13/7/2015 أدت أعمال التخريب الإرهابية التي مست أبراج الكهرباء في الشهور الأخيرة إلى إغراق العديد من المدن والقرى المصرية في ظلام دامس لفترات متفاوتة، في وقت تكافح فيه الحكومة المصرية لتحسين الخدمات العامة ومنع انقطاع التيار الكهربائي في أنحاء الجمهورية المختلفة.

ومنذ 30 يونيو 2013 طالت أعمال التخريب ما يقرب من 242 برجاً كهربياً حتى كتابة هذه السطور، بخسائر تزيد على 184 مليون جنيه، تشمل تكلفة إقامة أبراج جديدة بدلا من التي جرى تخريبها، وتكلفة زيادة إجراءات التأمين للأبراج القائمة (بعض التقديرات تقدر هذه الخسائر بحوالي 600 مليون جنيه).

وتشير أصابع الاتهام في هذه الحوادث إلى عناصر موالية لجماعة الإخوان المسلمين، التي يبدو أنها قد أصبحت تستهدف قطاع الكهرباء لإبقاء الأوضاع في مصر متدهورة أمنيا واقتصاديا وخدمياً، وبالتالي تأليب قطاع من المواطنين المصريين على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، متناسين أن أفعالهم تلك، تزيد من غضب وحنق غالبية المواطنين عليهم.

كما يبدو أيضا أن قيادات الجماعة لم تنس أن أزمة الانقطاعات المتتالية للكهرباء كانت من أهم الأزمات التي أطاحت بالرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، وبالتالي فهم يراهنون على هذه الأزمة أيضا من أجل تحقيق هدفهم السياسي في الإطاحة بالنظام القائم حاليا.

ولم تنف قيادات جماعة الإخوان المسلمين الاتهامات التي وجهت إليهم بشأن تدمير أبراج الكهرباء.

بل وصف أشرف عبد الغفار، وهو أحد قيادات الجماعة، في مداخلة هاتفية على قناة "التليفزيون العربي" في 2 يوليو الماضي، استهداف أبراج الكهرباء لتخريبها بأنه "درجة من درجات السلمية"، يتم تبنيه "عقابا" للشعب المصري على اختياره للرئيس عبد الفتاح السيسي.

بل وذهب بعض المتعاطفين مع جماعة الإخوان إلى القول بإن "تخريب ابراج الكهرباء لقطع التيار أفضل من قطع الرؤوس الذي تمارسه داعش". ويؤكد كثير من الخبراء على أن هناك ثلاث دلالات رئيسية لاستمرار الهجمات الإرهابية على إبراج الكهرباء المصرية، وهي: أولا، أن استهداف قطاع الكهرباء بامتداداته الجغرافية الطويلة والمتسعة، من جانب الجماعات الإرهابية قد أصبح ميدانا جديدا للعنف، بعدما كانت أنشطة هذه الجماعات تتركز على استهداف رجال الشرطة والجيش والقضاء.

وتكتسب هذه النقطة أهميتها كون مصر عاشت سنوات من العنف الأهلي لم يصب رذاذه قطاع الكهرباء المصري، ربما لقناعة وقتها من قبل جماعة الإخوان المسملين، والحركات المسلحة المتعاطفة معها، بأنها قد تتولى السلطة يوما ما، ومن ثمَّ فهي ستحتاج إلى وجود منظومة طاقة متكاملة ومتعافية وقطاع كهرباء قوي وفعال لتلبية الاحتياجات المعيشية والتنموية للمواطنين.

ومن ثم، تعد الهجمات الإرهابية الأخيرة على أبراج الكهرباء مؤشرا على يأس الجماعة من العودة إلى السلطة مرة أخرى بعد أن لفظها المجتمع المصري.

كما أنه مؤشر أيضا على ضعف القبضة الأمنية والاستخبارية مقارنة بما كان عليه الحال قبل ثورة 25 يناير 2011. ثانيا، أن استمرار هذا العدوان الباهظ الكلفة على أبراج الكهرباء، وبهذه المعدلات العالية خلال السنتين الماضيتين، يعنى أننا لم نتمكن بعد من ردع ووقف هذا الإجرام، ولم نحقق الحماية الكاملة لمرفق حيوي بالغ الأهمية، تضعه الجماعات الإرهابية ضمن أول أهدافها وتسعى لتخريبه.

