قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2014-1-23
23/01/2014 بعد عام ونصف من انعقاد جنيف "1" ينعقد جنيف "2" بمشاركة دولية أوسع في محاولة جديدة للبحث عن مخرج سياسي للصراع الأهلي في سوريا.

خلال هذه الفترة تطور المشهد سريعا على الساحة السورية فتحول من ثورة شعبية ضد نظام سلطوي الي صراع عسكري بين فريق حاكم وآخر معارض، وصولا الي صدام مسلح بين فرقاء المعارضة أفاد منه النظام الحاكم ليدعم بقائه على الأرض.

وقد ارتبط الجدل الذي أثير حول عقد المؤتمر في نسخته الثانية بما تمخض عنه في نسخته الأولى، إذ اعتبر البعض أن البيان الختامي للمؤتمر الأول الذي عُقد في صيف 2012 لم يأت بجديد وتفادى حسم الأمور الشائكة.

حيث نص البيان على تشكيل حكومة وحدة وطنية من فريقي السلطة والمعارضة بصلاحيات كاملة كي تراجع الدستور وتنظم انتخابات نزيهة تحت اشراف دولي تؤدي الي انتقال السلطة وانهاء الصراع المسلح.

ولذا فالصيغة الحيادية للبيان الأول لم تتطرق من قريب أو بعيد لمصير الرئيس السوري وإذا ما كان له دور في المرحلة الانتقالية أو مابعدها في سوريا الجديدة.

ولم يكن مستغربا أن يحظى هذا البيان بمباركة كل من الولايات المتحدة وروسيا رغم تباين موقفيهما إزاء الأزمة السورية، فهو بيان باهت لا يحمل أي حلول جوهرية وليس له أي صفة إلزامية. أما المشهد اليوم فمختلف الي حد كبير، فالأزمة السورية شارفت على السنوات الثلاثة، أريق خلالها دماء أكثر من مائة وثلاثين ألف سوري، فضلا عن نزوح أكثر من مليونين للخارج وتشرد ثلاثة أضعاف هذا العدد في الداخل.

واستراتيجيا، تنقسم البلاد بين سيطرة نظام الأسد وسلطة الكتائب المعارضة، قبل أن تتنازع الكتائب المعارضة مع تنظيم القاعدة المتمثل بالدولة الاسلامية بالعراق والشام (داعش) التي يتوسع نفوذها في شرق البلاد، الأمر الذي أنشأ صراعا جديدا داخل الصراع الأساسي وسمح لنظام الأسد بالتقاط أنفاسه ومعاودة التقدم في المعارك البرية فخسرت بذلك المعارضة المسلحة سيطرتها السابقة على طرق الإمداد الرئيسية لمناطق نفوذها.

وبخلاف الموقف على الأرض، بدا المشهد الدولي أيضا مختلفا، فالولايات المتحدة عادت عن نهج التصعيد الذي اعتمدته من قبل وحتى الخريف الماضي.

فبعد التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد عقابا له على تخطي الخطوط الحمراء واستخدام الأسلحة الكيماوية، عادت وقبلت بصفقة تجرد الأسد من ترسانته الكيمياوية ولكنها في شقها الآخر تضمن له البقاء رئيسا بمباركة دولية حتى انتهاء أجل الصفقة.

الأمر الذي أفقد واشنطن مصداقيتها لدى المجموعات السورية المعارضة التي كانت تبشر بضربة عسكرية تودي برأس النظام على غرار النموذج الليبي.

في المقابل، يعتبر الدور الروسي المتنامي بمثابة إعادة انتاج للنفوذ السوفيتي في المنطقة خاصة بالنظر لطبيعة الملف السوري الذي يشابه في تعقيده ملفات الحرب الباردة.

فجزء لا بأس به من تعقد المشهد في سوريا يعود لكونها ساحة تماس بين نفوذ كل من روسيا والولايات المتحدة ومن ورائهما إيران والسعودية.

وبالتالي فقد استطاع الدب الروسي أن يراوغ بنجاح في صفقة الأسلحة الكيماوية ليضمن للأسد شرعية جديدة وحصانة دولية إزاء جرائمه بحق شعبه.

