إن مسألة مشاركة الحرس الثورى وتأثيره فى العملية الانتخابية وتفاعلاتها داخل إيران لا يمكن فهمها بمعزل عن تطور أدواره وتغيرها وخاصة الدور السياسى للحرس؛ فيظل مفهوم الدور وتغيره من المفاهيم الأساسية لفهم قرارات وسلوكيات الدول والمؤسسات، وغيرها من الفاعلين الدوليين، واحتمالات الاستمرار والتبدل فى هذه السياسة. وهذا المعنى لمفهوم الدور وتغيره، ينطبق بشكل أساسى على الحرس الثورى الإيرانى الذى نشأ فى ظرف تاريخى معين، ووجد للقيام بأدوار محددة، لكنه سرعان ما خرج عن تلك الأدوار وبسط وعمق نفوذه داخل تلك الأدوار، ثم هو أنشأ لنفسه أدوارًا أخرى جديدة لم تكن موجودة أصلًا. وأحد أهم تلك الأدوار هو الدور السياسى للحرس الثورى الإيرانى.

وقد اختلفت طبيعة ذلك الدور السياسى للحرس بتنوع الممارسات وشكل الضغط وعلاقاته فى بنية النظام السياسى الإيرانى المعقدة ومؤسساته، واستطاع أن يرسم بشكل دقيق مسارات التفاعل السياسى ويشتبك بها بما يحقق مصالحه ويخدم أهدافه، وقد كانت الانتخابات الرئاسية أحد أهم تلك المسارات التى استطاع بها الحرس «هندسة» شبكة التفاعلات السياسية.

وأكدت المشاركة المتزايدة للحرس الثورى الإيرانى فى السياسة –وتحديدا التأثير على الانتخابات الرئاسية- محورية العلاقة بين المرشد الأعلى والحرس الثورى الإيراني؛ بحيث تحوَّل الحرس الثورى من جيش ثورى إلى قوة خاصة يقودها القائد آية الله خامنئى. وبمعنى آخر: «إذا كانت إرادة خامنئى هى العليا، فإن الحرس الثورى الإيرانى هو الحرس الإمبراطورى له».

غير أن البعض يرى أن دور الحرس ربما يتفوق أحيانا على نفوذ المرشد الأمر الذى جعل الحرس هو المتحكم الفعلى فى جملة المشهد، وفق مساحة وهامش لتحركات قوى ومؤسسات أخرى. والحرس الثورى بهذا الشكل يراه البعض أنه تحول إلى جيش بريتورى يتدخل كثيرًا فى السياسة، وهو لم يعد خاضعًا لخامنئي؛ حيث إن اعتماده الحرس للحفاظ على سلطته جعله «أسيرًا فى حرسه الإمبراطوري». وهكذا، فإن الحرس الثورى قادر على الضغط عليه لدعم أجندته ومصالحه الفئوية والمادية.

مسيرة المشاركة السياسية فى انتخابات الرئاسة الإيرانية تؤكد التوءمة الموجودة بين الحرس والتحالف مع الفصيل المحافظ؛ بما يعنى أن نهج المحافظين تجاه الحكومة يحدد علاقة الحرس الثورى الإيرانى بالقيادة السياسية، وكانت تلك العلاقة الترابطية هى الأساس الذى اتسمت به علاقة الحرس بالسياسة، فى ظل ثنائية بين الحرس والمحافظين المتشددين.

وهناك حالة ترابط أيضا مستمرة طوال الخبرات الانتخابية الإيرانية؛ وتتعلق بوقوف التطور السياسى فى إيران عند الأجيال الأولى، جيل الثورة الإسلامية فى 1979؛ بحيث أصبح الباب مغلقا أمام وجود نخبة جديدة شابة متطورة الفكر ومتقدمة، وبات المجال العام مغلقًا على تلك النخبة السياسية، وأيضا أضحى النظام السياسى عاجزا عن ولادة نخبة سياسية مختلفة. وكأن الحرس الثورى والمرشد الأعلى يريدان إيقاف عجلة التاريخ والتطور عند لحظة الثورة وأدبياتها.

وبشكل عام، يمكن القول أيضا، إن مشاركة الحرس فى الانتخابات الرئاسية أمر محفوف بالمخاطر؛ وقد أثرت بشكل كبير على دفاع الحرس عن مصالحه وتوازنات سياسية معينة نالت من فرص المجتمع الإيرانى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فى ظل هيمنة أيديولوجية واقتصادية موجهة. وهو ما يؤكد حديث الخمينى لمبدأ خطورة دخول العسكريين للمعترك السياسي الذى وصفه على أنه يشبه «سرطنة المجتمع والحكومة».

ويمكن القول إن إجمالى الخبرات المتعلقة بمشاركة الحرس الثورى فى الانتخابات الرئاسية تؤكد تنوع المحددات التى حكمت تدخله، وأن تلك المحددات تغيرت وتجددت وفقا لحسابات التاريخ والظروف، كما أن أنماط تدخل الحرس فى الانتخابات الرئاسية شهدت تنوعا كبيرا وخيارات متعددة استطاعت بها تحقيق فاعلية ذلك التدخل، وأخيرا، فإن مستويات تدخل الحرس فى الانتخابات الرئاسية قد تطور مع الوقت وبلغ حدودًا كبيرة تتسق وتتماهى مع اتساع أدواره وقدراته ونفوذه. وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية 2021 التى تؤكد حجم السطوة والتأثير الكبير للحرس فى رسم المشهد السياسى وقيادته فى مرحلة انتقالية ومهمة وحاسمة فى تاريخ النظام الإيرانى والثورة الإسلامية.