د. إيمان رجب

رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تظل وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، ودورها في مكافحة الإرهاب من القضايا الإشكالية، خاصة فيما يتعلق بتأثير ذلك الدور على حق المواطنين في المعرفة والذي يكفله وجود إعلام مهني ومسئول، وكذلك فيما يخص قدرة وسائل الإعلام على جعل عملية المكافحة وسياساتها فعالة. وصحيح أن سياسات المكافحة تستهدف الإرهابيين بالدرجة الأولى ولكن فعالية تلك السياسات تتطلب وجود ظهير مجتمعي مؤيد لها، وهذا ما يستطيع أن يخلقه الإعلام المهني والمسئول.

وتتزايد أهمية كيفية تعامل الإعلام مع العمليات الإرهابية والقضايا المرتبطة بها خلال المرحلة الحالية في حالة الدول التي أصبح الإرهاب يمثل تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي، ووفق تقرير مؤشر الإرهاب العالمي Global Terrorism Index للعام 2017 ، يبلغ عدد الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب في العالم عدد 123 من إجمالي 134 دولة يغطيها المؤشر.

وبالنظر إلى مصر، فإن دور الإعلام في التعامل مع الإرهاب والتطرف بصفة عامة يعد من القضايا شديدة الأهمية خلال المرحلة الحالية، خاصة وأن مصر تأتي في الترتيب رقم 11 على مستوى العالم من حيث مدى تأثرها بالإرهاب وفق تقرير المؤشر السابق ذكره.

ولعل هذه الأهمية كانت الدافع الرئيسي وراء اهتمام قوات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الإرهاب خلال المرحلة الحالية باتخاذ قرارات تدريجية تخلق آليات للتواصل المستمر مع وسائل الإعلام على تنوعها، سواء من خلال اتاحة بيانات رسمية بعد وقوع أي عمل إرهابي أو لتوفير معلومات عن عمليات مكافحة الإرهاب، أو من خلال تنظيم زيارات للمراسلين العسكريين لشمال سيناء[1] التي تعد أكثر المناطق تضررا من موجة الإرهاب التي تواجهها مصر حاليًا.

بعبارة أخرى، أصبح هناك اتجاه ما للاستفادة من الإعلام باعتباره أداة يمكن توظيفها في مكافحة الإرهاب، ورغم إيجابية هذا التوجه، إلا أنه قد كشف بعدًا آخر في كيفية تعاطي الإعلام المصري مع الإرهاب وقضاياه، وهو بعد خاص بغياب الكوادر القادرة على تخطيط سياسة إعلامية متخصصة في التعامل مع الإرهاب.

فكما أن إتاحة المعلومات المتعلقة بالعمليات الإرهابية وعمليات المكافحة مهمة، فإن كيفية تعاطي وسائل الإعلام مع تلك المعلومات قد يكون أكثر أهمية، حيث تفيد العديد من الخبرات الدولية في هذا السياق أن وسائل الإعلام اليوم أصبحت  لديها القدرة على إعادة تأطيرreframing أي حادث بما في ذلك الحادث الإرهابي، وبالتالي تمنح الشرعية لما يمارس من سياسات في مكافحته أو تنزع تلك الشرعية عنه.

ونتيجة لذلك، تعد مسألة وجود قدرات وكفاءات مهنية على دراية بكيفية التعاطي مع المعلومات المتاحة والخاصة بأي عمل إرهابي من القضايا ذات الأولوية بالنسبة للعديد من الدول، وهي أيضًا من القضايا المهمة لمصر والتي من المهم مناقشتها على نطاق الأكاديميين وصناع السياسات على نحو يسمح بوجود إعلاميين متخصصين في تغطية الإرهاب، وذلك أسوة بوجود جهات متخصصة ومعنية بمكافحة الإرهاب وبوجود باحثين وأكاديميين متخصصين في قضايا الإرهاب.

وحرصًا من دورية "بدائل" على المساهمة في المناقشة الجادة لهذه القضية، تم تخصيص العدد الحالي لتحليل كيفية تعامل الإعلام مع الأحداث الإرهابية في عدد من الخبرات الدولية، وتحديد طبيعة الدروس المستفادة من تلك الخبرات والتي يمكن أن يستفيد منها الإعلام المصري في تعاطيه مع الإرهاب. وتحلل دكتورة إنجي أبوالعز مدرس الإذاعة والتليفزيون ورئيس شعبة اللغة الإنجليزية بكلية الإعلام في جامعة بني سويف عدد ستًا من التجارب الدولية، وهي الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا وهي دول عانت، ولا تزال تعاني، من خطر المنظمات الإرهابية مثل "داعش"، وذلك إلى جانب دليل اليونسكو للصحفيين بشأن تغطية الإرهاب في وسائل الإعلام.

وتجادل دكتورة إنجي بأن تفعيل دور الإعلام في تغطية الأحداث الإرهابية عملية معقدة، لأن الإرهابيين أصبحوا يستخدمون الإعلام من أجل جذب انتباه الجمهور العام وبث الرعب والخوف فيه، وفي المقابل يتعين على السلطات المعنية بمكافحة الإرهاب أن تستخدم ذات الأداة وهي الإعلام من أجل ضمان حق المواطنين في المعرفة عن طريق توفير المعلومات عما يقع من أحداث إرهابية.  

وتهتم الدراسة بتحليل  الإشكاليات التي يواجهها الإعلام المصري في تغطيته للعمليات الإرهابية خلال المرحلة الحالية، وقد حددت الدراسة عدد سبع تحديات رئيسية منها سطحية معظم المعالجة الإعلامية للعمليات الإرهابية وتداخل بعض المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالتطرف والعنف والإرهاب، واستغلال بعض وسائل الإعلام ذات الطـابع التجـاري الطابع المثير للحدث الإرهابي، وتقديمه بقدر من الإثارة والمبالغة والتهويل، وتزايد جاذبية المصادر البديلة للمعلومات المتعلقة بالأحداث الإرهابية في ظل محدودية المعلومات الرسمية التي تصدر عن مؤسسات الدولة المعنية.

إلى جانب ذلك تقدم دكتورة إنجي مجموعة من المقترحات والتوصيات لوسائل الإعلام المصرية من أجل تطوير كيفية تغطيتها للأحداث الإرهابية، وذلك في ضوء الدروس المستفادة من الخبرات الدولية الست التي تم تحليلها ومناقشتها الدراسة.


[1] نظمت هذه الزيارة  للمراسلين العسكريين المصريين في مارس  2018 ، وتلا  ذلك السماح لبعض المراسلين الأجانب بزيارة العريش وبئر العبد في شمال سيناء في يوليو 2018.