ويظل التحدي الآن بالنسبة لموسكو هو إيجاد مكان للأسد ضمن صفقة انتقال السلطة في سوريا، إن تمت خلال الشهور القليلة القادمة.

وعلي عكس مراوغة موسكو، رفضت إيران بشكل صريح الموافقة علي بيان جنيف "1"، في إشارة إلى أنها لا تقبل بديلا عن الأسد ولا حتى تكوين حكومة انتقالية تتولى السلطة للخروج من الأزمة.

وقد أدى هذا إلى تشدد الولايات المتحدة ومن ورائها المعارضة السورية في رفض حضور إيران للمؤتمر، حتى رهن الائتلاف أمر مشاركته بسحب الدعوة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى طهران.

واللافت في هذا التشدد من جانب المعارضة، أن الائتلاف يرفض حضور إيران لدورها في دعم للنظام، فيما أن ممثلي النظام نفسه حاضرين للمؤتمر.

فالثابت أن أي حل ملموس للأزمة السورية لا يمكن أن يمر دون موافقة إيران، فهي لاعب رئيسي على الارض يحرك الجنود ويقود المعارك ضد كتائب المعارضة في سوريا.

وبالتالي فإن رفض حضورها يشي بأن المؤتمر لن يتجاوز في نتائجه اعلان المواقف لكل طرف، ولن يصل الي حل جذري للصراع الدائر في سوريا.

ورغم الضغوط التي باشرتها الولايات المتحدة وأوروبا إزاء المعارضة السورية للتوحد والتمايز عن المجموعات المساندة للقاعدة في سوريا، فإن خريطة المعارضة السورية لاتزال فوضوية الي أبعد حد.

فالائتلاف السوري يعاني من مشكلات تنظيمية تتعلق بصعوبة اتخاذ قرار موحد بحد أدني من التوافق الداخلي مع تزايد الناقدين لأدائه سواء من داخله أو من خارجه.

ومن جهة ثانية، فإن الفجوة بين المعارضة السياسية المقيمة بالخارج وبين الكتائب المسلحة الناشطة بالداخل تتزايد على نحو يُصعب من عملية توحيد تمثيل المعارضة السورية.

فمن يملك قرار التفاوض بالخارج لا يملك تنفيذ القرار على الأرض، بل أنه لا يملك القدرة علي توجيه الرأي العام المعارض في الداخل السوري وبالتالي يبدو أنه لا يمثل إلا نفسه.

أما من يملك القرار على الأرض فيشكو من نقص الدعم وأسباب الصمود بوجه نظام يحترف الحصار الغذائي والدوائي لتركيع شعبه.

تسعى الكتائب المسلحة بالتالي لتكوين كيان سياسي موازٍ يعبر عنها بعيدا عن قيود الائتلاف، وبدوره يحاول الائتلاف دون جدوى أن يدعم نفوذ قيادة أركان الجيش السوري الحر التابع له، الامر الذي يُعد مستحيلا في ضوء ضعف الدعم المسلح الذي يتلقاه هذا الأخير.

وعلى هامش هذا المشهد المربك للمعارضة السورية، توسع نفوذ المجموعات الإسلامية الراديكالية علي نهج القاعدة لتؤسس داعش في شرق البلاد وتمضي في فرض رؤيتها بالقوة وتصفية معارضيها بدم بارد.

ومن ثم صارت المناطق المحررة من إصر النظام ساحة جديدة للقتال بين الكتائب المعارضة وميليشيات داعش بدلا من أن تكون ملاذا آمنا للفارين من قذائف نظام الأسد. وهنا يثور التساؤل حول تقييم نجاح مؤتمر جنيف "2" من عدمه، فهناك من يرى أن مجرد انعقاد المؤتمر بحضور طرفي الأزمة في سوريا هو في حد ذاته نجاحا لنهج الحل السلمي بعد ثلاث سنوات من الصراع المسلح.

فحتى إن لم يتوصل المؤتمر لأي حل سياسي آني أو أي خطة بشأن انتقال السلطة، يُمهد تفاوض الفريقين وجها لوجه لأرضية جديدة لا يستطيع أحدهما أن يلغي فيها الآخر.

