في إطار النشاط العلمي الدوري لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، استضاف السمينار العلمي الأول للعام البحثي 2017 / 2018 في العاشر من شهر ديسمبر 2017، الأستاذ الدكتور/ بهجت قرني، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة مونتريال، لمناقشة "الاتجاهات الجديدة في تحليل العلاقات الدولية: إشكاليات التحول".
بدأ السمينار بالمداخلة الرئيسية للأستاذ الدكتور/ بهجت قرني، والتي تناول فيها أربع نقاط أساسية تشكل في رأيه القضايا الأساسية الأبرز في فهم الواقع الراهن لحقل العلاقات الدولية.
القضية الأولى، ما أسماه د. قرني بـ"الفكرة الشائعة عن العلاقات الدولية"؛ فالتعريف الشائع للعلاقات الدولية هو أنها علاقات بين دول، وتقوم على المساواة، وتحكمها علاقات القوة. لكن هذا التعريف أو هذه الفكرة هي فكرة تبسيطية وجزئية لمفهوم العلاقات الدولية، وأحيانا تكون مضللة تقودنا إلى فهم خاطئ، ومن ثم إلى نتائج خاطئة حول طبيعة وظواهر العلاقات الدولية.
فقد شهد حقل العلاقات الدولية درجة كبيرة من التعقيد نتيجة عوامل عديدة. من بينها أن حقل العلاقات الدولية بات منطقة تقاطع العديد من العلوم الأخرى، مثل القانون، والاقتصاد، والتاريخ، والفلسفة، فضلا عن حقل العلوم السياسية بمختلف فروعه المعرفية الأخرى (الرأي العام، النظم السياسية المقارنة ...إلخ). ومع تسارع التطور العلمي والتكنولوجي، لم يقتصر تفاعل حقل العلاقات الدولية مع العلوم الأخرى على العلوم الاجتماعية، إذ سرعان ما بدأ التداخل والتفاعل بين حقل العلاقات الدولية والعلوم الطبيعية، وليس أدل على ذلك من أن استحواذ الجوانب الفنية على المساحة الأكبر من مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، ما أفرد مساحة ودورين كبيرين للمفاوضين "الفنيين" بالمقارنة بالمفاوضين السياسيين أو القانونيين.
كذلك نتج هذا التعقيد عن التشعب الكبير في أجندة حقل العلاقات الدولية. وعلى سبيل المثال، فقد توزعت دراسة السياسة الخارجية للدولة الواحدة لتشمل ضرورة دراسة عدد كبير جدًا من القضايا الخارجية (الإقليمية والدولية). وتصبح دراسة ظاهرة العلاقات الدولية أكثر تعقيدًا إذا انتقلنا إلى دراسة العلاقات الثنائية بين دولتين أو أكثر.
أضف إلى ذلك التداخل الكبير الذي حدث بين دراسة السياسات الداخلية والسياسة الخارجية، فقد بات من الصعب بمكان فهم قرار ما من قرارات السياسة الخارجية لدولة ما، أو الظواهر الأساسية في العلاقات الدولية، دون فهم الأوضاع أو السياسات الداخلية.
وأخيرًا يشير د. قرني هنا إلى مصدر آخر لمصادر تعقد دراسة العلاقات الدولية وهو عامل التغير السريع في ظواهر وقضايا العلاقات الدولية، وهو ما جعل فهم هذه الظواهر ونمط حركيتها أكثر صعوبة على باحثي العلاقات الدولية.
القضية الثانية، هي ما وصفه د. قرني بالمحطات التاريخية أو المفصلية في تطور العلاقات الدولية: فقد مرت العلاقات الدولية بعدد من المحطات التاريخية المهمة التي لا يمكن فهم تطور العلاقات الدولية وصولًا إلى مرحلتها الراهنة دون فهم هذه المحطات، وانعكاساتها على المرحلة الراهنة. وقد ححد د. قرني في هذا الإطار سبع محطات أساسية في سياق تطور العلاقات الدولية.
