وشعبى تحولت استهلالة الخطب إلى "أبنائى وبناتى".

كان السادات يبحث عن وحدة رمزية للتغطية على التناقضات الكبيرة التى كانت قائمة فى ذلك الوقت، فأراد ان يكون هو رب العائلة المصرية التى تتشكل من 40 مليونا هم مجموع الشعب المصرى، وتحول المواطن إلى ابن وأخت، أصبح الجميع أبناء وبنات وأخوة وأخوات سواء كان الخطاب موجها للطلاب أو الجنود أو العمال أو حتى أعضاء المجالس النيابية.
وقد كان هذا من شأن التوجه اخضاع علاقة الدولة/المواطن لقوانين العلاقة الأسرية التى تعتمد على العرف والتقاليد والروابط الأسرية وليس على الدستور والقوانين.

ومن ثم كان المطلوب هو مصادرة حقوق المواطنين فى الاعتراض على النظام واعتبار أن النقد لسياسة الحاكم (الأب) هو بمثابة (قلة أدب) و (تطاول) على صلاحيات (رب العائلة) وعلى هذا فإن المظاهرات والاحتجاجات تبدو أعمالا شيطانية يقوم بها ابن عاق يعكر مزاج رب العائلة وتشوش عليه لحظة اتخاذ القرار وتحول دون وصول السفينة إلى بر الامان.

وقد كان السادات قادرا على القيام بهذا الدور نظرا لثقافته وجذوره الريفية.

2.

مفهوم الحب أولا:

استخدم السادات هذا المفهوم فى خطابه السياسى للرد على مفهوم الحقد الطبقى، وما يتبعه من مطالب بالاشتراكية.

فقد استهدف هذا المفهوم تحقيق قدر من الانسجام والتوازن الذى تعصف به الفوارق الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء والذى ازداد اتساعا فى عهده، فوفقا للرؤية الساداتية يمكن بالحب التوصل لحلول للمشكلات الاجتماعية، وإذا ما توفر الحب فلن يكون هناك حقد طبقى من الأساس، ومن ثم لا تكون هناك حاجة للحلول الاشتراكية، فالرئيس هو رب العائلة المصرية الواحدة التى تحتوى على الغنى والفقير والتى تعيش فى حالة من الحب لا الحقد، والتعاون لا الصراع، وأخلاق القرية لا أخلاق المدينة.


3.

مفهوم الكسب:

لم يستخدم السادات فى خطبه كلمة العمل الذى كان أحد مقومات الخطاب الناصرى، ولكنه استبدلها بكلمة الكسب، وهو مفهوم ينتمى إلى منظومة المفاهيم التى ترتبط بسياسة الانفتاح الاقتصادى، فهو دعوة للكسب بأى طريقة وليس عن طريق العمل المنتج، فمن الممكن أن يكون الكسب من أعمال السمسرة أو تجارة العملة أو وكالة شركات أجنبية،والمهم هو أن يكسب الفرد ليتمكن من دفع الضريبة أيا كان العمل الذى يتكسب منه منتجا أو غير منتج، مفيدا للاقتصاد القومى أو غير مفيد.

وهو مفهوم يتناقض مع مفهوم العمل فى الفترة الناصرية، فالعمل دعوة جماعية للمجتمع لكى ينتج أما الكسب فهو دعوة موجهة للفرد.

4.

مفهوم البراجماتية


جاء كثيرا فى الخطاب الساداتى الحديث عن أن النظام يعمل فى إشارة إلى أن المعارضة لا تعمل، والتركيز على أن النظام يتصرف بشكل عملى براجماتى فى حين أن التيارات الأخرى تهتم بالنظرية والتفكير، والسبب الرئيسى فى ذلك هو أن السادات كان يعلم أن منافسوه يتفوقون عليه فى هذه المجالات الثقافية والنظرية، ومن ثم كان خطابه يقلل من شأن التفكير ويعلى من قدر الواقعية والعملية والبراجماتية.

كما اشتمل خطابه على إشارات بأن النتائج أهم من الطريقة والعمل يقاس فقط بنتائجه وليس سلامة المسلك العقلى أو النظرى.

وفى أعقاب العرض، أثار الحضور مجموعة من الاسئلة حول أهم القضايا المسكوت عنها فى خطاب السادات، وأهم ملامح خطاب نصر أكتوبر، كما أثيرت مجموعة من الاسئلة حول تحليل الخطاب السياسى بشكل عام، وما إذا كان هناك اختلاف حقيقى بين تحليل الخطاب السياسى فى الدول الديمقراطية والدول الاستبدادية، وكذلك أيضا حول طبيعة خطاب القادة فى وقت الازمات.