21/04/2015
على الرغم من أن عملية عاصفة الحزم عملية عسكرية إلا أنها حوصرت منذ يومها الأول بالحل السياسي والتسوية السلمية من كل جانب.
فمنذ بدء العملية في 26 مارس 2015، كان هناك اختلافا كبيرا في المواقف السياسية للأطراف المعنية، حيث رفضت سلطنة عمان المشاركة مؤكدة على قناعتها بالحل السياسي، بينما رفضتها إيران وتبنت -هي ومؤيدوها في العالم العربي- موقف الضد، في حين تبنت دول أخرى مواقف مبكرة اعتبرت أنها مؤيدة للعملية، لكن حين طلب منها المشاركة العسكرية فعليا تراجعت مؤكدة اقتناعها بالحل السياسي كباكستان وتركيا.
بل إن بعض أطراف "العاصفة" أنفسهم، المشاركون في الضربات الجوية، أكدوا منذ اليوم الأول أن الحل السياسي هو الأولوية وهو الأساس (السعودية، مصر، الولايات المتحدة).
وقبل كل ذلك وبعده الأمم المتحدة التي أكدت أولوية الحل السياسي في قرارها وتاليا على لسان أمينها العام الذي دعا إلى وقف الأعمال العسكرية.
ومع دخول العملية أسبوعها الرابع، يتكشف يوما بعد آخر اقتناع نسبة أكبر من أطرافها بضرورة تجنب التدخل البري واستنفاد كل سبل الحل السلمي.
فلقد بدأت الضربات الجوية بعزيمة كبيرة، وأحدثت صخبا واسعا بين المؤيدين والمعارضين، وكانت النسبة الكاسحة من مواطني ونخب دول مجلس التعاون الخليجي مؤيدة لها، واعتبرت أنها سطرت لعهد جديد من المواجهة مع إيران ونفوذها في العالم العربي والخليج.
ماذا حققت العاصفة؟
على الصعيد العسكري حققت الكثير من النتائج، منها ما يلي:
1 - القضاء على كثير من القدرات العسكرية للحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو ما حدّ من قدرتهم على استمرار الاندفاع في السيطرة على المدن والمحافظات اليمنية، وهو ما بدا في تعثرهم في إكمال الاستيلاء على عدن حتى الآن، علاوة على تقليص قدرتهم التفاوضية.
2.
- قطع خطوط التواصل بين قوات علي عبد الله صالح والحوثيين ومراكز تجمعهم الأساسية، ومن ثم إخماد قدرتهم على مواصلة الاندفاع البري في المحافظات والمدن، وتقليص قدرتهم على نقل السلاح الثقيل عبر الطرق البرية.
3.
- عودة عدد من ألوية الجيش اليمني المتمردة إلى مظلة الشرعية، وعلى الرغم من أن هناك شكوكا في عمليات العودة هذه، وأنها ربما أتت بتخطيط من الرئيس السابق من أجل حفظ هذه الألوية وإبعادها عن التدمير، إلا أنه على الأقل يعني تحييدها لفترة مقبلة.
4 - استنهاض قدرات وطاقات المقاومة في الجنوب، وهو ما تمثل في قيام عدد من القبائل الجنوبية بالتصدي لهجوم الحوثيين ومنعهم من السيطرة على المؤسسات والمدن أو الاستيلاء على مراكز الثقل والأماكن الحيوية.
5.
- إظهار عجز إيران عن نصرة حلفائها ساعة الخطر، حيث أكدت الحرب إفلاس إيران في اليمن، مع توقف المدد الإيراني الذي تواصل للحوثيين منذ أشهر.
6. - دمغ التحرك الحوثي وقوات علي صالح باللا شرعية بقرار من مجلس الأمن الدولي، وتوجيه الاتهامات لأطراف وشخصيات يمنية بعينها منها عبدالملك الحوثي قائد التمرد والرئيس السابق علي عبدالله صالح وإنهاء المستقبل السياسي لنجله أحمد.
ماذا حقق الحوثيون؟
1 - استمرار محاولات السيطرة على المدن والمحافظات على الرغم من ضربات التحالف، وهو ما يشكك في فعالية الضربات الجوية في حسم المعركة على الأرض.
2.- عدم ظهور مظاهر من الرفض القبلي والاحتجاج الجماهيري واسع النطاق وحركات اجتماعية شاملة للتصدي للحوثيين، على نحو ما كان متوقعا، وهو ما يضع قوات التحالف إزاء مأزق كبير في حساباتها العسكرية بشأن التدخل البري لو طال العناد الحوثي.
3.- نجاح علي صالح والحوثيين في تسويق المعركة لدى بعض قطاعات المجتمع اليمني باعتبارها معركة تحرير ومنازلة كبرى مع قوات الغزو، واستجابة البعض لدعايتهم.
4 - إستمرار الدعم السياسي الذي يتلقاه الحوثيون من جانب إيران ومن جانب القوى الشيعية، وبالأخص حزب الله وزعيمه حسن نصر الله في لبنان.
5. - عدم التنازل على صعيد الموقف السياسي حتى الآن، فحتى المبادرة التي طرحها الرئيس السابق علي صالح تضمنت شروطا تعجيزية لأطراف التحالف، وهي في أغلبها تؤكد تمسكه بالمواقف السابقة نفسها.
