شهدت الآونة الأخيرة اهتماما متزايدا على كافة المستويات النظرية والعملية، وكذلك في مختلف الدول المتقدمة والنامية، بكفاءة إدارة المالية العامة، وبصفة خاصة إدارة الإنفاق العام. ويرجع هذا الاتجاه إلى أنه على الرغم من أن ندرة الموارد المالية تعد قيدا على الجهود التنموية للحكومة، إلا أن الخبرة العملية قد أفصحت عن أن أسلوب إدارة الإنفاق العام يلعب هو الآخر دورا لا يقل أهمية في التأثير على كفاءة وفاعلية الإنفاق العام. وبمعنى آخر، فإن نجاح السياسة المالية يجب أن يُقاس بالقدر الذي تسهم فيه النفقات العامة في زيادة التشغيل وامتصاص فائض العمالة وتحقيق العدالة بالمجتمع.

وهنا تصبح المشكلة الأساسية للسياسة المالية في قدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية بهدف احتواء تداعيات برنامج الإصلاح على الطبقات الفقيرة، وهي المتطلبات الأساسية للنجاح؛ إذ أن السياسة المالية مسؤولة عن جانب كبير من عدم المساواة. مع ملاحظة أنه إذا كانت ثورة المالية العامة في الدول الصناعية الكبرى قد استهدفت أساسا علاج مشكلات الدورة الاقتصادية، إلا أن ثورة المالية العامة في الدول النامية كانت ذات طابع مختلف لأنها استهدفت الارتقاء بمستوى المعيشة وتحقيق الأهداف التنموية.

من هذا المنطلق تناقش هذه الكراسة فكرة تحسين كفاءة وفعالية الإنفاق العام، وهو ما يتطلب تحديدا دقيقا للمجالات التي يجب أن يكون للحكومة دور واسع فيها، وتلك التي لا ينبغي أن يكون لها فيها دور على الإطلاق. وهنا تُطرح عدة تساؤلات أساسية تتركز حول مدى استجابة الإنفاق العام لاحتياجات المجتمع؟ وماهي المبادئ والمعايير التي يجب الاسترشاد بها عند تقدير مستوى وتركيب الإنفاق العام؟ ثم كيفية تمويل هذا الإنفاق؟ وماهي الآثار الناجمة عن برامج الاستثمار الحكومي؟ ثم أي الفئات المجتمعية التي تستفيد من مختلف عناصر هذه البرامج؟ وكيف يمكن تحسين تخصيص الإنفاق العام؟ وما هو تأثير تقليص الإنفاق العام على حجم الاستثمار وما آثار ذلك على التنمية؟ وما هو مدى العدالة في الإيرادات والنفقات؟ وأخيرا ما هو مدى المساواة في الأعباء؟