د. أميرة محمد عبد الحليم

خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

وسط تجاذبات سياسية وتهديدات أمنية، وتأجيل للانتخابات العامة والرئاسية دام لشهور، تمكنت القوى السياسية فى الصومال في الثامن من شهر فبراير الجاري من اختيار رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود، لتبدأ مرحلة جديدة فى مسيرة التطور السياسى للدولة الصومالية التي لازالت تحاول التعافي من أزمة مستمرة لأكثر من عقدين.

فقد اختار 328 من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب فى مجمع لمطار مقديشيو رئيس الوزراء الأسبق محمد عبد الله فرماجو رئيسا جديدا للبلاد من بين 21 مرشحا، كان فى مقدمتهم الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود، ورئيس حكومته عمر عبد الرشيد شارماركي، إضافة إلى الرئيس السابق شريف شيخ أحمد.

محمد عبدالله فرماجو

ولد محمد فارماجو في مقديشو فى مايو عام 1962، وينحدر من قبيلة "الدارود"، وهي من القبائل الأربعة الكبرى فى الصومال.
تلقى تعليمه الأساسى والثانوى في مقديشو، وانخرط في السلك الدبلوماسى، حتى أصبح السكرتير الأول لسفير الصومال لدى الولايات المتحدة في عام 1985. غادر هذا المنصب في عام 1989 ليلتحق بكلية التاريخ بجامعة بافالو في نيويورك، حيث حصل على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
وعقب اندلاع الحرب الأهلية فى الصومال طلب فرماجو اللجوء السياسى للولايات المتحدة، حيث حصل على الجنسية الأمريكية فى عام 1994. كما عمل فى عدة مناصب إدارية فى الولايات المتحدة.
وفي أكتوبر عام 2010 عينه الرئيس الصومالي الانتقالي السابق شريف شيخ أحمد رئيسا للوزراء، لكنه استقال من هذا المنصب فى يونيو 2011 عقب توقيع الرئيس الأسبق شيخ شريف ورئيس البرلمان الأسبق الشريف حسن على اتفاقية كمبالا التى أنهت الخلاف بينهما ونصت على استقالة رئيس الوزراء من منصبه. وقد ترتب على ذلك موجة واسعة من الغضب داخل الشارع الصومالي، جعلت من فرماجو بطلا قوميا، خاصة فى ظل الإنجازات الأمنية والسياسية التى حققها خلال فترة رئاسته للوزراء.
وفى أعقاب استقالته من الحكومة انتقل فرماجو إلى الخارج، حيث أسس حزب "العدالة والمساواة"، وأصبح أمينا عاما للحزب. لكنه عاد مرة أخرى إلى الصومال ليشارك فى الانتخابات الرئاسية التي أجريت فى أغسطس 2012 والتى فاز فيها الرئيس حسن شيخ محمود، حيث استقبلته الجماهير بحفاوة بالغة، وكان أنصاره يأملون فى أن يمنحه الرئيس شيخ محمود منصب رئيس الوزراء ولكن هذا لم يحدث.
خاض فرماجو الانتخابات الرئاسية التى عقدت فى 8 فبراير 2017، حيث فاز فى الجولة الثانية من المنافسة. ومثل فوزه مفاجأة غير متوقعة، ليفتح الطريق أمام فرماجو المرشح الوطنى الذى انتظر عودته الكثيرون من الشعب الصومالى.

وكان الرئيس فرماجو، الذى يحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب الجنسية الصومالية، والمنتمى إلى قبيلة الدارود وهى من أكبر القبائل الصومالية، قد شغل منصب رئاسة الوزراء خلال الفترة من أكتوبر 2010 إلى يونيو 2011 فى عهد حكومة شيخ شريف أحمد. وحظى خلال تلك الفترة بشعبية واسعة على خلفية قيامه بالعديد من الإصلاحات الوطنية، لكنه اضطر لتقديم استقالتهمما أدى لاندلاع احتجاجات رافضة تخليه عن منصبه.ويعد فرماجو الرئيس الثانى للبلاد منذ تشكيل مؤسسات الحكم الدائمة فى عام 2012.