التاريخ الأول، 1648، وهو تاريخ توقيعمعاهدة وستفاليا، حيث يمكن اعتبار هذا التاريخ هو التأسيس الحقيقي لحقل العلاقات الدولية الحديثة لعدة أسباب. أولها، أن هذه المعاهدة أنهت الحروب الدينية في أوروبا،. ثانيها، أنها دشنت مثلت عقد أول مؤتمر دبلوماسي دولي كبير، حضره حوالي 101 من الأمراء وممثلي الوحدات السياسية الدولية المختلفة، اتفقوا خلاله على أن تكون العلاقات بين هذه الوحدات ذات السيادة بعيدًا عن الكنيسة. وبالتالي فقد أسسوا لمبدأ المساواة بين الوحدات السياسية المختلفة، وهو المبدأ الذي أصبح أحد الركائز الأساسية للقانون الدولي الحالي، وأحد المبادئ النظرية الأساسية في العلاقات الدولية. ومن ثم، يمكن اعتبار هذا التاريخ هو تاريخ تأسيس العلاقات الدولية كحقل علمي.
التاريخ الثاني، (1918- 1919)، وهي فترة الحرب العالمية الأولى، والتي أعقبها توقيعمعاهدة فرساي. فقد اتسمت هذه الحرب -والتي بدأت كحرب أوروبية- أوروبية، سرعان ما أخذت طابعا عالميا بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية- بدرجة كبيرة من الوحشية واتساع حجم الضحايا (حوالي 38 مليون نسمة، شكلوا رقما كبيرا إذا ما قيس كنسبة إلى حجم سكان العالم في ذلك الوقت)، ما أدى صدمة كبيرة لدى الرأي العام العالمي. وقد نتج عن هذه الظواهر توجهان أساسيان. أولهما، تطور شعور جارف بضرورة عدم تكرار هذه الوحشية مرة أخرى، وألا يُسمح بتكرار مثل تلك الحرب. وكان التصور الإجابة المقدمة على هذا التحدث هي إمكانية منع حدوث هذه الحرب مرة أخرى من خلال التنظيم الدولي، وهو ما أدى إلى تأسيس "عصبة الأمم" في مدينة جنيف. ثانيهما، هو اكتشاف ضرورة وجود أساس علمي، تقوم من خلاله بدراسة العلاقات الدولية، ومنع الحروب المتوحشة. وكان نتيجة ذلك إنشاء مراكز الدراسات أو "الكراسي المتخصصة" للعلاقات الدولية، كان أولها معهد الدراسات العليا في جنيف. لكن بالرغم من كل ذلك قامت الحرب العالمية الثانية.
التاريخ الثالث (1939– 1945)، وهي فترة الحرب العالمية الثانية، والتي خلفت وراءها هي الأخرى أعدادا ضخمة من القتلى والضحايا والدمار (تراوح عدد الضحايا بين 61-85 مليون نسمة). لكن النقطة المهمة هنا هي طريقة انتهاء هذه الحرب من خلال استخدام القنابل الذرية لأول مرة في تاريخ الإنسانية، وهو ما شكل مرحلة أخرى في تطور العلاقات الدولية. كما شهدت هذه المرحلة تشكيل الأمم المتحدة بديلا عن عصبة الأمم.
التاريخ الرابع، 1960، والذي شهد إصدار الأمم المتحدة قرارها التاريخي بإنهاء الاستعمار، ما جعل الاستعمار ظاهرة غير شرعية، وهو الأمر الذي نتج عنه فتح الطريق أمام زيادة كبيرة في عدد الوحدات الدولية وانضمام أعضاء جدد إلى منظمة الأمم المتحدة.
التاريخ الخامس، 1989 وهو تاريخ سقوط حائط برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي ومن ثم انتهاء الحرب الباردة، وتدشين الانتقال إلى نظام عالمي جديد.
التاريخ السادس، 11 سبتمبر 2001، وهو تاريخ وقوع الاعتداء الإرهابي على مركز التجارة العالمي. وقد مثل ذلك تدشينا لحدوث تحولات مهمة في مفهوم الأمن القومي، وتزايد الأهمية النسبية لتحليل الأثر السيكولوجي لهذا الاعتداء الإرهابي على الشعب الأمريكي. كما يمكن التعامل مع هذا التاريخ باعتباره البداية الحقيقية لما يعرف بـ "الحرب ضد الإرهاب".
التاريخ السابع، 2003، وهو تاريخ الغزو الأمريكي للعراق، والذي دشن لجدل كبير حول تغيير الأنظمة الداخلية من خلال التدخل العسكري الخارجي.
