هناك مناقشات متعددة حول طبيعة مشاركة مصر في عمليات بناء السلام التابعة للأمم المتحدة، وعادة ما تنتهي هذه المناقشات إلى أن هذه المشاركة تقتصر على الشق الخاص بحفظ السلام الخاص بإنهاء النزاعات المسلحة وفرض تنفيذ التسوية السياسية، ولكن دون أن تشارك في الشق الخاص ببناء السلام والمتعلق بناء المجتمعات بعد انتهاء النزاع، وما يرتبط بذلك من تعزيز الديموقراطية والحكم الصالح واحترام حقوق الإنسان.
ويلاحظ أن هناك نوع من التطور التدريجي في السياسات الخارجية المصرية تجاه هذه القضية، وهو ما تشير إليه كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في قمة مجلس الأمن الدولي التي خصصت لمناقشة هذا الموضوع ، والتي رحب فيها بقرار "مراجعة عمليات حفظ السلام"، وأوضح أن مصر "تتطلع لأن يكون هذا القرار خطوة على طريق الإصلاح الحالي الذي تقوم به المنظمة، مع التركيز على معالجة أوجه القصور العملياتي والفني، وذلك سعياً للتوصل إلى رؤية متكاملة لسبل منع النزاع واستدامة السلام، وتطوير دور حفظ السلام في تحقيق تلك الرؤية، وآليات صنع القرار اللازمة لذلك"[1].
ويستند هذا التطور التدريجي إلى رؤية محددة تحدث عنها الرئيس السيسي في القمة السابق ذكرها، تهدف إلى تطوير المفهوم الحاكم لتلك العمليات في الأمم المتحدة، وذلك من خلال خمسة عناصر رئيسية. العنصر الأول خاص بالتعامل مع هذه العمليات كأحد أدوات المجتمع الدولي لصون السلم والأمن الدوليين ولا ينبغي أن تكون "رد الفعل المبدئي لكل أزمة"، والعنصر الثاني هو التعامل مع هذه العمليات "في إطار مفهوم يتضمن خطط عمل سياسية وبرامجية وعملياتية متكاملة، وبحيث تُعَدَل ولايات عمليات حفظ السلام بصورة مستمرة استجابة للمتغيرات السياسية والميدانية".
وينصرف العنصر الثاني إلى إعطاء الأولوية في هذه العمليات لجهود "تسوية النزاعات، وتقديمها على منهج إدارة النزاع"، فالمنهج الأخير وفق الرؤية المصرية ساهم في تجميد بعض النزاعات في المنطقة العربية وفي أفريقيا واستمرار بعضها لعقود.
ويتعلق العنصر الثالث بالمكون الخاص ببناء السلام في تلك العمليات، حيث تؤكد الرؤية المصرية على "أهمية عدم فرض أنماط أو قوالب أو نظم سياسية معينة على الدول التي تشهد نزاعات وإيلاء الاهتمام اللازم بمراعاة خصوصياتها السياسية والثقافية والاجتماعية بما يضمن إنجاح جهود حفظ السلم والأمن وبناء السلام".
وينصرف العنصر الرابع إلى إنشاء آلية تشاورية مؤسسية تجمع الدول الرئيسية المساهمة بالقوات، وأعضاء مجلس الأمن، وسكرتارية الأمم المتحدة تتشاور في كافة مراحل تطوير وتجديد ومراجعة ولايات بعثات الأمم المتحدة.
ويتعلق العنصر الخامس بالاهتمام بتفعيل دور المنظمات الإقليمية المتواجدة في مناطق النزاع في عمليات الأمم المتحدة، وذلك أسوة بدور الاتحاد الأفريقي الذي أصبح يلعب دور محوري في تسوية النزاعات في القارة وليس فقط إدارتها.
وفي هذا الإطار، تحلل الدراسة الرئيسية في هذا العدد من دورية «بدائل» بعض خبرات الأمم المتحدة في عمليات بناء السلام في الفترة التالية على انتهاء الحرب الباردة، وتحديدًا تيمور الشرقية وكوسوفو والسلفادور وسيراليون، وتهتم بتحديد طبيعة مشاركة مصر في هذه العمليات.
وتجادل دكتورة سعاد محمود، أستاذ مساعد للعلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمتخصصة في مجال العلاقات الدولية، بأنه لا يوجد نموذج جاهز لعملية بناء سلام ناجحة يمكن تطبيقه في كل الدول التي مرت بصراعات، فلكل حالة خصوصيتها، والتحديات التي تواجهها إحداها من الممكن ألا تقابلها الحالات الأخرى، ولذا تتبنى الأمم المتحدة في تخطيطها لعمليات بناء السلام اقتراب التعامل مع كل حالة على حدة Approach Case By Case، ورغم ذلك فإن تحليل نماذج منالعمليات التي نفذتها الأمم المتحدة في بعض الدول يفيد في معرفة الفرص والتحديات التي يمكن مواجهتها في الفترة المقبلة.
وفي إطار ذلك، توصلت دكتورة سعاد محمود إلى مجموعة من الدروس المستفادة التي يمكن أن توظفها الأمم المتحدة للارتقاء بمستوى فاعلية العمليات التي تنفذها خلال الفترة المقبلة، وكذلك يمكن أن تستفيد منها مصر في إطار مساعيها الخاصة بتطوير عمليات الأمم المتحدة من خلال عضويتها في المنظمة، وفي إطار مساعيها المتعلقة بتطوير مشاركتها في تلك العمليات.
[1] "نص كلمة الرئيس السيسي في قمة مجلس الأمن: حفظ السلام ليس بديلاً عن الجهود الدبلوماسية الوقائية"، الأهرام، 20 سبتمبر 2017.