وعلى الرغم من أن العملية الانتخابية الأخيرة فى الصومال لم تسر وفقا لما كان مقررا لها باختيار المرشحين عبر اقتراع مباشر، مع حرمان الأحزاب الناشئة من المشاركة فيها، إلا أن هذه العملية وصفت بأنها الأكثر ديمقراطية في الصومال منذ خمسة عقود؛ فقد شارك فيها 14 ألفا من المندوبين لاختيار أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وهو ما مثل خطوة مهمة بالمقارنة بما حدث في انتخابات عام 2012 والتي اختار خلالها  135 من الأعيان والوجهاء كل النواب الذين صوتوا لاحقا للرئيس.

لكن مع أهمية هذا التطور لازالت الصومال تعاني العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تمثل تحديات مهمة يتوجب على الرئيس فرماجو التعامل معها. وبشكل عام، هناك ثلاثة ملفات حرجة ستكون على مائدة فرماجو، سيتحدد مستقبله السياسي بناء على طريقة إدارته لها، وهي ملفات تشكل فى مجملها أبعاد الأزمة الصومالية التى باتت تستعصى على التسوية.

الملف الأمنى

تعانى مناطق مختلفة من الصومال من التهديدات الأمنية نتيجة لاستمرار المواجهات بين قوات الاتحاد الأفريقى التى تدعمها قوى إقليمية، مثل كينيا وإثيوبيا، ويزيد حجمها عن 22 ألف جندى، وحركة "شباب المجاهدين" الإرهابية التى تستهدف عملياتها منذ عام 2009 الحكومة الصومالية، وتحولت إلى تهديد إقليمى كبير للدول المجاورة للصومال، خاصة بعد أن ارتبطت بتنظيم القاعدة فى عام 2011. كما اتجه فصيل من الحركة لمبايعة "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) خلال الشهور الأخيرة، مما أدى إلى تصاعد التحديات الأمنية الداخلية فى الصومال، وإثارة المزيد من القلق لدى دول الجوار الإٍقليمي والتى تشارك فى قوات الاتحاد الأفريقي.

وعلى الرغم من النجاحات التى حققتها قوات الاتحاد الأفريقي والقوات الصومالية، خاصة طرد حركة "شباب المجاهدين" من العديد من المدن والموانئ الرئيسية الصومالية، وبدء عودة بعض اللاجئين إلى ديارهم، لكن لازالت الحكومة الصومالية عاجزة عن السيطرة على كامل أراضى الدولة، ولا تزال حركة "شباب المجاهدين" تفرض نفوذها على مناطق مختلفة فى جنوب ووسط البلاد، كما تعمل الحركة على تطوير عملياتها وزيادة أعداد ضحاياها لتأكيد استمرارها وعدم تراجع قوتها. وهكذا، فإن التحدي الأول أمام فرماجو يتعلق بمدى قدرة نظامه وحكومته على فرض سيادة الدولة الصومالية على كامل الأراضي والأقاليم في مواجهة التنظيمات الدينية المتشددة التي تمثل تحديا خطيرا لسيادة الدولة. ورغم أن قوات الاتحاد الأفريقي تمثل ذراعا مهمة للدولة الصومالية في هذا الإطار، إلا أن هذا لا يقلل من خطورة هذا التحدي، ولا ينفي مشروعية إثارة التساؤلات حول مدى قدرة النظام الجديد على تحقيق هذا الهدف.

الملف السياسى  

أحد الأسباب الرئيسة وراء اندلاع الصراع فى الصومال هو فشل القوى السياسية في تحقيق التوافق فيما بينها حول العملية السياسية. وبعد مرور أكثر من عقدين على الأزمة لا تزال الانشقاقات السياسية تمثل عقبات أمام بناء استقرار وسلام مستدام فى الصومال. أضف إلى ذلك عدم قدرة النظام السياسى على تجاوز الصراعات القبلية والأقاليمية، بل واستمرار الصدام بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء بسبب عدم تمييز الدستور بين مهام كل موقع، الأمر الذي أنتج ظاهرة عدم استقرار الحكومات الصومالية، التى أصبحت من الظواهر المميزة للنظام السياسى فى الصومال. وعلى سبيل المثال، شهدت فترة حكم الرئيس السابق حسن شيخ محمود ثلاثة تغييرات للحكومة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى عجز النظام عن تسيير أمور البلاد وعدم قدرته على وضع الدستور الدائم وإجراء الانتخابات فى موعدها الذى كان مقررا فى أغسطس 2016.