القضية الثالثة، هي ما أسماه د. قرني بقائمة القضايا العالمية المعاصرة، والتي باتت تستحوذ على الاهتمام الأكبر للباحثين في حقل العلاقات الدولية. وقد ركز د. قرني في هذا السياق على خمس قضايا رئيسية، هي:
- قضية التنمية، والتي أصبحت تستحوذ على مساحة متزايدة من الأجندة العالمية. ويبرز في هذا الإطار عناوين مثل "أهداف الألفية"، و"التنمية المستدامة"، والتي تم التأكيد عليها في قرارات وأنشطة مهمة للأمم المتحدة. من جانب آخر، لم يعد يُنظر إلى موضوع التنمية باعتباره شأن اقتصادي كما كان في الماضي، بقدر ما أصبح موضوعا ذا مكونات سياسية واجتماعية وثقافية.
- الإرهاب، والذي فرض نفسه بقوةعلى الأجندة العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر. وتشير الإحصاءات المتاحة هنا إلى تنامي واضح في حجم ضحايا الإرهاب على مستوى العالم، فضلا عن تعقد هذه الظاهرة وتعقد أساليب مواجهتها.
- حقوق الإنسان، فمنذ أن أنشأت الأمم المتحدة في عام 2006 مجلس حقوق الإنسان، أصبح هذا الموضوع بندا أساسيا في كل الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. كما قام مجلس حقوق الإنسان نفسه بإصدار حوالي 8000 توصية و30 قرارا منذ تأسيسه. ومع ذلك لازال هناك الكثير من الجدل والانقسام العالمي حول مفهوم حقوق الإنسان واستراتيجيات حماية هذه الحقوق.
- الهجرة، حيث بات العالم بوجه عام، وأوروبا على وجه الخصوص، يواجه خطرا أمنيا كبيرا بسبب الهجرة غير المنتظمة. وتشير الإحصاءات هنا إلى وجود حوالي 15 مليون مهاجر في العالم، ستة ملايين منهم قادمون من الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.
- وضعية الدولة؛ فقدأصبحت قضية فشل الدول مسألة مطروحة بقوة. وأصبح هناك حديث متواتر حول "صوملة" الدول. وانتقلنا من الحديث عن الدول الفاشلة الى الدول الهشة، حيث باتت الهشاشة أقرب إلى السمة الهيكلية للعديد من الدول.
القضية الرابعة، هي ما وصفه د. قرني بالموضوعات القديمة التي يُعاد فتحها من جديد. فهناك مجموعة من القضايا بدت وكأنه قد تم حسمها، لكن يبدو أن ذلك لم يكن دقيقا في ضوء إعادة فتح هذه القضايا، وتنامي جدل جديد بشأنها. وقد حدد د. قرني في هذا الإطار ثلاث قضايا أساسية. الأولى، هي مسألة "السيادة الوطنية"، فقد ساد اعتقاد بأن مسألة السيادة بمعنى "احتكار الاختصاص" من جانب الدولة أصبحت أمرا مسلما به على المستوى الدولي. لكن هذا التعريف لم يعد دقيقا، أو لم يعد مقبولا. وقد صدر تقرير أممي مهم تحدث عن السيادة باعتبارها مسئولية وليست حق. ومع بروز الأوضاع الإنسانية المتدهورة في رواندا وصربيا، ظهرت بوضوح فكرة التدخل من أجل حماية الشعوب. وينقسم العالم حاليا حول تعريف السيادة الوطنية، فبينما تصر معظم دول الجنوب على المفهوم القديم للسيادة كحق، تتحدث معظم دول الشمال عن السيادة كمسئولية.
القضية الثانية هي إعادة النظر في مفهوم الحرب، على خلفية ظهور الحروب الجديدة. ويشير د. قرني هنا إلى أن العدد الأكبر من الضحايا لم يكن ناتجا عن الحروب بين دول. كما تعددت صور الحروب، فلم تعد مقصورة على الحروب التقليدية بين الدول أو الحروب الأهلية. فقد أصبح هناك أنواع جديدة من الحروب، وأنماط مختلفة من الفاعلين الدوليين، ومن ثم تعددت مراكز القرار في كل التسويات السلمية، وهو الأمر الواضح جدا في الحروب الدائرة في سوريا واليمن.
