تنامى اهتمام الدول الإسكندنافية بقضايا منطقة الشرق الأوسط، بشكل ملحوظ، خلال العقدين الماضيين، لاسيما بعد تحولات 2011، وزاد انخراطها فى أزماتها المختلفة، بعدما ظلت المنطقة، عقودًا طويلة، بعيدة عن دوائر اهتمام صنّاع السياسة الخارجية فى فنلندا والسويد والنرويج والدنمارك؛ الذين وجدوا أن تعزيز حضور بلادهم فى المنطقة يحقق لها مصالح أمنية وسياسية واقتصادية حيوية.
من جهة أولى، يُشكِّل الحضور الإسكندنافى فى الشرق الأوسط وسيلة مهمة لمنع انتقال الإرهاب العابر للحدود من بؤر الصراعات بالمنطقة إليها، كما أن هذا الحضور يساعدها فى الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية عبر الحدود. ومن جهة ثانية، وجد قادة الدول الإسكندنافية فى منطقة الشرق الأوسط ساحة مهمة لتعظيم مكانة دولهم وترسيخ صورتها الذهنية فى العالم، بصفتها دولًا رائدة فى مجالات الوساطة وحفظ السلام والمساعدات الإنسانية والتنموية.
ومن جهة ثالثة، حرص قادة الدول الإسكندنافية على المشاركة بنشاط فى القضايا والأزمات النابعة من منطقة الشرق الأوسط، سعيًا إلى الاستفادة من الفرص الاقتصادية التى قد تُتيحها المشاركة فى جهود إعادة إعمار المدن والمناطق العربية المتضررة من الصراعات والحروب، إلى جانب الرغبة فى تنويع الشراكات الاقتصادية، وإيجاد فرص جديدة لشركاتها.
وفى ظل ما تُمثله منطقة الشرق الأوسط من فرص متنوعة للدول الإسكندنافية، وما تفرضه عليها من تحديات خطيرة، طرحت هذه الدول مبادرات لحل الأزمات السياسية فى كل من اليمن وليبيا وفلسطين، وعملت بنشاط فى جهود مكافحة الإرهاب ونزع أسلحة الدمار الشامل فى سوريا والعراق وليبيا. وشاركت فى الجهود الدولية المبذولة لتعزيز الأمن والاستقرار فى بعض المدن السورية والعراقية المحررة من سيطرة التنظيمات الإرهابية. وقدمت الدول الإسكندنافية بسخاء المساعدات الإنمائية والإنسانية للدول العربية، خاصة تلك التى تعانى الحروب والصراعات أو المتضررة منها.
ورغم الأدوار المهمة التى تقوم بها الدول الإسكندنافية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية فى دول الشرق الأوسط، فإن هذه الأدوار تواجه عدة قيود وتحديات داخلية وإقليمية ودولية، وتظل قدرة الدول الإسكندنافية على التعاطى بإيجابية مع هذه القيود والتقليل من تأثيراتها السلبية، عاملًا محددًا لمستقبل الحضور الإسكندنافى فى منطقة الشرق الأوسط.