يضاف إلى ذلك أن التطورات السياسية فى الصومال لا تسير بمعزل عن التدخلات الخارجية، خاصة الفاعلين من دول الجوار (إثيوبيا، كينيا، إريتريا، جيبوتى)، والقوى الغربية وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن بعض الفاعلين الجدد مثل الإمارات وقطر وتركيا، حيث يعمل كل طرف على توجيه الأزمة الصومالية في الاتجاه الذي يخدم مصالحه من خلال دعم أطراف دون غيرها. وفى المقابل، تستفيد بعض الأطراف السياسية الداخلية من الدعم الخارجى.

ملف الفساد

احتلت الصومال مكان الصدارة فى تقارير منظمة الشفافية الدولية الخاصة بقياس درجة الفساد منذ عام 2007 وحتى عام 2015. فقد نجح العديد من أصحاب المناصب العامة فى الصومال في تحويل مواقعهم تلك إلى وسيلة لتحقيق الثروات والمكاسب غير الشرعية.كما أصبح الفساد ذاته آلية للحصول على نصيب من هذه المواقع. كذلك، كانت مجموعة المراقبة الدولية التابعة لمجلس الأمن قد نشرت تقريرا فى شهر أبريل 2011 أشارت فيه إلى اختلاس مسئولى الحكومة الصومالية 3 ملايين دولار. وفي الاتجاه ذاته، اٌتهم رئيس البرلمان السابق، الشريف حسن، بسوء استخدام الأموال الحكومية، حيث قدرت مصاريف مكاتب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان والرئيس في عام 2011 بنحو 12 مليون دولار.

وفي يناير الماضي أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي لمؤشر مدركات الفساد لعام 2016، أشارت فيه أن الصومال تمكنت من تحسين معدلها في مؤشر الفساد في ذلك العام، على الرغم من احتلالها، للعام العاشر على التوالي، المركز الأدنى ترتيبا على مؤشر الفساد.

وخلال الانتخابات الأخيرة اتهم المعارضون الرئيس حسن شيخ محمود بالفساد المالي والإداري، والإخفاق في ضبط الأمن. وأفاد تقرير لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2015 تورط شيخ محمود في سرقة أموال صومالية في الخارج. وشهدت الانتخابات البرلمانية الكثير من أوجه الفساد مثل شراء الأصوات، وحرمان بعض المرشحين من استكمال العملية الانتخابية، ومنع منظمات المجتمع المدنى من مراقبة الانتخابات.

وبالإضافة إلى هذه الملفات التى تمثل تحديات حقيقية أمام الرئيس الصومالى الجديد، هناك ملفات أخرى لا تقل أهمية تحتاج أيضا لمعالجات، كتحسين مؤشرات النمو الاقتصادى والقضاء على البطالة التى تصل إلى 75%، والفقر الذى يعانى منه 95% من السكان، وإعادة الإعمار، ومواجهة الجفاف ووضع دستور دائم للبلاد، واستكمال تشكيل الولايات الفيدرالية.

وفى مقابل هذه التحديات يبدو أن الرئيس الصومالى الجديد يمكن أن تتاح له بعض الفرص لتنفيذ برنامجه الانتخابى الذى يتضمن تحقيق الوحدة والأمن ومحاربة الفساد. فعلى الرغم من انتمائه إلى قبيلة "الدارود"، مما يهدم فكرة أن الرئيس يجب ألا يخرج عن قبيلة الهوية التى تسيطر على العاصمة، إلا أن خبرته السياسية وإنجازاته التى حققها فى المجالين الأمنى والسياسى خلال أقل من عام في منصب رئيس الوزراء فى ظل حكومة شيخ شريف أحمد السابقة، ورفضه للتدخلات الخارجية فى الصومال والتى زادت من شعبيته، قد تساعده فى تحقيق أهدافه، خاصة فى حالة تطور الحياة السياسية فى الصومال والعمل على التأكيد على حق الشعب فى الاقتراع المباشر فى الانتخابات أو الاستفتاء بحلول عام 2020، مما قد يساهم في تراجع دور زعماء القبائل والأقاليم. كذلك يعول البعض على علاقات الرئيس فرماجو بالولايات المتحدة التى عاش فيها وتلقى تعليمه الجامعى، وما يمكن أن تطرحه هذه الصلات من فرص للرئيس لاستمرار المساعدات الأمريكية للصومال والحصول على الدعم الأمريكى لمحاربة الإرهاب.