القضية الثالثة، التطور في مفهوم الأمن القومي؛ إذ لم يعد موضوع الأمن القومي موضوعا عسكريا فقط، حيث لم يعد ممكنا اختزال الأمن القومي في النواحي العسكرية فقط مثل الغزو الخارجي، فقد تكون هناك تهديدات عديدة، غير عسكرية وليست خارجية، تكون أكثر خطرا على الأمن القومي، مثل الأوبئة وتغيرات المناخ والجريمة المنظمة، وغيرها.
***
وقد شهد السيمنار نقاشا واسعا عقب مداخلة د. بهجت قرني. بدأ النقاش د. وحيد عبد المجيد، مدير المركز، بالإشارة إلى المحركات المختلفة التي هيمنت على دراسات العلاقات الدولية خلال مراحلها المختلفة، منها الدوافع أو المحركات الثقافية، والتي ترجمت نفسها من خلال تنامي النزعات القومية التي تصاعدت خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان العامل الرئيسي وراء هذه النزعات وجود ثقافة قومية متطرفة في ألمانيا نتجت عن عوامل واقعية ناتجة عن تسويات الحرب العالمية الأولى والتي كان لها تأثيرها العميق على قطاع كبير من الشعب الألماني. أيضاً هناك الدوافع والمحركات الدينية والصراعات المذهبية، وهو ما يعاد إنتاجه في الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة. فالمحركات المذهبية تكاد تكون هي الصراع الرئيسي في المنطقة. هناك محرك آخر، أسماه د. وحيد "الدوافع الطبقية"، والتي مثلت الحرب الباردة أحد أهم صورها، وذلك على خلفية وجود كتلة تبنت رؤية قائمة على نظرة طبقية للعالم والتفاعلات والصراعات الدولية، في مواجهة كتلة أخرى تواجه هذه النظرة وتحاربها. وقد تبلورت هذه الدوافع اليوم بصورة مختلفة، ويمكن رؤيتها بوضوح من خلال تأثير مختلف للعوامل الطبقية عبر المحددات الداخلية للسياسات الخارجية لبعض الدول؛ فعندما ننظر إلى بناء ترامب للسياسة الخارجية والتغيير الذي يحدثه في السياسة الخارجية الأمريكية، نجده مرتبطا بقاعدته الانتخابية، حيث تم تحويل السياسة الخارجية الأمريكية من قيادة عملية العولمة إلى مقاومة تلك العولمة.
وأثار النقاش سؤالا مهما حول ما إذا كان حقل العلاقات الدولية يشهد أزمة هوية؟ فقد أشار د. جمال عبد الجواد، مستشار المركز، إلى أنه في ضوء حالة الاتساع الشديدة لأجندة حقل العلاقات الدولية، بدا الحقل وكأنه يفتقد إلى نقطة تركيز، نتج عنه تخوف كبير لدى الباحثين من افتقاد حقل العلاقات الدولية "هوية" واضحة، فقد بدا الأمر بالنسبة لهؤلاء إما أن يتخصصوا في كل شيء أو أن يتركوا هذا الحقل العلمي. وفي الإطار ذاته، أثار د. محمد فايز فرحات، عددا من التساؤلات حول ما إذا كان البحث في مستقبل النظام الدولي؟ سؤالا بحثيا على أجندة الباحثين في حقل العلاقات الدولية، خاصة في ضوء التراجع الواضح في الأهمية النسبية لهذا السؤال خلال السنوات الأخيرة، وهل يعكس ذلك صعوبة الوقوف على طبيعة النظام الدولي أو أننا أصبحنا إزاء أنماط غير تقليدية في هيكل النظام العالمي، على عكس ما كان سائدا في أدبيات العلاقات الدولية حتى نهاية الحرب الباردة. وهل سؤال كيف يمكن تحقيق الاستقرار وتجنب الحروب هو التساؤل المركزي لدى منظري العلاقات الدولية، على نحو ما حدث خلال فترة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، والذي أدى إلى تطور عدد من النظريات في كل مرحلة؟ وما هي الإجابات الأساسية المطروحة على هذا التساؤل؟