وفي نفس الوقت، يعني هذا العدوان أيضا أن هؤلاء المخربون قد جاوزوا فى خيانتهم لوطنهم كل حد، وبلغت بهم الكراهية لشعبهم حد الرغبة فى تدمير حياته من أجل عودتهم لكراسي الحكم. ثالثا، أن وسائلنا القضائية الراهنة يبدو أنها لم تستطيع أن تهيء رادعا حقيقيا يمنع تكرار الجرائم الارهابية على أبراج الكهرباء، رغم أنها جريمة أمن قومى بامتياز، وتحتاج إلى محاكمات عسكرية عاجلة.

وهذا الفشل يأتي رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومة المهندس محلب قد اتخذوا إجراءات قانونية وأمنية متعددة تجاه "المخربين"، منها على سبيل المثال، إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسى، في 27 أكتوبر 2014، قرارا جمهوريا بقانون لتأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، ومن بينها محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول.

وبموجب هذا القانون الجديد، أصبحت مرافق الطاقة، سواء كانت حقول البترول أو خطوط الغاز الطبيعى أو أبراج الكهرباء، فى حكم المنشآت العسكرية، والتي يخضع الاعتداء عليها للمحاكمة أمام القضاء العسكرى، كما قد تصل عقوبة هذا الاعتداء إلى الإعدام.

ومن جهة أخرى، قامت الأجهزة الأمنية بملاحقة واعتقال عدد من المتورطين والمتهمين بالاعتداء على أبراج الكهرباء، لكننا لم نسمع ، حتى كتابة هذه السطور، أنهم قد نالوا جزاءهم العادل من القضاء.

تحديات تأمين أبراج الكهرباء تواجه مسألة تأمين أبراج الكهرباء المصرية تحديات متعددة، لعل من أهمها ما يلي: أولا، انتشار هذه الأبراج بأعداد كبيرة على مستوى كافة محافظات الجمهورية، حيث يصل عددها إلى ما يقرب من 167 ألف برج على مساحة تبلغ 44 ألف كيلومتر، أغلبها فى المناطق الصحراوية والطرق الزراعية وبعض الأماكن السكنية، وهو ما يجعلها صعبة التأمين.

وتشير بعض التقديرات إلى وجود تأمين لحوالي 60 في المائة فقط من هذه الأبراج من خلال قوات الشرطة أو بمساعدة الأهالي، إلا أن هناك 40 في المائة من الأبراج في بعض المناطق النائية، يصعب تأمينها في الوقت الحالي.

وفيما يتعلق بإمكانية وضع كاميرات لتأمين أبراج الكهرباء، يرى عدد من المتخصصين عدم جدوى ذلك، لسببين، أولهما أن الموجات والذبذبات التي تصدر من الأبراج ستؤثر على الكاميرات، والسبب الثاني، هو أن كاميرات المراقبة من السهل استهدافها من خلال وسائل متنوعة ومتعددة. ثانيا، ارتفاع التكلفة المطلوبة لتأمين أبراج الكهرباء، فى الوقت الذى تعانى فيه الشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهي المسؤول الأول عن تأمين شبكة الكهرباء، من مديونيات وتشابكات مالية مع جهات عديدة.

ثالثا، تغلغل واختراق تنظيم الإخوان في وزارة الكهرباء عن طريق عدد من الموظفين التابعين لجماعة الإخوان، وقيامهم بتسريب مواقع وأماكن الأبراج المغذية للأماكن الحيوية وغير الخاضعة للرقابة الأمنية مما يسهل على العناصر الإرهابية الوصول إليها وتفجيرها.

وهذا الأمر لم ينكره الدكتور محمد اليماني المتحدث باسم وزارة الكهرباء، حيث قال إنه تم استبعاد أكثر من 1000 مشتغل ينتمون لجماعة الإخوان من قطاعات الوزارة، وأن هناك تنسيقا مع الجهات الأمنية بهذا الشأن. التوصيات والإجراءات المطلوبة لابد من تحصين أبراج الكهرباء ضد أية محاولات تخريبية.

وتقع مسئولية ذلك على عاتق الرئيس السيسي وحكومة المهندس محلب.

