طرحت ثورات "الربيع العربي" العديد من القضايا الجوهرية على أجندة البحث، لكن أكثر هذه القضايا أهمية يتمثل في قضية «التحول الديمقراطي»، بأبعادها المختلفة، ذلك أن هذه الثورات قد قامت في مواجهة نظم غير ديمقراطية، سيشار إليها في هذه الدراسة بالنظم السلطوية، بهدف إحداث تحول ديمقراطي يقود إلى تأسيس نظم ديمقراطية في الدول التي شهدت وقوع هذه الثورات. ومن هنا تأتي الأهمية البالغة لدراسة قضية التحول الديمقراطي، لتوضيح مفهوم هذا التحول وأنماطه، والأهم هي شروط تأسيسه.  

إن إقامة الديمقراطية على قاعدة متحللة اجتماعيا وضعيفة اقتصاديا وبدائية ثقافيا هو طريق مؤكد للتفكك والعنف. وهذا ما حدث في عشرات من الدول الأفريقية. وأسوأ ما يمكن أن يفعله الديمقراطيون هو أن يتعجلوا الديمقراطية فيحصلوا على كارثة. ويحدث ذلك عندما يطلبون النظام الديمقراطي دون أن يعالجوا أوجه الخلل الكبرى الأخرى في المجتمع ودون أن يعدوا أنفسهم ومجتمعاتهم للتحول إلى الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من استراتيجيات كبرى وبرامج عمل تبشر بحل القضايا الأخرى التي تهدد بقاء المجتمع السياسي أو تصيب جسده السياسي بأمراض جسيمة.

كذلك، فإن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات، فالانتخابات ليست دائما ديمقراطية، فهناك انتخابات ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية. فالتحول الديمقراطي لا يتعلق بالتغير السياسي الصرف، ولا يتحقق لمجرد وضع  قوانين تقر العمل بنظام التعددية وتسمح بانتخابات حرة، إذ أنه يحتاج إلى إعادة بناء النظام المجتمعي بأكمله، ولا يمكن ضمان وصوله لأهدافه إلا إذا تحول إلى مشروع متكامل للتحول الاجتماعي، والاقتصادي والإداري والثقافي معا، وهذا يتطلب بدوره أن ينجح التيار الديمقراطي في أن يجعل التغيير السياسي قاعدة للانطلاق نحو تغيير أشمل، أما إذا انحصر التغيير الديمقراطي في مستوى البنية السياسية العليا، فسوف يبقى تغييرا سطحيا ومهددا بالتراجع أمام أية أزمة، ولن تكون هناك ضمانات لمنع استخدام التعددية الحزبية والانتخابات الدورية من أجل إعادة بناء نظام الاحتكار الشامل على أسس جديدة.