وأشارت د. إيمان رجب إلى التأثير المهم لـ"الفاعلين من غير الدول"، بأنماطهم المختلفة، على التفاعلات في إقليم الشرق الأوسط، ولذلك يجب أن يكون هناك اهتمام بالتفكير في دور هذا النوع من الكيانات أو الفاعلين المؤثرين في التفاعلات الإقليمية، ودورهم في أي ترتيب أمني إقليمي مستقبلا، وهل سيتم التعامل مع هذه الفواعل من غير الدول ككيان مواز أم منافس للدولة، وما هي الآلية الخاصة بهذا التعامل؟
وأكد د. عبد العليم محمد أننا إزاء صياغة دولية جديدة خاصة بالعلاقات الدولية، بديلة عن نظام الأمم المتحدة، وبديلة أيضا لمبادئ عدم التدخل. وطرح في هذا السياق سؤالا حول ما إذا كانت هناك صياغة جديدة لمبادئ تواكب هذا التطور في العلاقات الدولية أم لا؟
وطرح د. زياد عقل سؤالا حول العلاقة بين صراع النخب والعلاقات الدولية في المرحلة الحالية، خاصة أن مرحلة ما بعد الربيع العربي هي في جوهرها مرحلة إعادة تشكيل النخب على مستويات متعددة؟
وأشار الأستاذ/ نبيل عبد الفتاح إلى ملاحظتين مهمتين. أولاهما، أن الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج العربي، يغلب عليها ويحركها الصراع الديني من ناحية، والصراع النخبوي داخل العائلات الحاكمة، من ناحية أخرى. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بأهمية الدور الذي باتت تلعبه الفواعل غير العنيفة، والتي تقوم بذات الوظائف التقليدية للدولة، الأمر الذي أسهم في تراجع مفهوم السيادة بمعناه التقليدي.
وطرح د. عمرو هاشم ربيع سؤالين حول مدى تأثر المنطقة العربية بكافة التغييرات والتحولات التي طرحها د. قرني؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار أن الإرهاب أصبح فاعلا من الفواعل الدولية؟ وفي الإطار ذاته، طرحت أ. شيماء منير سؤالا عن كيفية تطبيق النظريات الخاصة بإدارة الصراع الدولي أو تسوية الصراعات على الأنماط السائدة في الشرق الأوسط، خاصة الأزمة السورية؟ وطرح أ. محمد عباس سؤالا متصلا حول إمكانية تحديث التوجهات التقليدية في نظريات العلاقات الدولية لإسقاطها على ما يحدث الآن في المنطقة العربية؟.
ونوه د. محمد السعيد إدريس على ضرورة الإجابة على سؤالين، وهما: أي عصر نعيش فيه؟ وما القضايا ذات الأولوية على أجندة النظام العالمي الآن؟
وحول علاقة التداخل والتأثير المتبادل بين حقل العلاقات الدولية والتكنولوجيا تحدث د. حسن أبو طالب عن دور التكنولوجيا في تحديد أجندة جديدة لحقل العلاقات الدولية، وتأثير التكنولوجيات الجديدة على طريقة إدارة الحروب، حيث بدت الحروب تدار وكأنها مجرد مباراة gameعلى جهاز كمبيوتر. وأشار إلى أن كثافة التغيرات التكنولوجية وتعقد ظاهرة العولمة يمكن أن يؤدي إلى تطور "الحكومة العالمية" التي ظلت أحد القضايا المثالية في حقل العلاقات الدولية.
وفي إطار التداخل الحادث بين الدولي والمحلي، أشارت أ. رابحة علام إلى أنه على رغم التداخل الظاهر بين الداخلي والخارجي في تحليل الظاهرة الدولية، إلا أننا نلاحظ أن هناك نوعا من "الإمعان" في المحلية، ذلك أن المجتمع المحلي بدأ يرتبط عبر وسائل العولمة، خاصة الإنترنت، بفاعلين خارجيين عززوا من ذاتيته وانفصاله عن المجتمع المدني الجغرافي الذي يوجد فيه. نتج عن ذلك كيانات جديدة والتي هي في النهاية وليدة العولمة ولكنها تعبر عن هويات محلية باستخدام وسائط العولمة، بهدف فرض أجندة مختلفة عكس الأجندة التي تفرضها العولمة. وقد تأكد هذا التوجه مع وضوح الدور الدولي للمجتمع المدني في مجال العلاقات الدولية، وكيف استطاع أن يحشد قوى المجتمع المدني في البلاد المختلفة لكي يعارض الأجندة الرسمية التي كانت تفرضها الدول في إطار العولمة، وأن ينشئ قوى مضادة للعولمة.