6. - إستمرار مناوشات الحوثيين على الحدود مع المملكة العربية السعودية، وسقوط عدد من الضحايا بين صفوف الجيش السعودي.
7 - النجاح في الحرب النفسية وتصدير المعركة البرية على أنها ستكون كارثة على السعودية وأطراف التحالف على نحو يدفع للإحجام عن خوضها.
الصفقة الكبرى
لا يبدو أن الانتصار العسكري -بمعنى دخول شامل للقوات البرية العربية إلى اليمن وإقرار علي صالح والحوثيين بالهزيمة وفرارهم أمام ضربات التحالف- سيكون السيناريو الذي سيقع على نحو ما كان مستهدفا، وعلى الجانب الآخر، لا يمكن تصور انتهاء عاصفة الحزم دون تحقيق أهداف التحالف، ولا يمكن تصور قرار فجائي من دول التحالف بإنهاء العملية وعودة الأمر إلى ما كان عليه، وإلا عاد الحوثيون أكثر قوة ووجهوا ضرباتهم تاليا إلى المملكة.
ويعكس الوضع الراهن قدرا من التوازن السياسي والعسكري بين أطراف المواجهة.
فلقد حققت العاصفة مكاسب كبيرة بتدمير الكثير من القدرات الحوثية وقدرات قوات صالح، ومن ثم أضعفت قدراتهما على الرد لاحقا، لكن تحالف العاصفة غير قادر حتى الآن على استثمار ما حققه جويا، وهو على الأرجح لن يكون قادرا على ذلك قبل التدخل البري، وهو ما يزداد الاقتناع بصعوبته، بينما تنتظر قوات علي صالح والقوات الحوثية حصد نتائج على الأرض، بالانتقام والرد على الخسائر العسكرية والمادية وتجرعها الصبر طيلة فترة الضربات الجوية.
وبينما يستطيع الحوثيون استثمار التهديد بالمعركة البرية والتهديد بتوسيع الحرب في الأراضي السعودية، يستطيع التحالف الاستمرار في الضربات الجوية أسابيع وربما أشهرا أخرى دون التدخل البري.
وبالتالي يمتلك الطرفان أوراق ضغط شديدة كل على الآخر.
بالتأكيد لا تفضل قوات التحالف الدخول في الحرب البرية، ليس فقط تلافيا للخسائر المتوقعة في صفوفها، ولكن تلافيا لعملية طويلة من الحرب والالتزامات تجاه اليمن ربما لسنين تالية والتي قد تعجز عن الوفاء بها.
إن تجربتي العراق وأفغانستان للولايات المتحدة لا تزالان ماثلتين، ففي الأغلب تنتهي محاولات فرض الحلول العسكرية من الخارج إلى غرق القوات المسلحة في مستنقع استراتيجي كبير، من المرجح أن يستمر سنوات يستنزف قوات التحالف.
وينتهي الأمر بترك البلاد لأهلها ومغادرتها بعد أن تكون الخسائر أضعافا من أبناء اليمن ومن قوات التحالف العربي، وذلك كله في ظل وضع اقتصادي ونفطي دولي وخليجي ليس في أفضل حالاته.
وإذا كان هذا هو ما حدث للولايات المتحدة، فهل يكون أداء التحالف العربي أفضل؟!
إن التحليل السابق متوقف بالطبع على رشادة صنع القرار لدى طرفي الصراع، وهو ما قد يتأكد عكسه من جانب الحوثيين إذا أقدموا على قلب الطاولة وتغيير قواعد الحرب، عبر البدء بهجوم بري وتعريض الأراضي السعودية للخطر، وفي هذه الحالة، فإن كل حسابات التحالف بشأن تعقيدات التدخل البري سوف تتبدل في ظل الاضطرار، ومن جانبها قد تتجه دول التحالف -في ظل التأكد من عناد الحوثيين- إلى استغلال فرصة التأهب الحوثي للعدوان على المملكة وتعمل على إحداث اختراقات أرضية برية في مدن يمنية مختلفة عبر عملية خداع استراتيجي كبير تمكن التحالف من إحراز تقدم مهم يبدد حسابات الحوثيين وعلي صالح.
لذلك من المهم بذل كافة الجهود الممكنة حتى تنتهي المواجهة بالحل السلمي.
وسيكون انتصارا مهما للتحالف إذا تجنب الحل المنتظر أي إمكانية لتدخل إيراني في اليمن مرة أخرى، وهو الذي مثّل الدافع الأساسي لعملية عاصفة الحزم.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال صفقة يتراجع فيها الحوثيون مقابل إخراج اليمن من الفقر ومن دوائر النفوذ الإيراني للأبد.
إن صفقة تتضمن عضوية اليمن في مجلس التعاون الخليجي مقابل إبعاد اليد الإيرانية عنه، ستكون مثالية لليمنيين من راغبي الحياة وللمنطقة.
والأساس هو أن تترافق العملية العسكرية بجهود سياسية مماثلة وبنفس الحماسة لأن الوقت ليس في مصلحة العالم العربي برمته.