لم تكن الظروف التي أحاطت بما يسمي "صفقة القرن" تعطي أي انطباع بوجودها أو إمكانية تمريرها إن وُجدت. وما زاد من قوة هذا الانطباع القرارات التي اتخذها ترامب مثل إغلاق مقر المفوضية الفلسطينية في نيويورك، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإيقاف الدعم الأمريكي لمنظمة الأونروا (الوكالة الدولية لغوث اللاجئين). وبعد جدل طويل استمر ما يقرب من العامين أعلن ترامب في نوفمبر 2018 أن "الصفقة" باتت جاهزة وأن تقديمها رسميا سيكون في مطلع عام 2019، فيما حددت تسريبات إسرائيلية أنها ستكون في شهر فبراير من نفس العام.

ورغم أن تفاصيل الصفقة ما زالت غير معروفة، إلا أن هذه الدراسة تحاول استجلاء الغموض المحيط بها، ورسم صورة تقريبية لما يمكن أن تحتويه من بنود، وصولا إلى محاولة توقع ردود الأفعال عليها من جانب عدة دوائر إقليمية ودولية لها اشتباكها المباشر وغير المباشر بالقضية الفلسطينية خاصة، والصراع العربي- الإسرائيلي عامة.

ولتوخي تحقيق هذه الأهداف، تضم هذه الدراسة ستة أقسام. يناقش القسم الأول العقلية التي تحكم إدارة ترامب، ومنطلقات سياساته العامة، أو باختصار العقيدة الحاكمة لسياساته. ويقدم القسم الثاني تصورا لما يمكن أن تحتويه الصفقة من بنود. ويتناول القسم الثالث ردود الفعل المحتملة على الصفقة من جانب طرفي الصراع الأساسيين: إسرائيل والفلسطينيين. أما القسم الرابع فيتناول موقف الدول القريبة من الصراع والمناط بها أدوار محددة لإنجاحها، وتحديدا مصر والمملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ولبنان. ويتناول القسم الخامس موقف القوى الإقليمية الطامحة لتوسيع أدوارها في المنطقة، عبر الانخراط في/ أو إقحام نفسها في محاولات حل الصراع العربي- الإسرائيلي، وتحديدا تركيا وإيران. وأخيرا يتناول القسم السادس موقف القوى الدولية التي لعبت أدوارا تاريخية في محاولات إيجاد حل للصراع، لما له من تأثير على أمنها ومصالحها، وتحديدا روسيا، والاتحاد الأوروبي.