وأشار د. أيمن عبد الوهاب إلى ما وصفه بـ"وهم التنمية"، حيث أشار إلى بعض الدراسات التي انتهت إلى أنه لم تكن هناك تنمية حقيقية وإن كل ذلك قد دار في إطار المصالح، وفي إطار السيطرة على الموارد، خاصة أننا أصبحنا نتحدث عن "مثلثات تنمية"، سواء كان الأمن الإنساني والغذائي والمائي، وربط كل ذلك بمفهوم المخاطر وهو ما أنتج في النهاية تداخلا بين ما هو محلي وما هو دولي. وطرح سؤالا: إلى أي حد يمكننا الرجوع إلى المفهوم القديم للنظريات الدولية في معرض حديثنا عن الاتجاهات المتعددة؟
وطرحت أ. أمل مختار سؤالا حول الخط الفاصل بين احترام السيادة والتدخل الخارجي من أجل حماية الشعوب، وما إذا كانت هناك مساهمة عربية أو جنوبية لوضع اقتراب جديد للسيادة لا يغفل مبدأ حماية الشعوب، وفي نفس الوقت لا يتطابق مع النظريات الغربية الجديدة عن السيادة.
وأخيرا طرح د. محمد عز العرب حول مدى انطباق فكرة "الدولة الإقليم" على حالة إقليم الشرق الأوسط؟ وهل هذا يفسر حالات ثابتة مناظرة سواء في أوروبا أو آسيا وأمريكا اللاتينية؟ وكيفية تعامل الدول مع "التهديدات غير المرئية"؟
وفي سياق إجابته على هذه التساؤلات أعاد د. بهجت قرني التأكيد على أن هناك أزمة هوية بالفعل داخل حقل العلاقات الدولية، لكن الالتزام بالمدارس التقليدية الكبرى في حقل العلاقات الدولية، خاصة المدرسة الواقعية، يمكن أن يسهم في حل هذه الأزمة، لكن مع الأخذ في الاعتبار التطورات التي طالت مفاهيم العلاقات الدولية. فمفاهيم مثل القوة والسيادة، على سبيل المثال، لازالت مفاهيم مركزية في فهم العلاقات الدولية، لكن هناك في الوقت ذاته تغيرات كثيرة طرأت على هذه المفاهيم يجب ألا نغفلها وإلا لن نستطيع فهم ظواهر العلاقات الدولية.
***
أدار النقاش:
د. وحيد عبد المجيد، مدير المركز
شارك في السمينار (بالترتيب الأبجدي):
أ. أحمد كامل البحيري، باحث بوحدة الدراسات العسكرية والأمنية.
د. أماني الطويل، رئيس وحدة الدراسات الدولية.
أ. أمل مختار، باحثة بوحدة الدراسات العسكرية والأمنية
د. أميرة عبد الحليم، خبيرة بوحدة الدراسات الدولية
د. إيمان رجب، قائم بأعمال وحدة الدراسات العسكرية والأمنية.
د. إيمان مرعي، خبيرة بوحدة الدراسات الاقتصادية
د. أيمن عبد الوهاب، رئيس وحدة الدراسات المصرية
د. جمال عبد الجواد، مستشار المركز.
د. حازم محفوظ، خبير بوحدة الدراسات الدولية
د. حسن أبو طالب، مستشار المركز.
د. دينا شحاته، خبيرة بوحدة الدراسات المصرية
أ. رابحه علام، باحثة بوحدة الدراسات المصرية
د. رشاد أنطونيوس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كيبيك (كندا)
د. زياد عقل، خبير بوحدة الدراسات المصرية
أ. سنيه الفقي، باحثة بوحدة الدراسات الاقتصادية
أ. شيماء منير، باحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية
أ. صافيناز محمد أحمد، باحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية.
د. عبد العليم محمد، مستشار المركز.
د. عمرو هاشم ربيع، نائب مدير المركز.
د. محمد السعيد إدريس، مستشار المركز.
أ. محمد عباس ناجي، باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية.
أ. محمد عبد القادر، باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية.
د. محمد عز العرب، خبير بوحدة الدراسات العربية والإقليمية.
د. محمد فايز فرحات، الخبير بوحدة الدراسات الدولية.
أ. مرام ضياء، باحثة بوحدة الدراسات الدولية.
د. معتز سلامة، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية
الأستاذ/ نبيل عبد الفتاح، مستشار المركز.