تعد الدولة الإنمائية أحد المفاهيم الرئيسية التي تم توظيفها خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين لتحليل ظاهرة النمو الاقتصادي في دول شرق آسيا، حيث نُسب ما شهدته هذه الدول من نمو، أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليه "معجزة اقتصادية"، في جانب منه إلى وجود دولة قوية مستقلة جمعت ما بين قدرة بيروقراطية مرتفعة، واستقلال واضح لسياسات ومؤسسات الدولة، وهو ما مكنها من توزيع الموارد المالية على القطاعات الصناعية الاستراتيجية بنجاح من أجل إحداث نمو صناعي ومستوى مرتفع من النمو الاقتصادي والاستثماري؛ فالأداء الاقتصادي المتميز لنمور شرق آسيا كان وراءه "دخان تنين الدولة الإنمائية".

لقد أدى ذلك إلى تطور مدرسة فكرية أُطلق عليها مدرسة "الدولة الإنمائية". وإذا كان قد تم تعريف الدولة الإنمائية في أمريكا اللاتينية من زاوية رأٍسمالية الدولة وتعنى "قيام الدولة بدور الممول والمخطط والمنفذ والمنتج والموزع للسلع والخدمات"، فإن نموذج الدولة الإنمائية في شرق آسيا ارتبط بالنموذج الياباني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي ارتكز على وجود بيروقراطية اقتصادية مركزية دعمتها رغبة قوية في اللحاق بالدول الصناعية المتقدمة، فضلًا عن مجتمع مدني ضعيف في مواجهة دولة قوية مستقلة.

وكان السؤال الذى بحثت الدراسات عن إجابة له هو: ما هو القاسم المشترك فيما بين هذه الدول والذى مكنها من تحقيق معدلات نمو أقرب إلى الطفرة؟، وما هي الركائز السياسية والاجتماعية والمؤسسية التي كان من شأنها صياغة قدرة دول شرق آسيا على تنفيذ استراتيجيات التنمية في إطار ما أُطلق عليه "الدولة الإنمائية"، ذلك المفهوم الذى احتل مركز الصدارة في الثمانينيات عند دراسة التنمية الاقتصادية في دول شرق آسيا، واتسم بقدرته على تحريك "التروس" في عجلة النمو الذى يوجهه السوق إلى النمو الذى توجهه الدولة في إطار "مزج" بين تدخل حكومي فعال وتوجيه للسوق وفقا لمفاهيم الرشادة القومية؟

وبدورها، تحاول هذه الدراسة الوقوف على الملامح الرئيسية لنموذج/ نماذج الدولة التنموية في آسيا، وما الذي يمكن استخلاصه من هذه الخبرات في الحالة المصرية، ومدى قابلية هذه النماذج لإعادة الإنتاج مرة أخرى؟