وبالتالي فهم مطالبون باستخدام كافة الوسائل المشروعة لفرض هيبة الدولة وتأمين مصالح الشعب.

وفي هذا الإطار، توجد أربعة مجالات أساسية ينبغي الاهتمام بها، وهي: أولا، يجب على القضاء المصري، سواء المدني أو العسكري، سرعة معاقبة مخربي أبراج الكهرباء حتى يتحقق الردع المطلوب في مواجهة الإرهابيين.

وفي ضوء ذلك، يجب تفعيل قانون تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية الصادر في أكتوبر 2014. ثانيا، يجب دعوة جميع أبناء الشعب المصري، وفي مقدمتهم مشايخ ووجهاء وأعيان القبائل خاصة الذين تقع تلك الاعتداءات في مناطقهم، للتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة لحماية المصالح العامة وتأمين أبراج الكهرباء.

وفي هذا الإطار، يجب على وسائل الإعلام المختلفة نشر الوعي بين الأهالي والفلاحين والبدو الذين تمر بأراضيهم أبراج الضغط العالي بضرورة الإبلاغ عن أي أشخاص يشتبه بهم، وذلك للوقوف معاً ضد الإرهاب.

كما يجب أيضا على مسئولي المساجد والكنائس، والتربية والتعليم، والشباب والرياضة، والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني توعية المواطنين بواجبهم في حماية هذه الأبراج.

وفي هذا السياق، يقترح عدد من الخبراء أيضا إمكانية تشكيل مجموعات من الشباب للمرور علي هذه الأبراج المنتشرة بالمحافظات بصفة مستمرة، وبالتالي توفير فرص عمل لكثير من الشباب، والشابات أيضا. ثالثا، يجب تفعيل دور شرطة الكهرباء، وتكليف مرشدين سريين لتوفير المعلومات لدحض العمليات الإرهابية ضد إبراج الكهرباء في مهدها وقبل وقوعها.

ويمكن أن يكون هذا التفعيل خطوة على طريق إنشاء قوات خاصة بأمن منشآت الطاقة، تكون مهمتها الأساسية هي حراسة هذه المنشآت على مدار الساعة فضلا عن مواجهة ما يطلَق عليه بسيناريو "بيرل هاربور إلكترونية"، وذلك في إشارة إلى الهجمات الإلكترونية الساحقة على المواقع الخاصة بشركات الكهرباء المصرية.

وهذه القوات الخاصة لحماية منشآت الطاقة المصرية يجب أن تكون منفصلة عن قوات الشرطة والجيش، وذات كفاءة قتالية عالية، ويشمل إعدادها استخدام الليزر والقدرة على قراءة الصور الخاصة بالأقمار الصناعية وكيفية إدارة الأزمات بالتعاون مع قوات الجيش والشرطة.

كما يجب أن تكون هذه القوات أيضا على صلة وثيقة باللجنة القومية الدائمة للتنسيق الأمني لمنظومة كاميرات الرصد المرئي التي أنشأها مجلس الوزراء في 1 مايو 2015، برئاسة مساعد وزير الداخلية لقطاع نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعضوية ممثلين عن قطاعي الأمن الوطني ونظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوزارة الداخلية، وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وجهاز المخابرات العامة.

رابعا، لابد من دراسة أنسب السبل الفنية والتكنولوجية لتأمين أبراج الكهرباء، ومنها على سبيل المثال، وضع أسلاك شائكة حول كل برج رئيسي أو فرعي (خاصة فى المناطق الصحراوىة والجبلية) على نسقين (دائرتين) يفصل بينهما 10 أمتار على الأقل.

وتوضع بين النسقين والبرج ألغام مضادة للأفراد.

ورغم الاعتراف بأنه من الصعوبة تحقيق التأمين الكامل لإبراج الكهرباء في مصر نتيجة تنامي وتشرذم المجموعات الإرهابية المسلحة، إلا أن الاهتمام بالجوانب الأربعة المذكورة، سوف يساعد الدولة المصرية بدون شك على تقليل المخاطر الأمنية التي يواجهها قطاع الكهرباء بشكل خاص، وقطاع الطاقة بشكل عام، وبالتالي تأمين ركن رئيسي من أركان معيشة المواطنين وتنمية الاقتصاد المصري.