فنظام الأسد وافق على مفاوضة من سبق واتهمهم بالارهاب والتحريض والتآمر على سوريا، بينما وافقت المعارضة على لقاء ممثلي الأسد بعدما كانت تضع رحيله شرطا مسبقا لحضور المؤتمر.

من جهة ثانية، يشكل انعقاد المؤتمر في حد ذاته نجاحا لحلقة جديدة من حلقات الشراكة الدبلوماسية الأمريكية الروسية في هذا الصدد، عطفا على صفقة الكيماوي، مما يعزز مناخ التعاون فيما بينهما حتى وإن تم على حساب المطالب الأساسية للشعب السوري.

كما إنه يبث الروح في مبادرة المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي، بعد أن كاد يترك منصبه معلنا فشله في التوصل الي أي تسوية.

وعلى عكس موسكو وواشنطن، لا يبدو الرعاة الإقليميون لطرفي الأزمة كالسعودية وتركيا وإيران على نفس الدرجة من الحماس لإنهائها.

فالسعودية ترى أن معركتها مع إيران على الأراضي السورية لم تنته بعد، وتود لو استمرت في إنهاك طهران لفترة أطول وتحقيق مكاسب لمعسكر السعودية في كل من سوريا ولبنان.

أما إيران فترى في معركتها في سوريا معركة وجود من غير المسموح أن تخسرها أو أن تقدم فيها أى تنازل، وبالتالي فهى على استعداد للاستمرار فيها حتى تضمن للأسد البقاء لأطول فترة ممكنة.

وقد انعكس ذلك في رفض إيران مجرد التصديق علي بيان جنيف "1" لكونه حياديا لا يعبر عن موقفها إزاء الأحداث في سوريا.

من جهتها تطمح تركيا لإنهاء الأزمة بعد أن واجهت ضغوطا شعبية متزايدة بسبب استقبالها للاجئين وتوسعها في تقديم الدعم العسكري للمقاتلين السوريين، الذي ما لبث أن أفادت منه القوى المتشددة، فعادت وهددت الحدود التركية. أما نظام الأسد فيأتي الي مؤتمر جنيف على أرضية صلبة بعد أن ثبتت ادعائاته فيما يخص الإرهاب بسبب التوسع الملحوظ لنفوذ داعش خلال الأشهر القليلة الماضية.

وعلى عكس تردد المعارضة بين المشاركة أو المقاطعة واختلافها حول بدائل وخطط الانتقال، يقدم النظام خطة أولية للانتقال تضمن للأسد الفوز المريح في الانتخابات القادمة.

وبالتالي فهو يشارك في جنيف بهدوء وثقة محاولا كسر العزلة الدولية والانخراط في تعاون استخباراتي مع الدول الأوروبية التي سبق وأغلقت سفاراتها في دمشق، ثم عادت وأرسلت اليها بعثات أمنية للاستفسار عن مواطنيها المشاركين ضمن المقاتلين الأجانب في صفوف المعارضة.

ولولا الكشف عن تقارير قتل وتعذيب أحد عشر ألف معتقلا في سجون الأسد عشية انعقاد المؤتمر، لطوى ملف الثورة السورية ولبدا أن جوهر الأزمة هو كيفية مكافحة الإرهاب.

من جهة ثانية مثلت قضية حضور المؤتمر من عدمه عقدة حقيقية للمعارضة السورية، فهي سبق وراهنت على مساعدات عسكرية لم تأت ثم راهنت على ضربة عسكرية لم تأت، فلما تشارك في مؤتمر قد لا يأتي بدوره بأي مكسب لصالحها.

ولذا فإن الحد الأدنى المأمول من المؤتمر هو تحقيق هدنة بين الطرفين وضمانات بإدخال مساعدات غذائية وطبية للمناطق المحاصرة، والإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين في سجون الأسد.

وإن لم يتحقق ذلك أيضا يكون الائتلاف السوري قد فقد الكثير من رصيده وربما قد يصل دوره الي نهايته تمهيدا لقيام كيان سياسي جديد يعبر عن المعارضة.